يرى أعضاء مجلس الأمن، والمطلعين على أعمال اللجنة الدستورية السورية، أنه لا يزال المجلس منقسما حول عمل اللجنة، وقد تنعكس هذه الآراء المتباينة في مداخلة الأعضاء، إذ يعتقد بعض أعضاء المجلس، مثل روسيا والصين، بأن عمل اللجنة يجب أن يمضي في وتيرته الخاصة دون تأثير خارجي.

ومع ذلك، أعرب أعضاء آخرون في المجلس عن مخاوفهم من أن اللجنة لم تسفر عن أي نتائج ملموسة، حتى أن التقدم المحدود على المسار السياسي وعلى تنفيذ القرار 2254 قد انحسر، إلا أنه وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بات يلوح في الأفق احتمالية تعطيل حتمي لمسار اللجنة الدستورية، في ظل تعنت سابق لدمشق وعدم جدوى الجولات الـ6 الماضية.

هل تكون الجولة السابعة هي آخر الجولات؟

مع بدء الجولة السابعة للجنة الدستورية غدا الاثنين، تعتقد السياسية والباحثة الأكاديمية، عضو السابق في اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، أن تعطيل اللجنة الدستورية قائم منذ الجلسة الأولى، بسبب ما وصفته بـ”هيمنة النظام والمعارضة على اللجنة المصغرة”، كما ترى أن ما سيزيد من هذا التعطيل؛ حدة اندلاع الحرب في أوكرانيا بحكم أن طرفي الصراع، روسيا والغرب، هم محاور مؤثرة في المشهد السياسي السوري.

وتضيف مبيض، خلال حديثها لـ”الحل نت”، “في الواقع فإن مشاركة وفد الحكومة السورية في العملية الدستورية، جاءت بضغط من حلفائها وليست نابعة عن قرار ذاتي من النظام؛ ليسعى إلى بناء دستور حديث لسوريا، لأن الدستور السابق يضمن له السلطة، ويمنحه صلاحيات مطلقة، وأي تغيير فيه سيؤدي لانتهاء هذه الحقبة”.

وعن المعارضة تحدثت مبيض، أنها أيضا لا تسعى لبناء دستور حديث، بل تسعى لإيجاد مقايضات لتقاسم السلطة والأراضي السورية مع المنظومة السابقة، وقد تقبل بإصلاحات دستورية، تضمن قوننة بقاءها في مناطق تحكمها، عبر قوى الأمر الواقع الحالية والفصائل التابعة.

عضو اللجنة الدستورية السورية، الدبلوماسي السابق، بشار حاج علي، لـ”الحل نت”، من جهته لا يعتقد أن تعطيل مسار اللجنة الدستورية هو وارد. وليس من مصلحة روسيا ولا منظومة السلطة في هذا المرحلة، أن يتم إنهاء هذا المسار أو حتى تجميده. لكنه في الوقت ذاته يتوقع أن “يتم المضي فيه مع تقدم طفيف”.

فبحسب الحاج علي، مع دخول روسيا المواجهة مع الغرب عموما منذ بدء غزوها لأوكرانيا. ما زالت تحاول إدارة معاركها السياسية أيضا، وبطبيعة الحال ارتبطت الملفات ببعضها. لكن هناك خصوصيات وتفاهمات في سوريا مع أميركا وتركيا، وأيضا مع إسرائيل.

للقراءة أو الاستماع: لماذا تريد روسيا القضاء على اللجنة الدستورية السورية؟

هل التعطيل بات حتميا لمسار اللجنة الدستورية؟

مع استمرار ربط المجتمع الدولي التعاطي مع روسيا بانسحابها مع أوكرانيا، يؤكد مدير مكتب العلاقات في حزب “أحرار الحزب الليبرالي السوري”، بسام القوتلي، أن كل الإمكانيات مفتوحة حسب استمرار المعارك في أوكرانيا. وحاليا هناك فصل تام بين المسارات المتعلقة بأوكرانيا وغيرها، ولكن في حال استمرار الحرب الأوكرانية لفترة طويلة وهذا هو الاحتمال الأكبر، ستبدأ هذه المسارات بالترابط “وقد لا نرى استمرارا لهذه المفاوضات”.

ويشير القوتلي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه منذ البداية يرى السوريون عبثية العملية التفاوضية واللجنة الدستورية. ولكن المجتمع الدولي كان يأمل بأن تتصرف روسيا كشريك. وأن تضغط على الحكومة السورية والرئيس السوري، بشار الأسد تدريجيا لتتغير النظرة الدولية نحو روسيا. ويبدو أن المجتمع الدولي بدأ يقتنع بهذه العبثية. حسب وصفه.

الناطق باسم “هيئة التفاوض” السورية المعارضة، وعضو اللجنة الدستورية، يحيى العريضي، يعتقد أنه بسبب غزو روسيا لأوكرانيا، وفي ضوء صراع موسكو مع عالم بقيادة أميركا لهزيمتها عسكريا، وخنقها اقتصاديا، وعزلها سياسيا؛ ستكون هناك مساعٍ لإلغاء تأثير، وحتى حضور موسكو سياسيا في مختلف القضايا التي تنخرط بها، وعلى رأسها المسألة السورية، واللجنة الدستورية ليست استثناء.

ويبيّن العريضي، لـ”الحل نت”، أن التفاهم الروسي – الأميركي بشأن القضية السورية سيكون من جملة القضايا التي ستتأثر للأعماق. مضيفا “وذلك اللعب والبهلوانية الروسية سيتكشف بوضوح؛ ومن هنا سيكون أي احتمال لإنجاز ما شبه معدوم”.

ويرى العريضي، أنه أُفشلت الجولة كما سابقاتها، أم كانت آخر الجولات، ويُغلق ملفها، ليس هو المسألة، بل إن القضية قضية البحث الجاد عن تطبيق حرفي ودقيق للقرارات الأممية في ظل هذه الظروف.

من جهته، يلفت الحاج علي، إلى أنه على الرغم من صفرية نتائج اللجنة الدستورية بجولاتها الست السابقة. إلا أنه لا يمكن من حيث الشكل ألا ننكر أن الجولة الأخيرة دخلت اللجنة الدستورية بمجموعتها المصغرة بالنقاش الدستوري. وتم تقديم مواد دستورية خلال الأيام الأربعة الأولى لليوم الأخير، والذي انقلب فيه وفد دمشق فيها على كل ما سبق.

وبحسب الحاج علي، فإنه من المفترض أن تؤدي الجولة السابعة التي تبدأ جلساتها غدا في جنيف، إلى نتائج ملموسة من حيث صوغ مسودات لمواد دستورية، يتم الاتفاق عليها وفق المنهجية التي أصر ممثلي قوى المعارضة من خلال هيئة التفاوض، على عدم الذهاب للجولة السابعة دون اتفاق مسبق عليها.

ولذلك، تتوقع مبيض، أنه من الوارد أن يتعنت الطرفان المهيمنين على عمل اللجنة، في ظل معطيات الصراع الحالية بين المحاور الدولية. وقد يؤدي ذلك إلى إعلان فشل عمل اللجنة المصغرة من اللجنة الدستورية، وفتح مسار جديد للعمل الدستوري. على أن يضمن تحييد حالة هيمنة كلا من الحكومة السورية والمعارضة، والاستقطاب الأيديولوجي والصراع بينهما. والتركيز على تحقيق مصالح وأولويات السوريين في جميع المناطق.

وانسجاما مع هذه النقطة، تعتقد مبيض، أن ذلك المسار ممكن بالاعتماد على تشكيل مظلة مدنية قيادية للعملية الدستورية. ولتنفيذ بنود الانتقال السياسي تدريجيا في مختلف المناطق السورية، عبر عدة مراحل زمنية وجغرافية متدرجة. إلى أن تشمل عموم الأراضي السورية.

للقراءة أو الاستماع: ما الذي تريده موسكو من ورقة اللجنة الدستورية السورية؟

جولة جديدة من المحادثات

مع أن الجولة السابقة من المحادثات الساعية لوضع دستور سوري لم تفض في نتيجة مرجوة، قال مكتب المبعوث الأممي الخاص لسوريا، غير بيدرسن، يوم الجمعة الفائت، إن جولة جديدة من المحادثات بين اللجنة الدستورية ستستأنف في جنيف لمدة خمسة أيام ابتداء من 21 آذار/مارس الجاري.

وقال مكتب المبعوث الخاص، إن الجولة السابعة من الهيئة الصغيرة للجنة الدستورية ستجتمع خلف أبواب مغلقة في جنيف. ولكن ليس في المقر الأوروبي للأمم المتحدة. كما ناشد بيدرسن، جميع الأطراف والجهات الفاعلة الدولية الرئيسية للعمل مع الأمم المتحدة. وذلك للمساعدة في دفع حل سياسي لإنهاء الحرب المستمرة منذ 11 عاما في البلاد.

وكانت آخر محادثات عُقدت في جنيف في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، عندما قال بيدرسن، إن رفض الحكومة السورية التفاوض بشأن تعديلات على دستورها كان سببا رئيسيا لفشلها. وجاءت المحادثات هذه الجولة بعد توقف دام تسعة أشهر في الاجتماعات التي تقودها الأمم المتحدة للجنة الدستورية السورية.

ويرى مراقبون بوجود حالة واضحة من الجمود، ومعاناة شديدة لدى القائمين والمراقبين على جلسات التفاوض. لأنهم غير مدركين أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة. ما يتطلب عملية سياسية بقيادة سورية ومملوكة لسوريا، والتي يجب أن تدعمها دبلوماسية دولية بناءة. ولكن هذا صعب، وفق تقديرات المراقبين، وخاصة في الوقت الحالي.

للقراءة أو الاستماع: اللجنة الدستورية “خط منحرف” في العملية السياسية.. ما علاقة بيدرسن وروسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.