في ظل سعيها لأخذ حجم نفوذ أكبر من موقعها السياسي على الخارطة العالمية، تحاول تركيا في ظل تصاعد الغزو الروسي لأوكرانيا، استثمار الأزمة في أوروبا الشرقية من خلال لعب دور الوسيط الذي يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف.

بالنسبة للأتراك وفق تقديرات متابعين فإن روسيا حليف استراتيجي، وأوكرانيا كذلك الأمر حليف مهم، في الوقت الذي إضافة إلى أن تركيا عضو في حلف “الناتو”، وهي التي تريد توسيع حضورها الدولي وترى في الأزمة الأوكرانية خير فرصة لذلك، في حين فإن أهداف الروس التي تناوئ “الناتو” ستوقع الأتراك في ورطة وقد يغوصون في مستنقع موحل.

إن التدهور السياسي والديبلوماسي لا مهرب منه بين الغرب والروس. والأتراك عليهم الخيار إما الاصطفاف مع الروس حتى نهاية المطاف وبالتالي شبه عزلة مرتقبة مع تطورات الأوضاع في أوكرانيا، وإن كان الخيار البديل ملائما أكثر لتركيا والمتمثل بالعودة إلى مجتمع “الناتو” والانكفاء عن روسيا لأن الحل الوسط من قبل تركيا لن تقتنع به روسيا وبالتالي، ستعود تركيا إلى حدودها الجغرافية وفي الوقت ذاته قد تتدهور تفاهماتها مع الروس في سوريا. بخاصة وأن القوى الغربية لن تترك الملف السوري لروسيا.

قد يهمك:تجنيد المرتزقة السوريين في أوكرانيا: هل تحتاج روسيا للأسد في حربها؟

وساطة تركية محكوم عليها بالفشل؟

بعد مرور نحو أسبوع على اجتماع أنطاليا، الذي ضم وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وأوكرانيا، لبحث إيجاد حل للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي فشل في التوصل لأي تفاهم، بدأت تركيا وساطة جديدة، من خلال زيارة قام بها وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، إلى موسكو يوم أمس الأربعاء.

زيارة أوغلو التي اجتمع خلالها مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، جاءت وسط حل طرحته موسكو، وتعتبره “وسطيا” لحل الأزمة مع أوكرانيا، وينص على “إنشاء أوكرانيا منزوعة السلاح بجيشها الخاص، مثل السويد أو النمسا يمكن اعتباره حل وسط”، وهو الهدف الذي يسعى إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب تقارير صحفية.

المباحثات الروسية- التركية، شملت المقترح الروسي لحل الأزمة، ومواضيع أخرى، تطرق إليها الطرفان، أبرزها إغلاق تركيا لمضيقي البوسفور والدردنيل تطبيقا لاتفاقية “مونترو”، وهو ما دفع بـ لافروف لتقديره كتطبيق للاتفاقيات الدولية، فيما أشار الأخير للخلافات في الرأي مع تركيا، ومقدرا موقفها المتوازن في التعامل مع الأزمة.

ولكن وفي مقابل ذلك، رفضت أوكرانيا المقترح الروسي، وقال مكتب الرئيس الأوكراني إن ” أوكرانيا حاليا في حالة حرب مباشرة مع روسيا، ولذا لا يمكن أن يكون هناك أي نموذج سوى النموذج الأوكراني، وذلك حصرا مع تقديم ضمانات أمنية مثبتة قانونيا، ولا يمكن أن يكون هناك أي نموذج أو خيار مختلف”، وهذا ما يجعل بوتين يصر على استمرار الغزو،
وبالنتيجة فشل المساعي التركية.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، لموقع “الحل نت”، من الواضح بأن المعارك سوف تستمر حتى يصل بوتين إلى أهدافه أو الشروط التي طلبها من أوكرانيا. التنازل عن العمل العسكري يعني خسارة بوتين سياسيا، وخسارة روسيا مكانتها السياسية التي حاليا ليس في أفضل حالها بسبب غزو أوكرانيا الذي يراهن بوتين على نجاحه.

من جهته، يرى الصحفي عقيل حسين، خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أنه بعد فشل جميع محاولات وقف إطلاق النار، فإن ما سيحصل الآن بأن هذه الحرب تتجه للتصعيد وسوف تستمر، لوقت يطول أو يقصر بحسب القدرة الروسية على الاستمرار وتحمل تكاليف المعركة العسكرية في الميدان، والسياسية والاقتصادية أيضا.

إقرأ:بعد غزو أوكرانيا.. تأثير العقوبات يضرب الاقتصاد الروسي

موقف تركيا قابل للتبدل؟

ويعتقد حسين، أن تركيا لم تغص في وحل الغزو الروسي لأوكرانيا، بل دفعت بنفسها إلى شاطئ الأمان عندما تبنت هذه السياسة “سياسة الحياد الايجابي”، حسب تعبيره.

هذا وتعتبر ورقة سوريا سلاح له أكثر من حد فيما يجري الآن في أوكرانيا، فتركيا لها تفاهمات مع روسيا والغرب حول تواجدها، وروسيا تعتبر سوريا عمقا لها من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، أما الغرب فمن الممكن أن يستغلها كورقة للضغط على الطرفين الروسي والتركي.

ويرى عقيل حسين، أن تركيا من غير مصلحتها مواجهة روسيا في سوريا مرة أخرى، فبعد العام 2015 أصبح بين البلدين تفاهمات واسعة في سوريا.

أما الغرب فلديه خيارات أخرى إضافية لزعزعة الموقف الروسي على الأرض السورية، مثل إعادة تفعيل غرفة “الموك” في الأردن لدعم الجنوب السوري عسكريا، وهي المنطقة التي باتت مجال نفوذ روسي في سوريا، إضافة لإمكانية التحرك الغربي الواسعة في مناطق شمال شرق سوريا ضد روسيا وهو ما سيشكل ضغوطا كبيرة عليها، بحسب حسين.

من جهته، يرى بريجع، أن الغرب يمكن أن يفتح جبهة في سوريا للضغط على روسيا لإنهاك القدرات العسكرية و الاقتصادية الروسية، والأيام القادمة هي التي تقرر ذلك، “إذا نجح الروس في الملف الأوكراني فهذا الشيء سوف يؤثر على سوريا، وإذا استمرت المعارك بدون نتيجة محسومة، فهذا الشيء يعني أن هناك تحولا جديدا في الملف السوري”.

قد يهمك:روسيا تقايض أوكرانيا بسوريا؟

ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، والعلاقات الدولية والإقليمية وخاصة فيما يتعلق بتركيا وسوريا، من الملفات المعقدة سياسيا وعسكريا، كما أنها قابلة للتبدل حسب الظروف والمصالح، خاصة مع ضبابية مستقبل هذا الغزو في ظل عدم وجود أي بوادر لإيقافه حتى الآن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.