تعد الرشوة أو الإكرامية، من الظواهر القديمة في سوريا، وهي التي تعتبر إحدى أشكال التعامل داخل الدوائر الحكومية، حتى أن معظم المعاملات الخاصة بالمواطنين لم تكن لتتم دون دفع إكرامية للموظف المختص، وفق ما اصطلح على تسمية الرشوة في محاولة لتبريرها.

ومع سنوات الحرب وما لحقها من انهيار اقتصادي كبير، ازدادت هذه الظاهرة وبشكل كبير وعلني في معظم الدوائر، حيث يشتكي المواطنون من تعطيل أعمالهم في المؤسسات الحكومية ودوائرها ما لم يتم الدفع للموظفين، كما وتتفاوت المبالغ المدفوعة كرشاوى حسب كل معاملة وقيمتها.

تسعيرات محددة فهل من حل؟

يقول موقع “سيرياستيبس” المحلي، أن الرشوة باتت الملاذ المهم للغالبية العُظمى من العاملين في الدولة أو حتى في القطاع الخاص، وهي تزداد وتنقص حسب الدرجة الوظيفية، بدءا من المستخدمين في هذه الدوائر وصولا إلى حملة الشهادات الجامعية.

ويشير الموقع، إلى أن التسعيرة في أقل الحالات ألف ليرة سورية، إذ لم يعد طلب الإكرامية يشكل أمرا محرجا كما كان قبل سنوات الأزمة، بل على العكس بات إجراء روتينيا وأمرا اعتياديا لدرجة أن تسعيرة كل توقيع أو كل موظف أصبحت معروفة عند الكثيرين، لافتا إلى أن ارتفاع نسبة الرشاوى والفساد يتناسب طردا مع فشل الحكومة في ضبط ارتفاع الأسعار، الذي لم يترك خيارا أمام الموظفين سوى طلب الإكرامية.

ويرى متابعون، أن الرشوة لا تقتصر على بلد دون آخر، لكن في الدول التي تعاني من الحروب تجعلها عرضة بشكل أكبر لانتشار الفساد بكل أشكاله، بحيث تنتشر جرائم الاتجار بالوظيفة العامة أو الاعتداء على المال العام وتلقي الرشوة بشكل غير مشروع، الأمر الذي يؤثر سلبا على خطط التنمية ويؤدي إلى انهيار الاقتصاد الوطني، ما يتطلب الاهتمام بشكل أكبر من قبل الجهات الرقابية على الفساد في المستوى الكبير، حيث تمتد عواقبه إلى باقي المستويات في المجتمع.

ونقل الموقع عن سمير اسماعيل، الباحث في الإدارة العامة، بضرورة إتاحة الفرص للآراء والاتجاهات المختلفة للتعبير عن وجهات نظرها من خلال المؤسسات ووسائل الإعلام المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى كشف العديد من حالات الفساد، ووضعها تحت بصر وتصرف الأجهزة الرقابية والقضائية المنوط بها هذه الأمور، إضافة إلى ضرورة سن القوانين والتشريعات المنظمة والرادعة دون استثناء، بهدف سد الثغرات التي ينفذ منها المفسدون، والتصدي لمن تسول له نفسه التلاعب بأموال ومصالح الدولة والشعب.

وأشار إسماعيل، إلى ضرورة تعظيم دور الأجهزة الرقابية المتخصصة، وعلى رأسها الأجهزة المركزية، لتأخذ دورها كاملا في محاسبة المفسدين والمرتشين في الأجهزة الإدارية، وفي كل مفاصل المؤسسات والتصدي للفساد في جميع صوره.

إقرأ:دمشق: عضو في مجلس الشعب يفضح الفساد ويطالب رئيس الحكومة بالاستقالة

الرشوة المجرمة قانونا والمشرعنة اجتماعيا!

يعاقب القانون السوري على الرشوة، ويصنفها قانون العقوبات بأنها جريمة جنحية، أو جنائية حسب الحال، ويعاقب كل من الراشي والمرتشي بنفس العقوبة وفق المادة 343 من قانون العقوبات، حيث فرّق القانون بين عقوبة الموظف المرتشي ليقوم بعمله الطبيعي، وهنا يعاقب بالحبس 3 أشهر على الأقل وبغرامة تصل إلى ضعفي ما أخذه كرشوة.

أما إذا قبل المرتشي الرشوة ليقوم بعمل مناف لطبيعة عمله، فهنا تعتبر جريمة الرشوة جريمة جنائية، ويعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤقتة، وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف ما أخذ أو قبل به حسب المادة 342 من قانون العقوبات، أما عرض الرشوة دون دفعها فهي جريمة جنحية يعاقب عليها فاعلها بالحبس 3 أشهر وغرامة تصل إلى ضعفي ما أراد دفعه.

ولكن من جانب آخر، وحسب موقع “سيرياستيبس”، يرى البعض أن ما اعتبره القانون “رشوة يعاقب عليها” هو حل لأزمة اقتصادية على المستوى الشخصي، بحيث يتم من خلالها تدوير رأس المال من شخص لآخر، وهي لا تسبب ضررا على الاقتصاد الوطني، وفق ما نقل التقرير، بخاصة ضمن الظروف الحالية التي يعيشها البلد وضعف الراتب الوظيفي وتدني المستوى المعيشي، كما اتجه آخرون إلى شرعنتها واعتبارها حقا لهم واجبا السداد، على اعتبار أن ما يقومون به من عمل وظيفي لا يتناسب مع ما يتقاضونه من أجر.

قد يهمك:الدعم الزراعي يصب في قناة الفساد الحكومي المعتاد بسوريا

يشار إلى أن قضية الرشوة بشكل عام، تسبب انقساما بين المواطنين، فهناك من يرفضها على اعتبار أنها جريمة، وأن المواطن غير ملزم بتقديمها للموظف المسؤول أصلا عن أداء وظيفته، وهناك من يراها أمرا إيجابيا يخلصهم من الروتين البطيء في إجراء المعاملات، ولا مانع لديهم في أن يحسن الموظف وضعه الاقتصادي مقابل ما يصطلحون على تسميته “تيسير أمور”، في حين يبقى الحكم للقانون الذي يعتبرها جريمة بكل الأحوال، وإن كان هذا القانون لا يتم تطبيقه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.