رغم عرض تركيا الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن تركيا العضو في تحالف “الناتو”، لن تستعدي دول التحالف وبالأخص الولايات المتحدة بتقاربها مع روسيا أو دعم الغزو لأوكرانيا، وبالمحصلة فإن أنقرة التي دعمت أوكرانيا بمسيرات “بيرقدار” لن ترغب بربح روسيا في الحرب والتأثير على سمعة صناعتها العسكرية التي تتفاخر بها خلال السنوات الأخيرة.

وبما أن أنقرة لديها الكثير من العقبات على المحك. حيث تقيم الحكومة التركية علاقات مع كل من روسيا وأوكرانيا. فقد يمثل الغزو الروسي لأوكرانيا خيارا صعبا، بسبب أن التمدد الروسي عسكريا يمكن أن يقلب موسكو على تفاهماتها مع أنقرة بخاصة بعد صراعات متعددة على دول عدة مؤخرا.

خسارة روسيا أمنية تركية

محاولة تركيا التوسط في الأزمة الأوكرانية الروسية، يراها الكاتب والصحفي السوري، عقيل حسين، خلال حديثه لـ”الحل نت”، على أنها محاولة تسجيل موقف لا أكثر، لأن أنقرة تعلم يقينا أن المشكلة أكبر من إمكاناتها، وحلولها تتطلب ما هو أبعد بكثير وأوسع من حدود القدرات التركية، فهي اليوم، أي الأزمة، تعبير واضح عن صراع بين الغرب وروسيا وليس بين الأخيرة وجارتها الغربية، ويمكن بالتالي التدخل لتنفيس الاحتقان أو إزالة أسباب الخلاف وحل المشكلة.

أما المحلل العسكري، العقيد عبد الرحمن حلاق، فيؤكد أن الوساطة جاءت من باب حل التفاهمات بين الدول المشتركة بالحرب والتي تتشارك في العلاقات اقتصادية والمصالح المشتركة. مضيفا، “وساطة ليس بمعنى إنهاء أو لفوز روسيا، إنما تحت بند أن حليفك بمكان معين ويجب عليك عرض وساطتك”.

ويشرح حلاق الرؤية التركية في عرض وساطتها، أنها “تريد لأنقرة أن تظهر لموسكو بأنها معها. وأن هنالك انهيار اقتصادي ستتأثر به الدولة، ولكنها تعرض وساطتها من ناحية الحلف الاقتصادي. واستمرارا للتفاهمات التي بنيت بين الطرفين في سوريا”.

وتابع حلاق في تحليله لهذه الوساطة قائلا، ولذلك “من باب الإنسانية أو من باب الصحبة أوالمصلحة، عرضت تركيا خدماتها لحل المشكلة بين روسيا وأوكرانيا. ولكن خسارة روسيا في أوكرانيا أكيد لصالح تركيا بجميع الأحوال”.

وتندرج تفسيرات المحلل العسكري، تحت بنود أهمها أن أوكرانيا هي شريك تركيا في الحلف الأوروبي، وتعد مدعومة من حلف “الناتو”. ولذلك لن تغرد تركيا خارج السرب، وثانيا، لا يمكن التعويل على صداقة روسيا في ظل الوجود الغربي. وأخيرا وتبعا لحديث حلاق، فإن خسارة روسيا في أوكرانيا تصب بمصلحة تركيا بالنسبة للشأن السوري. كون المفاوضات بين تركيا وروسيا ضعيفة بالنسبة لروسيا، وقوية بالنسبة لتركيا.

للقراءة أو الاستماع: تحذيرات من استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية في أوكرانيا

الصناعة العسكرية في المعادلة

وفي معرض إجابته عن مدى رغبة تركيا في خسارة روسيا للمعركة، أجاب حسين، “نعم من مصلحة تركيا أن تخسر روسيا الحرب..هذا ما لا يمكن الخلاف عليه، لأن لا أحد من محيط الروس أو من القوى الصاعدة مثل تركيا من صالحه أن تكون هناك روسيا قوية”.

وأردف الكاتب والصحفي السوري، و”إذا لم يكن ممكنا أن تخسر موسكو المعركة فعلى الأقل من صالح أنقرة ألا تكسبها. والأمر هنا لا يتعلق بسمعة مسيرات بيرقدار التي تمد بها تركيا أوكرانيا، ولا بخلافات بين موسكو وأنقرة حول بعض الملفات، بل بالمستقبل الاستراتيجي بالمجمل”.

ومن الناحية العسكرية، يذكر حلاق، أنه بالنسبة للوضع التركي كدولة تصنع الأسلحة فإن تركيا قادمة على أمور كبيرة خلال عام 2022، حيث تتطلع تركيا لأن تكون دولة قوية اقتصاديا، وخسارة روسيا لمصلحة أنقرة، لأن مبيع طائرات “البيرقدار” المسيرة سوف تلاقى شهرة عالميا.

للقراءة أو الاستماع: فخ أوكراني لروسيا وتركيا.. ما علاقة سوريا؟

لماذا تحاول تركيا التوسط في الأزمة الأوكرانية الروسية؟

منذ أشهر، دأبت أنقرة على دعوة حلف شمال الأطلسي وروسيا إلى التخفيف من لهجة خطابهما. حيث  تأمل تركيا في المساعدة في نزع فتيل التوترات بين حلفائها في الناتو وروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية.

ألبير كوشكون ، الزميل في مؤسسة “كارنيغي”، والسفير التركي السابق في أذربيجان، قال إنه “بحكم كل من الجغرافيا والتاريخ، ومن الناحية العملية، بحكم المصالح الاقتصادية والأمنية والدفاعية، فإن تركيا لديها مصلحة في ما يجري بين روسيا وأوكرانيا”.

حيث تستثمر تركيا في صناعة الدفاع الأوكرانية، بعد أن باعتها طائرات بدون طيار في عام 2019، والتي نشرتها كييف واستخدمتها لمهاجمة القوات الموالية لروسيا في دونباس في الأشهر الأخيرة.

وفي أيلول/سبتمبر الفائت، وقعت شركة “بيرقدار” التركية لصناعة الطائرات بدون طيار، صفقة لبناء مصنع إنتاج الطائرة بالقرب من العاصمة الأوكرانية، وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال المسؤولون الأوكرانيون إنهم سينتجون طائرة “أنقا” بدون طيار، التي تصنعها شركة صناعات الفضاء التركية، داخل أوكرانيا.

وباعتبارها ثاني أكبر جيش في الناتو، ستكون تركيا على خط المواجهة في أي حرب مطولة يدخلها التحالف مع روسيا. ومن المستحيل على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن يتصرف كوسيط. لأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي لديها بالفعل موقف، وهو موقف الناتو. وعلاوة على ذلك، تجاهلت موسكو جميع مقترحات أنقرة حتى الآن.

للقراءة أو الاستماع: هل قضت روسيا على الحل السياسي في سوريا بعد غزو أوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.