لا تزال مسيرة العلاقات الأردنية-الإيرانية تتراوح بين القطيعة والعلاقة الدبلوماسية الحذرة التي تأخذ طابع التردد وذلك منذ عام 1979 وهو تاريخ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي ووصول الثورة الإسلامية إلى الحكم. فلم ينجح الجانبين حتى اللحظة في التأسيس لأرضية علاقات راسخة تقوم على مصالح ثنائية مشتركة واضحة المعالم لا تتأثر بعلاقات أي منهما الإقليمية أو الدولية.

بعد مساندة الأردن للعراق في حرب الثمانية أعوام مع إيران والتي اندلعت عام 1980، أخذت تلك العلاقات تزداد نحو التوتر أكثر، ثمّ جاءت أزمة الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، والتي يدعي كل طرف ملكيتها، حيث أيد الأردن الإمارات لتزيد علاقات الأردن وإيران تعقيداً.

رغم حالة الدفء النسبي الذي عاد يدب في أوصال علاقات البلدين عام 2003، بعد الزيارة التي قام بها الملك الأردني عبد الله الثاني لإيران، والتي تعتبر الأولى من نوعها منذ انهيار نظام الشاه، إلا أنّ هذه العلاقة “الهشة” ما لبثت أن بدأت بالتهاوي من جديد مع سقوط بغداد على يد قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة، وبدأ الحديث عن تصاعد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.

المخاوف الأردنية توجت بتصريحات العاهل الأردني في ديسمبر/كانون الأول 2004 للتحذير من أطماع إيران لإقامة ما سماه “الهلال الشيعي” بالمنطقة. ومع اندلاع احتجاجات “الربيع العربي” وعمّان تبدي قلقها أكثر من مرة من تنامي الدور الإيراني في دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء.

العلاقات بين الطرفين إلى أين وصلت؟

في ظل عدم إبداء عمّان رغبتها في المضي قدماً بعلاقات جدية مع إيران، أو التقدم خطوة ما لم تتراجع إيران عن تدخلها في شؤون الدول العربية بحسب الرؤية الأردنية، وتبدي تعاوناً على مبدأ حسن الجوار، حيث ظلت العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وإيران قائمة بالحد الأدنى بعدما سحبت عمّان سفيرها احتجاجاً على حادثة الهجوم الذي وقع عام 2016 على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

منذ انتهاء السفير الإيراني مجتبى فردوسي بور من مهمته على الأراضي الأردنية ومغادرته في نهاية شهر شباط/فبراير عام 2019، لم تسمِ طهران سفيرا آخر ليتسلم مهام السفارة في الأردن مكتفيةً بالقائم بأعمال السفارة الإيرانية لتظل العلاقات بين عمان وطهران في حدها الأدنى.

فلماذا تصر الأردن على عدم إعادة السفير الايراني للأردن مع أنّ السعودية والإمارات توجهت إلى استعادة العلاقات مع طهران، وماهي الاعتبارات الأردنية والخصوصية التي تتمتع بها عمان في مثل هذا الأمور

عن ذلك يجيب السفير والوزير الأردني الأسبق بسام العموش، خلال حديثه لـ ”الحل نت”، الذي يؤكدّ بأنّ الأردن لا يفكر بقطع العلاقة مع إيران بل يسعى إلى أن يبقيها في حد معين رغم تآمر إيران على الأردن، فالأردن مدرك جيداً للنوايا السلبية الإيرانية تجاهه، وبخاصة بعد تمددها في العراق وسوريا، وهناك مواجهات عسكرية معهم على الحدود الشمالية من جهة سوريا تحت عنوان “المخدرات”  التي تستخدمها إيران سلاحاً للتخريب.

أما إعادة السفير الإيراني من جديد إلى الأردن فقد يكون بحسب تأكيدات العموش غير مرغوب فيه شخصياً كما حصل مع سفير سابق لإيران حيث تمّ طرده لاكتشاف الأمن الأردني إدارة السفير لخلايا مسلحة، هذا بالإضافة لما تتم كتابته في وسائل الإعلام الإيرانية ضد الأردن.

من هنا يرى العموش أنّ قرار الأردن في مثل هذا الأمر هو قرار مستقل عن القرار السعودي، ويضيف العموش قائلاً: “كلنا يتذكر أنّه لما تمّ الاعتداء في طهران على البعثة الدبلوماسية السعودية استنكر الأردن ذلك وأعلن تضامنه مع السعودية لكنه لم يقطع علاقته بإيران”.

العلاقات بين الطرفين تبقى موجودة كأي علاقة قد تمر بظروف صعبة وقد تصل إلى القطيعة، لكنّ السفير والوزير الأردني الأسبق بسام العموش، يؤكدّ بأنّ الأردن لا يريد القطيعة من باب إبقاء قناة الدبلوماسية رغم قناعته أنّ إيران لا تريد له الخير، وقد طرق باب الروس كما يطرق الآن باب دمشق لعل أن يتحسن وضع الحدود الأردنية-السورية عبر إبعاد إيران، والتي إن لم تبتعد فستتم مقاومتها من الأردن، وربما تدخل إسرائيل على الخط.

حسابات دقيقة من الأردن

الأردن لديه حسابات سياسية دقيقة من الواجب تفهمها، والتي يأتي على رأسها هاجس الهلال الشيعي، حيث إنّ علاقات الأردن الخارجية تميل صوب أميركا أكثر، لكن التوجه السياسي الأردني نحو دمشق قد يساعد في عودة العلاقات الاردنية مع إيران.

هذا ما يؤكدّ عليه المحلل السياسي الأردني، الدكتور حسام العتوم، في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، الذي يشير إلى أنّ إيران سبق أن عرضت البترول مجاناً مرتين ولثلاثين عاماً مقابل تطبيع العلاقات مع الأردن، خاصة الدينية منها، لكنّ مجاورة الأردن للحدود الإسرائيلية يعتبر مسألة حساسة مع صعود حكومة “الليكود” من جانب آخر.

في المقابل ماذا تريد إيران من الأردن؟ سؤال يحتاج لإجابة تتجاوز العلاقات الدبلوماسية، حيث يردّ عليه العتوم بالقول: “لكل دولة عربية حساباتها الخاصة والمشهد العربي غير موحد كما تعرفون والأردن حريص على استقراره الداخلي، خاصة على حدوده الشمالية مع سوريا حيث المليشيات الإيرانية”.

حيث يشدد العتوم على أهمية عدم التدخل بالشأن السياسي الداخلي والخارجي الأردني، كما ويعتبر أمن الأردن خطا أحمر لن تسمح الدولة الأردنية بتجاوزه، كما أنّ اعتدال إيران سياسياً بخصوص العلاقة مع العرب وأميركا يعتبر أمر في غاية الأهمية لتطوير العلاقات بين عمان وطهران.

إضافة إلى أنّ إعلان إيران عن عزوفها وإلى الأبد عن صناعة قنبلة نووية مستقبلاً يعتبر أمراً هاماً جداً، حيث يؤكدّ المحلل السياسي الأردني حسام العتوم على أنّ العلاقة الدينية الإيرانية مع الأردن من الضروري أن يتم توضيب أوراقها لكيلا تتحول إلى عمل جماعي ملفت للنظر.

العلاقات بين صعود وهبوط

العلاقات الأردنية-الإيرانية كانت دائماً بين صعود وهبوط وكانت دائماً شبه متوترة، فلم تكن هذه العلاقة متينة وقوية بالقدر التي تدوم، منذ الحرب العراقية-الإيرانية فقد كانت العلاقات بين عمّان وطهران ليست على ما يرام وإن كانت أحياناً يحصل فيها بعض الفتور والهدوء، إلا أنّها ما تلبث أن تعود لتتوتر من جديد.

مؤخراً رأينا أنّ العلاقات كانت منقطعة وكانت في حالة فتور وبرود كامل إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه مؤخراً من سحب السفراء بين الجانين، لكن هذا الوضع يعود بحسب رؤية المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، رضوان قاسم، إلى عدم رغبة الأردن في تطوير هذه العلاقات، وليس إلى إيران. مشيراً إلى أنّ الأخيرة تسعى إلى تطوير العلاقات مع كافة الدول العربية من باب التعايش وحماية المنطقة الاختراقات الخارجية.

هذه الساحة التي دائماً ما كان يحاول الإيراني بحسب تأكيدات قاسم في تصريحات لـ”الحل نت”، إلى أن يمد يد التعاون مع بقية الدول العربية على حد قوله، لكن لم تلقَ التجاوب والايجابية وخاصة السعودية والإمارات والبحرين وكذلك الأردن، مشيراً إلى أنّ العديد من التحالفات أقيمت مؤخراً بين هذه الدول وإسرائيل ما يسمى بـ”علاقات التطبيع”، مما زاد من توتر العلاقات بين هذه الدول وإيران، وعقد الأمور أكثر فأكثر.

إلا أنّه في الفترة الأخيرة رأينا بعض الهدوء ما بين السعودية والإمارات من جهة، وما بين إيران من جهة أخرى، وهذا يعود بحسب تأكيدات المحلل السياسي رضوان قاسم إلى تغير الوضع الدولي اليوم بشكل كبير، خاصة فيما يتعلق بين العلاقات السعودية-الإماراتية من ناحية والولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى، إضافة إلى الوساطة التي سعت من خلالها العراق جاهدةً تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، فكان هنالك العديد من اللقاءات بين السعودية وإيران مما جعل الأمور أقل توتراً وجعلها في موضع الحوار لكنّ كان في دائرة “الغير منتج” لنتيجة واضحة تصل بهم لتبادل السفراء.

حالة الحوارات واللقاءات المتكررة بين طهران من ناحية والرياض وأبو ظبي من ناحية أخرى، لا تنطبق على الأردن وذلك لسبيين أساسيين بحسب ما يذهب إليه قاسم، أولاً: موقف الأردن منذ بداية الحرب العراقية-الإيرانية، كان موقفاً سلبياً تجاه طهران، وثانياً: حتى بعد عودة العلاقات كانت هنالك فترة من الركود السياسي بين طهران وعمان، وخاصة أنّ العديد من قادة المعارضة العراقية وبالأحرى قادة حزب “البعث” العراقي قد لجأ الكثير منهم إلى الأردن ومازالوا حتى يومنا هذا متواجدين على أراضيه وهم على نقيض تام مع سياسة إيران وأعداء لها.

وكذللك فإنّه بحسب تأكيدات قاسم لا يمكن تغافل أنّ العديد من القيادات التي كانت تحارب وتقاتل في سوريا التي لجأت إلى الأردن، مما تسبب ببعض المشاكل للأردن بسبب تواجدهم على أراضيها، إضافة إلى أنّ الضغوطات الإسرائيلية على الأردن والتي لن تجعل عودة العلاقات بين إيران والأردن تمر بسلام، فهذا يشكل عائقاً أساسياً في العلاقات بين الطرفين.

طبقا لما يقوله قاسم، فإن “المسؤولين الأردنيين يتحاشون ألا تأتي المصائب إلى ديارهم فلا يريدوا إزعاج إسرائيل في عودة السفير الإيراني، لأنّهم يدركوا تماماً أنّها ستؤدي للعديد من المشاكل من هذه العودة لإسرائيل، وسيكون هناك الكثير من الضغوطات من قبل الإسرائيليين أو الأميركيين، كل هذه الأسباب تجعل الأردن لا يبدي رغبته في عودة السفير الإيراني إلى عمّان أو إرسال سفيرها إلى طهران”.

بينما هذه الحالة لا تنطبق على السعودية والإمارات، حيث إنّ فعالية وقوة وحضور هاتين الدولتين أكثر بكثير من الأردن، لهذا السبب لا تتأثران كثيراً بالقرارات التي يتخذوها كما تتأثر الأردن؛ لأنّ هناك وضع استثنائي لعمّان.

مؤثرات أخرى يكشف عنها رضوان قاسم تجعل من الصعوبة عودة العلاقات الأردنية-الأردنية بسهولة ومنها أنّ هناك فريق من الفلسطينيين في الداخل الأردني له تأثيره ووجهته المختلفة بعض الشيء عن بقية الفصائل الفلسطينية التي تربطها علاقات وطيدة مع طهران، فهذا الفريق لا يتماشى ولا يتماهى مع إيران.

تعزز هذه الأمور ما جرى الحديث عنه والذي عرف بـ “الهلال الشيعي” وهو الحديث الذي تحدث به العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووجه فيها اتهامات لطهران بسبب تدخلاتها في المنطقة وكل هذه الأسباب زادت من توتر العلاقات بين عمّان وطهران.

من هنا يمكن القول أنّ الأردن لن يستجيب ويدخل طوعاً في تطوير العلاقات مع إيران بهذه السهولة خاصة في ظل هذه المرحلة وفي ظل الضغوطات الكبيرة التي عليه سواء كان من إسرائيل أو من أميركا، ومن بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية، لكن ربما فيما بعد إذا ما تمت عودة العلاقات بين طهران والرياض تسهل الأمور مع الأردن، لأنّه بحاجة إلى تلك الدول الخليجية ومنها السعودية والإمارات خاصة من الناحية الاقتصادية والمادية والمساعدات التي تأتي من هنا وهناك فهو مضطر إلى أن يجاري تلك الدول فلا يمكن أن تعود العلاقات بين عمّان وطهران قبل عودة العلاقات بين الأخيرة والرياض وأبو ظبي أولاً.

كل هذه الأسباب مجتمعة من الممكن أن تكون أسبابا رئيسية في عدم رغبة عمّان في عودة العلاقات إلى طبيعتها مع طهران، وتبادل السفراء بينهما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة