منذ بداية عام 2022 يعول الليبيون على نجاح مشروع التعديل الدستوري بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك لإنهاء حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وحالة الصراع بين الأحزاب السياسية ووجود حكومتين متصارعتين على إدارة البلاد منذ مطلع العام الماضي.

على الرغم من إقرار التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتخابات من قبل “مجلس النواب”، إلا أن هذا المشروع يبدو أنه في طريقه للفشل مجددا، الأمر الذي يُثير المخاوف مجددا حول تعقيد المشهد السياسي، بالتالي دخول البلاد في احتمال مواجهات عسكرية، خاصة مع وجود العديد من القوى الدولية في البلاد ووجود مجموعات مسلحة مختلفة تابعة لهذه الدول.

فشل الجهود للتوافق على أساس دستوري للانتخابات، جاء بعد أن أحال “مجلس النواب” التعديلات الدستورية لـ “مجلس الدولة” للموافقة عليه، إلا أن الأخير فشل في عقد أكثر من جلسة للتصويت عليه، بعد اختلاف كبير بين أعضائه إزاء بعض البنود، ما فتح الباب أمام العديد من التساؤلات، لا سيما فيما يتعلق بمستقبل الانتخابات ودور القوى الدولية والأمم المتحدة في حل الأزمة الليبية.

مصير التعديلات الدستورية

وسط هذه التوترات السياسية في ليبيا، عقد “مجلس الدولة” الذي من المفترض أن يوافق على التعديلات الدستورية التي أقرها “مجلس النواب”، العديد من الجلسات خلال الأسبوع الجاري، لكن تقرير لصحيفة “العربي الجديد”، أكد أن الخلافات تتزايد مع كل جلسة للمجلس، حيث يذهب أغلب أعضاء المجلس إلى خيار إلغاء التعديلات، فيما يذهب البعض إلى إقرارها بعد التعديل عليها.

التعديل الدستوري الذي تختلف عليه الأحزاب والشخصيات السياسية، كان يعوّل عليه بأن يُنهي الوتر الأمني والعسكري في البلاد، الناتج عن الخلافات السياسية، إذ إن عدم توصل الفرقاء في ليبيا إلى تسوية بشأن الانتخابات الليبية، قد يؤدي إلى تجدد هذه التوترات والمواجهات خلال الفترة القادمة.

“مجلس الدولة” وبعد الفشل في طرح المشروع الدستوري للتصويت، شكّل لجنة مكوّنة من أربعة أشخاص، لجمع ملاحظات الأعضاء حول مضمون التعديل الدستوري لطرحها للنقاش خلال جلسة يُفترض أن تُعقد الخميس أو الجمعة، ووفق تقرير الصحيفة فإن غالبية الأعضاء سلّمت اللجنة ملاحظات تسير في اتجاه رفض التعديل، على الرغم من ميل رئيس المجلس خالد المشري وبعض الأعضاء، لتمريره، مرجحة أن تنتهي الجلسة دون تصويت بسبب الاختلاف الواسع داخل المجلس.

شروط الاستقرار السياسي

المحلل السياسي الدكتور محمد اليمني، رأى أن التوصل إلى استقرار سياسي في ليبيا، لا يتحقق إلا بالتوافق بين الأحزاب السياسية والتوقف عن إثارة الخلافات التي لا تنتهي، مستبعدا إجراء الانتخابات الليبية في المرحلة الراهنة نظرا لتصاعد الخلافات وتقديم الأفراد لمصلحتهم الشخصية على مصلحة البلاد.

اليمني قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الساحة الليبية تشهد صراعات وانقسامات داخلية وخارجية، ومرت بمراحل عديدة منذ عام 2011 وتدخلت العديد من القوى الدولية والإقليمية فيها، والآن تحتاج إلى توحيد الصفوف ووقف التصريحات المحرّضة والعداء القائم بين الشرق والغرب”.

معظم الأجسام الليبية تتمسك بمنصبها وفرض الأمر الواقع، الأمر الذي أدى في النهاية إلى وجود حكومتين إحداها في الشرق والأخرى في الغرب، والدعم الكبير من بريطانيا وتركيا للحكومة منتهية الولاية بقيادة عبد الحميد الدبيبة لها تأثير كبير برأي اليمني في تعميق الانقسام بين الحكومتين، فتحي باشاغي والدبيبة.

وليس بعيدا عن السياسة، فإن اليمني أوضح أن معظم الشخصيات السياسية في ليبيا، تستغل الأزمة الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد لتمرير بعض الاتفاقيات، ومن بينها الاتفاقية المبرمة بين إيطاليا وحكومة والدبيبة التي تُقدر بثمانية ملايين دولار، كما استبعد اليمني أن تتم الانتخابات الليبية إلا بتوحيد الصفوف والعمل بجد على المصالحة الوطنية وتقديم مصلحة ليبيا على مصلحة الأشخاص.

كذلك رأى أن إجراء الانتخابات مرتبط بموافقة الولايات المتحدة الأميركية، المنشغلة في الوقت الراهن بأكثر من جبهة، أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا وكبح جماح نفوذ الحزب “الشيوعي” الصيني.

حكومتان تحكمان ليبيا!

حاليا، توجد في ليبيا حكومتان متنافستان، ففي شباط/فبراير الماضي عيّن البرلمان، الذي يتخذ من شرقي ليبيا مقرا له، فتحي باشاغا رئيسا للوزراء في تحدّ لعبد الحميد الدبيبة، الذي يتخذ من طرابلس مقرا له، وهو الذي تم تعيينه رئيسا لحكومة وحدة وطنية في آذار/مارس 2020، كجزء من جهود إحلال السلام التي ترعاها “الأمم المتحدة“، ورفض التنحي عن منصبه قبل إجراء انتخابات جديدة.

بعد رفض الدبيبة تنحيه عن منصب رئاسة الحكومة، بقيت ليبيا تحت حكم حكومتين، وتشكيل حكومة موحدة تمثل كافة مكونات الشعب الليبي، يحتاج إلى توافق الأطراف المتنازعة في البلاد، أما الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي، فقد أعلنت العديد من المبادرات لدعم الحوار الوطني والتوافق على دستور للانتخابات وتشكيل حكومة موحدة، إلا أن جميع جهودها لم تلقَ آذانا صاغية حتى الآن.

هناك العديد من المستجدات المتعلقة بالضغط الدولي للتوصل إلى توافق ليبي-ليبي، خاصة أن “مجلس الأمن” الدولي، شدد على ضرورة بدء حوار ليبي-ليبي، لتشكيل حكومة ليبية موحدة، تمثل جميع الليبيين، وتكون قادرة على حكم البلاد، كما ألمح، المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي أمام أعضاء “مجلس الأمن”، منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 إلى استخدام آليات بديلة في حال عدم توصل “مجلسي النواب” و”الأعلى للدولة” لاتفاق سريع، وضرورة محاسبة الأفراد والكيانات الذين يتصرفون أو يدعمون الأعمال التي تمنع إجراء الانتخابات أو تقوّضه، بحسب ما نقلته جريدة “الأسبوع” المصرية.

بطبيعة الحال، فإن “مجلس الأمن” والأمم المتحدة لا يملكان ربما أكثر مما فعلاه حتى الآن، فالتوافق على الدستور على سبيل المثال، يحتاج الآن فقط إلى موافقة “مجلس الدولة” على تعديلات “مجلس النواب” المتعلقة بالانتخابات الرئاسية التي طال انتظارها، إلا أنه حتى الآن الأطراف السياسية لم تنجح بتجاوز هذه المرحلة الهامة والحساسة.

​​قد يهمك: كوريا الشمالية والمناورات العسكرية.. أيديولوجيا أم مشاريع استعراض قوى؟

بحسب مصادر في “مجلس النواب” الليبي، فإن التعديلات الأخيرة حددت نظام الحكم وسلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وكذلك شكل السلطة التشريعية ليصبح مجلس للأمة يتكون من غرفتين، “مجلس النواب” ومقرّه بنغازي و”مجلس الشيوخ” ومقرّه طرابلس، ويتولى “مجلس الأمة” سلطة سنّ القوانين وإقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

بحسب التعديلات الأخيرة، يتألف البرلمان من أعضاء يُنتخبون بالاقتراع العام الحر والسّري المباشر على أساس عدد السكان والمعيار الجغرافي، بحيث يُحدد عدد النواب على أساس نائب واحد عن كل 40 ألف مواطن. وتجنّب البرلمان في التعديل الدستوري وضع شروط لانتخاب رئيس الدولة، وهي النقطة الخلافية الأبرز بين الأطراف السياسية في ليبيا، والتي عرقلت التوصل إلى توافق دستوري يؤدي إلى الانتخابات.

على الجانب الآخر يشكك البعض بنجاح تمرير التعديلات وإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، خاصة وأن بعض الأطراف تحاول عرقلة التوصل إلى إجراء انتخابات أو التهرب من هذا الاستحقاق بذرائع مختلفة، ومن بينها مسألة السلطة التنفيذية التي ستتولى الإشراف على العملية الانتخابية، كما يؤكد مراقبون أن هذه المرحلة تتوقف أيضا على مواقف الدول المتداخلة بالشأن الليبي، حيث أن كل دولة تؤثر بدورها على طرف سياسي معين أو بعض الشخصيات السياسية في البلاد.

بين إقرار التعديلات الدستورية والتحديات أمام تمرير هذه التعديلات، ينتظر الليبيون بحذر أن تؤدي هذه المرحلة بغض النظر عن تفاصيلها إلى الوصول إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية، التي قد تمهد إلى مرحلة الاستقرار السياسي أو على الأقل الابتعاد قليلا عن احتمالية التصعيد في المستقبل القريب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.