حتى الآن لا يبدو أن إيران تأخذ التهديدات الإسرائيلية المتعلقة بالوصول إلى القنبلة النووية على محمل الجد، فهي تواصل تخصيب اليورانيوم ضاربة بعرض الحائط الجهود الدبلوماسية الهادفة للوصول إلى الاتفاق النووي أو حتى التهديدات الإسرائيلية المتعلقة بشن ضربات عسكرية ضد العمق الإيراني، والتي لم يتوقف عن إطلاقها المسؤولون في تل أبيب منذ سنوات.

رغم استبعاد المختصين لاحتمالية أن تؤدي التهديدات الإيرانية إلى مواجهة عسكرية قد تدفع ثمنها منطقة الشرق الأوسط، إلا أن عدم الاكتراث الإيراني، واستمرارها في طريقها للحصول على القنبلة النووي، قد يدفع الجانب الإسرائيلي إلى تنفيذ تهديداته، فهل أصبحت الحرب الوسيلة الوحيدة لردع التهديدات الإيرانية.

ستة بالمئة هي النسبة التي أصبحت تفصل القوات الإيرانية للوصول لنسبة التخصيب اللازمة للبدء بتصنيع القنبلة النووية، لكن ماذا تحتاج إيران أيضا لتستطيع إطلاق قنبلة نووية، وما هي السيناريوهات المحتملة لاندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، وكيف يستعد الجانبان لخوض هذه المواجهة.

تهديدات جدية

إسرائيل من جانبها تبدو أنها تتحول لجدية أكثر في تهديداتها التي تتجه لتحضيرات من أجل معركة عسكرية ضد القوات الإيرانية، ففي أعقاب أنباء نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية ونقلتها صحيفة “الشرق الأوسط”، عن عثور مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على يورانيوم مخصب بنسبة 84 بالمئة في مستوى قريب من القنبلة النووية، تم الإعلان عن عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خمسة اجتماعات، تقرر خلالها رفع مستوى الاستعداد والجاهزية الإسرائيلية بشكل كبير، لشنّ هجوم على المنشآت النووية في إيران.

مع مرور الوقت نجد أن إسرائيل تتجه للاقتناع أكثر بأن السبيل الوحيد لكبح جماح إيران هو الخيار العسكري، وقد تعهّد نتنياهو خلال ندوة سياسية عقدت في القدس الغربية الأربعاء، أنه سيفعل كل ما في وسعه لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي “ليس فقط لمصلحة إسرائيل، بل لمصلحة العالم بأثره” حسب تعبيره، وأضاف بحسب ما نقلت الصحيفة، “تجربة التاريخ أثبتت أن السبيل الوحيد لمنع الدول المارقة من تطوير سلاح نووي هو في توجيه ضربة عسكرية جدّية، أو توجيه تهديد موثوق بتنفيذ ضربة عسكرية جدية”.

الباحث في الشؤون الإيرانية مصطفى النعيمي، أوضح أن وصول نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90 بالمئة، لا يعني بالضرورة وصول إيران لامتلاك قنبلة نووية قابلة للاستخدام بوقت قريب، وذلك بسبب عدم قدرتها على تصنيع معدات الإطلاق والتصنيع، مشيرا إلى أن المعطيات العسكرية تشير إلى تفوق واضح للقوة والتكنولوجيا الإسرائيلية التي تسعى لضرب المنشآت النووية في حال استمرار التهديدات.

قد يهمك: التوافق على دستور انتخابي في طريقه للفشل في ليبيا.. ما هي البدائل؟

النعيمي قال في حديث خاص لموقع “الحل نت”، “صحيح أنه تبقى ستة بالمئة بالنسبة لليورانيوم المخصّب حتى تستطيع إيران البدء بتصنيع القنبلة النووية، لكن إيران لن تتمكن من الحصول على وسائل الإطلاق والتخزين والنقل إلا بمساعدة خارجية، وهذه المساعدة متوفرة لدى روسيا لكنها قديمة من زمن الاتحاد السوفييتي، بالتالي الأمر يحتاج إلى سنوات للحصول على هذه الوسائل”.

هل تحصل إيران على القنبلة؟

وسائل إطلاق القنابل النووية هي عبارة عن صواريخ، وإيران لا تمتلك حتى الآن تكنولوجيا إطلاق هذه الصواريخ بحسب حديث النعيمي، بالتالي كل المحاولات الإيرانية للوصول إلى القنبلة النووية ما تزال بعيدة إلى حد ما، إذ أوضح الباحث أنه بعد الوصول إلى نسبة الـ 90 بالمئة تحتاج ربما إلى سنتين كأقل تقدير للحصول على الأدوات اللازمة.

حول تحضيرات إسرائيل لتوجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية في إيران، أضاف النعيمي “الجانب الإسرائيلي مطلع العام القادم 2024، سيحصل على قاذفات استراتيجية من طراز بي 21 يحمل قذائف صاروخية من طراز دي بي يو 57 قادرة على اختراق المفاعلات النووية، وعلى وجه التحديد صُممت هذه القنابل من أجل اختراق مفاعل آراك النووي والذي ينتج أجهزة الطرد المركزي آي آر 6 وآي آر 8، التي تدعي إيران أنها أنتجت ألف جهاز منها، بالتالي عمليا التفاعل مع هذا الملف أعتقد أنه شائك”.

من ملامح محاصرة إيران عسكريا، انضمام إسرائيل إلى الأسطول الخامس الأميركي، ومشاركتها في مناورات برية وبحرية وجوية في المضائق المائية ضمن البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي، فأصبحت هذه المناطق منطقة عمليات للسلاح الجوي الإسرائيلي، نظرا لكون إسرائيل أصبحت جزء أساسي من الأسطول الخامس، الذي تقع قاعدته التابعة للقيادة المركزية للبحرية الأميركية، في الخليج العربي على مسافة 200 كلم من الشواطئ الإيرانية، بالتالي فإن الجانبين الأميركي والإسرائيلي يعملون بما يتناسب مع احتمالية قوية لوقوع المواجهة.

بالتالي أصبحت الأهداف الإيرانية في متناول الإسرائيليين، وقبل ثلاثة أشهر أعلنت إسرائيل تسيير أول سرب طائرات “إف 35” باتجاه إيران ودخلت إلى العمل الإيراني، ما يدل على أن التكنولوجيا الموجودة في إسرائيل قادرة على الوصول للأهداف الإيرانية، كذلك تعمل إسرائيل في اتجاه تنفيذ الاغتيالات ضد القائمين على البرنامج النووي الإيراني.

النعيمي رأى كذلك أن الجانب الإسرائيلي الاستخباراتي يعمل على استراتيجية “جز العشب”، بينما الجانب العسكري من الجيش ووزارة الدفاع تعمل على زيادة في الدعم، من أجل زيادة في قوة دفاعاتها الجوية، للدفاع عن إسرائيل خاصة على الحدود الجنوبية لسوريا ولبنان، التي من الممكن أن تستخدمها إيران في المواجهة المحتملة.

تفوق عسكري إسرائيلي؟

يبدو كذلك أن إسرائيل مصرّة على تنفيذ تهديداتها، وذلك لأنها أصبحت تعتقد أن الانتظار عبارة عن إضاعة للوقت، ومنح إيران المزيد من الفرص لتطوير قدراتها النووية، إذ طالب نتنياهو الجانب الأميركي بالدمج بين العقوبات الصارمة والتهديد العسكري الجدّي والقيام بخطوات عسكرية جدّية من أجل ردع الخطر الإيراني، وقال إن “التهديد العسكري الموثوق به هو أفضل طريقة لردع طموحات إيران النووية، ولكن يصبح من الصعب القيام بذلك كلما طال الانتظار”.

وحول الاجتماعات الخمسة التي تحدثنا عنها سابقا، فإنه ووفق تقرير “الشرق الأوسط”، فقد جرت بمشاركة أرفع النّخب العسكرية والاستخبارية في إسرائيل، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، ورئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) ديفيد برنياع، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، بالإضافة إلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، ورئيس شعبة العمليات، وقادة المستويات العملياتية كافة في الجيش.

أبرز نتائج الاجتماع ركزت على وصول نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90 بالمئة، الذي وصفه المجتمعون بـ “الخط الأحمر الأخير لإسرائيل”، ما يعني أن الأشهر القليلة القادمة قد تكون حساسة ومعقّدة، في وقت تستعد فيه إسرائيل لكافة الاحتمالات، إذ اعتبر أحد الجنرالات الإسرائيليين أن وصول النسبة إلى 90 بالمئة، التي تعدّ النسبة المطلوبة لصنع سلاح نووي دون تحرك جدّي، سيُعدّ في طهران بمثابة موافقة إسرائيلية على أن تكون لديها قدرات لتصنيع سلاح نووي.

وقد تشمل المواجهة ضد إيران العديد من دول المنطقة إلى جانب إسرائيل، وترتفع هذه الاحتمالية بعد انهيار مفاوضات الاتفاق النووي، فضلا عن أن المشاريع العدائية لإيران لا تقتصر على البرنامج النووي فقط، بل تشمل كذلك العديد من المشاريع التي تهدف إلى توسيع النفوذ الإيراني في العديد من دول المنطقة، خاصة في سوريا ولبنان واليمن.

يبدو أن اللهجة الإسرائيلية هذه المرة، تختلف عن التهديدات السابقة، فتصريحات مسؤولي تل أبيب، تدل على أن استمرار إيران بتجاهل التهديدات حول البرنامج النووي، ستعني بالضرورة أن تبدأ إسرائيل وحلفاؤها في أية لحظة بضرب الأهداف العسكرية والمنشآت النووية، لكن بالمقابل يرى محللون أن إدراك إيران للتفوق العسكري الإسرائيلي سيجبرها على التراجع في آخر لحظة وعدم الدّفع بأعدائها لاستخدام الخيار العسكري، والعودة إلى المفاوضات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.