خلال الآونة الأخيرة، ينشط مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” في مسعى منه للتواصل مع قوى سياسية سورية متعددة داخل البلاد وخارجها، بهدف التأسيس لمؤتمر وطني يجمع مختلف القوى الديمقراطية السورية، كان من أحد صوره انعقاد آخر الجلسات التمهيدية من قبل اللجنة التحضيرية لمؤتمر “القوى والشخصيات الديمقراطية” والتي أقيمت في مدينة ستوكهولم السويدية، وشارك فيها “مسد” كأحد القوى التي تسعى لالتئام صف القوى الديمقراطية السورية.

هواجس كثيرة تحيط بمسارات عمل تيارات المعارضة السورية والتي من شأنها تأخير التوافق فيما بينها. ذلك في الوقت الذي تنشغل فيه بعض الأطراف المعارضة بوضع شروطها على نظرائها، في حين فإن حكومة دمشق ومن يمثلها في العملية السياسية يواصلون التمسك بعقلية الاستبداد والهيمنة المتجذرة في منظومتها منذ سنوات طويلة. بينما يحافظ “مسد” على أولوياته المتمثلة بضمان حضور سياسي يجنب مناطق شمال شرق سوريا أي تصعيد عسكري تركي، إلى جانب السعي لحل العديد من القضايا المتعلقة بالشأن السوري المشترك بين مختلف الأطراف المحلية.

ما مصلحة “مسد” من هذه الدعوة؟

مجلس سوريا الديمقراطية، دعا مؤخرا لمهرجان خطابي بمناسبة الذكرى الـ 11 للحراك الشعبي في سوريا، في تحرك يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات لهذا المهرجان وإحياء هذه الذكرى في مناطق “الإدارة الذاتية” بشمال شرق سوريا، والانتقال من الفضاء الإلكتروني بإصدار بيانات ومواقف في هذه الذكرى خلال سنوات مضت إلى أرض الواقع.

يرى السياسي والمحامي السوري، عيسى إبراهيم، “ليس لدي معلومة موثوقة حول الدافع منهم في ذلك، لكن أميل الى الظن -كشخص يرى المشهد عن بُعد- أن هذه الخطوة بمنزلة انفتاح على الحراك السياسي السوري العام، وهذا الانفتاح بزعمي قد لا يعني بالضرورة قطع شعرة معاوية مع دمشق، وإن عَنَى بدء شعرة معاوية جديدة مع بقية أطياف الحراك السياسي السوري “المُعارض” يقتضيها تداعي الواقع”.

وأردف السياسي السوري، خلال حديثه لـ “الحل نت”، “هو أمر نسبي، سواء صحيح أم خاطئ، ورهين نتائج التوافق حتى يمكن وصفه كتحرّك بالإيجابي أم السلبي”.

أما حول سعي “مسد”، إلى التقارب الأكثر مع تيار المعارضة الرسمية التي تدعم تركيا جزء كبير منه، متمثلا بـ”الائتلاف” و”هيئة التفاوض”، وآثار هذه الدعوة، يقول إبراهيم، “أميل إلى الزعم، أن مجلس سوريا الديموقراطية بقسم منه -وتحت ضغط تحديات واقعية- يظن بوجود مصلحة بالتواصل مع “المعارضة الرسمية” التابعة للدول و على رأسها تركيا وقطر، معتبرين أن ذلك قد يكون مدخل لمقاربة بعض الملفات العالقة مع تركيا، وبما يُساهم بالتخفيف من حِدّتها في المناطق ذات احتكاك واقعي الآن أو مُحتمل في الشمال الشرقي من سوريا”.

وأشار إبراهيم، إلى أن “هذه مقاربة واقعية منهم بزعمي واعتقادي، حيث سيكون هناك تداعيات بتهدئة التصعيد المحتمل، على الأقل وقف تمدد قوات المرتزقة السوريين التابعين تركيا-أردوغان في مناطق التداخل السكاني المختلط، أو التواجد الواقعي أو المؤسسي لـ مسد”.
وإن كنت أزعم أن (النظام السوري) لديه قدرة كما تركيا-أردوغان على التفاهم فيما بينهما وتبادل الخدمات وعلى حساب جميع الأطراف بما فيهم مجلس سوريا الديموقراطية و “منصة اسطنبول-الدوحة، الجناح السياسي للقاعدة”، الذي يملك الأسد الابن حصة فيها، كما أردوغان”، وفق تعبير إبراهيم.

وتابع “وهو تفاهم بزعمي تمّ لعقود ولم ينقطع حتى بعد بدء الانتفاضة الشعبية في 2011 وما زال مستمرا ومحترم بينهما، ومعيار جدية هذا التقارب بين “مسد” و”المعارضة الرسمية” هو تحقيق إنجازات واقعية في ملف المياه التي تسرقها تركيا من حصة سوريا من المياه، كذلك وقف التغيير الديموغرافي الذي قامت وتقوم به تركيا بالتعاون مع الأسد الابن ودول إقليمية ودولية أخرى، ووقف تهديد حياة المدنيين السوريين، وإدارة مناطق “مسد” بمستوى أقل من الأدلجة و الأِحادية، وربط الإدارة بالمصالح العابرة في المجتمع هناك في شمال شرقي وعموم سوريا”.

قد يهمك: اجتماع واشنطن: ترحيب دولي بسياسة جديدة في سوريا؟

إنهاء العزلة

بينما يعتبر الكاتب السياسي السوري الكردي، داريوس درويش، بأن مسد تحاول “منذ مدة إنهاء العزلة المفروضة عليها سياسيا من قبل أقطاب المعارضة السورية الممثلة في اللجنة الدستورية، إذ نشأت منصات معارضة سواء في موسكو أو القاهرة أو الرياض دون أن تفسح أي منها مجال الانضمام إليها أمام مسد. لذا، فمن المفهوم أن تقوم مسد بإنشاء منصتها الخاصة، خاصة وأن لها وجود على الأرض وتؤثر بشكل فعلي في مجريات الأحداث في سوريا”.

وأردف خلال حديثه لموقع “الحل نت”، بأن “مسد” تواجه مشكلة حقيقية في سعيها لتحقيق هذا الهدف، فالمجلس متهم على نطاق واسع بأنه واجهة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” والذي يعتبر حزبا كرديا عند الكثيرين، وبالتالي لا يصلح لقيادة تيار معارض يمثل سوريا كلها، وخاصة في الأوساط العربية المؤيدة للحراك الشعبي.

كما أشار درويش، إلى أنه “ورغم أن العديد من قيادات مسد هم من الشخصيات المعروفة بنضالها القديم ضد (النظام السوري) حتى قبل (الحراك الشعبي)، فإن هذه التبعية يلحقها اتهام آخر، ضمني أحيانا وعلني أحيانا أخرى، وهو أن “مسد” معادية (للحراك الشعبي) على اعتبار أن حزب الاتحاد الديمقراطي متهم بذلك أيضا”.
وأعتقد الكاتب السياسي، بأن الحل يكمن في “التعبير بوضوح أكبر عن دعم (الحراك الشعبي)، وهو ما يمثله المهرجان الخطابي الذي دعا إليه مسد حاليا”.

وخلص حديثه لـ “الحل نت”، بالقول “لا أعتقد أن هذه الخطوة تشكل أي شيء آخر أبعد من تجميل صورة مسد؛ ضمن الأوساط المؤيدة (للحراك) في مناطق الرقة ودير الزور وريف حلب وإدلب… إلخ. فمن جهة، لن يؤثر ذلك على حكومة دمشق، التي أحرقت “مسد” سفنها معه بمجرد أن أصدرت بيانات تؤيد (الثورة السورية) في السابق، ولن يغير المهرجان الخطابي من العداء التي تكنه دمشق لمسد وقسد والإدارة الذاتية.
ومن جهة أخرى، فلن يؤثر هذا على موقف الائتلاف من مسد، إذ لا أهمية عند الائتلاف وأعضائه للموقف السياسي لأي جهة من القضايا العامة، إنما ونتيجة تبعيتها المطلقة لتركيا، فالأهمية الأولى والأخيرة هي للقبول التركي-الروسي لتلك الجهة” وفق تعبير درويش.

ويمكن التكهن بأنه في حال عقد الاتفاق بين “مجلس سوريا الديمقراطية” وكيانات المعارضة السورية، فإنه سيوحد قوتين ومنطقتين في سوريا، اللتين عانتا من الحرب الدائرة منذ عشر سنوات، ما يسرع من الضغط على حكومة دمشق أكثر ودفعها إلى تطبيق القرار الدولي رقم 2254، المتمثل في التوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا. وذلك في ظل تعنت ومراوغة دمشق خلال السنوات الماضية من التوصل إلى نتائج حقيقية وملموسة من حوارها مع “الإدارة الذاتية” و “مسد”.

وكانت قد نظمت اللجنة التحضيرية لمؤتمر “القوى والشخصيات الديمقراطية” وبالتعاون مع مؤسسة “أولف بالمة الدولية”، اجتماعا في العاصمة السويدية ستوكهولم لقاء تشاوري، استمر ليومين، منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحت عنوان “اجتماع تشاوري للقوى والشخصيات الديمقراطية: الضرورة والممكنات والمأمول”، حيث ضم شخصيات من المعارضة السورية وأخرى مستقلة متواجدة داخل وخارج سوريا، لوضع برنامج لمستقبل سوريا الجديدة.

قد يهمك: دور جديد للإمارات في الملف السوري

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.