يدفع تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية في الآونة الأخيرة، إلى التوقف عند أسباب هذا التراجع وما إذا كان ذلك محطة جديدة لتسجيل تدهور جديد لليرة السورية، ما يؤدي إلى احتمالية زيادة تدهور الاقتصاد السوري.

سعر صرف الليرة السورية شهد خلال الأيام الماضية انخفاضا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، بعد ثباتها لأشهر عند حدود 3500 ليرة مقابل الدولار الأميركي، في حين سجلت الليرة يوم أمس السبت 3820 للدولار الواحد.

تغير غير مسبوق

هذا التراجع جاء بعد استقرار نسبي لليرة السورية منذ قرابة العام، إذ تراوح سعر الصرف في السوق السوداء بين 3500 و3600 للدولار الواحد، وذلك بعد حزمة إجراءات اتخذتها حكومة دمشق لضبط الانهيار الذي أصاب الليرة في نيسان/أبريل 2021، والذي وصلت معه الليرة عتبة الـ 5000.

في حين لا يزال المصرف المركزي السوري، يُسعّر الليرة بـ 2512 مقابل الدولار.

ولم يعرف بعد أسباب انخفاض الليرة السورية، وسط توقعات بارتباطه بالأزمة الأوكرانية والحرب الروسية عليها، على اعتبار أن الأزمة انعكست نسبيا على سوق المال العالمي، إلى جانب ارتباط النظام بحليفه الروسي اقتصاديا.

إلى جانب ذلك، شهدت الأسواق السورية ارتفاعا في الأسعار، خاصة أسعار المواد الأساسية، لأسباب غير واضحة بعد، إذ أرجعها البعض إلى ارتفاع أسعار الطاقة والقمح وغيرها من المواد عالميا، على خلفية الأزمة الأوكرانية- الروسية.

في حين يرى مواطنون أن الأسعار ارتفعت بعد رفع الدعم الحكومي عن شريحة كبيرة من المواطنين، والذي يشمل مواد أساسية من بينها الخبز والمازوت والبنزين والغاز والمواد والتموينية.

بينما ذكرت مصادر خاصة لـ”الحل نت” أن العديد من التجار في محافظة دمشق ابتعدوا عن العمل نتيجة الإجراءات الجديدة التي صدرت عن حكومة دمشق، حيث تسبب ارتفاع الأسعار بانعدام المنافسة واحتكار القلة للبضائع.

كما ارتفعت الكثير من مصاريف الاستيراد من الخارج، كأجور النقل وأسعار التأمين وارتفاع أسعار المواد الأولية، غير أن المصاريف التي ارتفعت من الداخل أكبر لعدم وضوح التشريعات ضمن بيئة العمل وتعارضها.

هذا وتكشف مؤشرات الموازنة السورية للعام الجاري، مدى تضاءل هامش المناورة للحكومة في ظل التحديات المالية الكبيرة، التي يرى محللون أنه لا حل لها في ظل شلل محركات النمو المُكبَلة بقيود الحظر الأميركي، ومع تدهور قيمة العملة المحلية أمام الدولار في السوق السوداء.

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، عمرو سالم، كان أرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى “احتكار” التجار للمواد الغذائية.

وقال سالم لصحيفة “الوطن” المحلية، إنه خلال الفترة الأخيرة لجأ عدد من التجار لرفع أسعار بضائعهم إضافة إلى احتكارها، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق.

وأضاف: “هناك ارتفاعا عالميا بأسعار الزيت النباتي بنسبة 40 بالمئة نتيجة تطورات الأزمة الأوكرانية”، لافتا لوجود توجهات من أجل استيراد الزيوت من مصادر أخرى، مثل ماليزيا.

ما تأثير ارتفاع الأسعار على سعر الصرف؟

مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تمام العقدة، قال لصحيفة “تشرين” المحلية، إن “القرار الأخير الذي أصدرته الحكومة برفع الدعم عن مجموعات كبيرة من العائلات في سوريا ليس له علاقة برفع الأسعار على هذا النحو السريع حاليا”، وألقى اللوم على التجار، حيث قال “سبب هذا الارتفاع هو محاولات لبعض ضعاف النفوس وبعض التجار استغلال قرار رفع الدعم، أما بالنسبة لارتفاع أسعار بعض الخضراوات، فسببه الظروف المناخية في فصل الشتاء من كل سنة.

مع العلم أن هذه الظروف المناخية تحدث في كل عام مثل “الصقيع وموجات البرد والعواصف المطرية” التي تسبب خسائر في منتجات الخضار والفاكهة، ولكن ليس مثل هذا العام، الذي تزامن مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير مع صدور قرار رفع الدعم.

المحلل الاقتصادي، يوسف أحمد، يقول في حديث لـ”الحل نت” إن ارتفاع الأسعار الأخير في مناطق سيطرة الحكومة السورية، جاء بسبب قرار إلغاء الدعم لبعض المواد الغذائية الأساسية، ما يؤدي بشكل طبيعي إلى فقدانها من العرض وزيادة الطلب عليها وزيادة سعرها، في الوقت الذي عزا فيه ارتفاع سعر صرف العملة المحلية إلى عدة أسباب منها ما يتصل بارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي يدفع التجار لتأمين مواد إضافية ولو كان من السوق السوداء، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار مقابل بيع الليرة السورية.

وأضاف الأحمد أن عودة هبوط قيمة العملة، تكشف أن جميع السياسات النقدية وغير النقدية لاحتواء أزمة الليرة لا جدوى منها على المدى الطويل بالنسبة لحكومة دمشق، وما المحاولات السابقة إلا أدوات موضعية بأثر طفيف ومحدود الأجل، حيث أن حكومة دمشق لم تعد تمتلك القطع الأجنبي الذي يمكنها من ضبط السوق خلال الفترة المقبلة، وهي أيضا عاجزة عن تأمينه أو السيطرة على حركته في البلاد، كما لم يعد باستطاعتها تأمين الدعم، من الدول التي تحملت عنها أعباء مالية كبيرة خلال السنوات الماضية، لاسيما روسيا الآن التي تعاني من عقوبات غربية مشددة بعد غزوها للأراضي الأوكرانية.

وتابع موضحا “لا بد من الإشارة أيضا فيما يتعلق بعوامل ارتفاع سعر صرف الليرة إلى تأثير التوقف شبه الكامل لعجلة الإنتاج المستمر حتى الآن، في ظل صعوبة استيراد السلع الضرورية من الخارج، حيث تتم عمليات الشراء بالنقد الأجنبي، مما أدى إلى زيادة الطلب عليه، ونقصه في السوق، وبالتالي ارتفاع سعره على حساب العملة المحلية”.

يذكر أن تقارير صحفية محلية أشارت إلى أن عدة أمور أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل يومي، من أبرزها احتكار بعض التجار والمستوردين للبضائع التي يستوردونها، فضلا عن قيام الحكومة بإصدار قرارات بالحد من استيراد السلع، إضافة إلى الوضع في لبنان وتدهور قيمة العملة اللبنانية، والذي أثر سلبا على الاقتصاد السوري، فضلا عن أن التجار يسعّرون البضائع المستوردة، بما يتجاوز سعر الصرف المتداول بثلاثة أضعاف.

إلى جانب ازدياد الفارق بين العملة المحلية والعملات الأجنبية، ما حدى بارتفاع أسعار المنتجات وانخفاض القوة الشرائية في سوريا، وبالتالي بات هناك تدهور جديد في سعر الصرف.

وكانت حكومة دمشق رفعت خلال الفترة الماضية أسعار المواد والسلع الأساسية المدعومة كالخبز والسكر والرز، بالإضافة إلى رفع أسعار المازوت والبنزين والغاز، والكهرباء والاتصالات، في ظل انهيار الليرة السورية وتلاشي قيمتها الشرائية مع تدني الرواتب في القطاعين العام والخاص.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.