يأتي عيد الأم في 21 آذار/مارس في سوريا. ففي كل عام، بالتزامن مع بداية فصل الربيع، يتذكر السوريون أمهاتهم وكل ما يعنونه لهم وللمجتمع بشكل عام. وفي هذه المناسبة وقبل الحرب، كان من المعتاد إقامة وليمة عائلية رائعة في كل عيد أم، وأن يقدم الأطفال لأمهاتهم الهدايا والبطاقات والتعبيرات عن عاطفتهم وتقديرهم.

كما يتم إعطاء الأمهات باقات من الزهور. ومن المعتاد أن يرقص الأطفال مع أمهاتهم وأن يزور الناس أمهاتهم في عيد الأم. لكن اللافت في هذا العام، والذي أحكمت فيه الحكومة السورية على شريحة واسعة من المناطق التي خرجت عن سيطرتها، بات أولئك الذين لا يستطيعون حضور هذه المناسبة، عاجزون حتى عن إجراء مكالمة عيد أم للتعبير عن حبهم عبر الهاتف.

السياسة قطعت طريق المعايدات

مع دخول الحرب السورية عامها الحادي عشر، وغالبا ما كان النساء والأطفال هم أول ضحاياها، يتمنى اللاجئ السوري في كندا، وليد الرفاعي، أن يصل إلى الحدود الأردنية ليقف عن سفح إحدى التلال المطلة على سوريا، ويبدأ في الصراخ لأمه التي تقطن بقرية المتاعية المحاذية للحدود، ويقول لها “عيد أم سعيد.. اشتقت أسمع صوتك”.

https://twitter.com/AnssAlnjm/status/1505703536989978624?s=20&t=iJsxmSlwxvVPBucz9KYWfQ

يقول الرفاعي، كلماته تمتزج بالغصة، خلال مكالمة هاتفية مع “الحل نت”، “بالنسبة لنا نحن السوريين، يأتي عيد الأم بعد أسبوع واحد فقط من ذكرى خروج الاحتجاجات على الحكومة السورية، ما يزيد من المعاناة التي نعيشها في المهجر، فلا نحن حصلنا على مرادنا من جهة، ومن جهة أخرى تسبب السياسية في تفرقنا عن أهلنا وحتى سماع أصواتهم”.

دموع الرفاعي، بدأت بالتساقط بعد سؤاله عن المدة التي انقطع فيها عن الحديث مع والدته، إذ أشار إلى أنه منذ حوالي 9 أشهر لم يستطع التحدث مع أمه، وخصوصا بعد أن حدثت التسويات الأخيرة في درعا، حيث قال: “طلبت مني أمي عدم التحدث معها أو مع أخوتي، خوفا من اعتقال أي من أفراد أسرتي بسبب أنني متواجد في المهجر، إذ بعد سيطرة النظام على درعا، تحول بيتنا إلى علامة لتوافد أفراد الأمن السياسي للسؤال عني”.

البحث عن الأمل من خلال حياة جديدة، لم يكن بالشيء الجميل لدى المفعلاني، وحتى عند الحديث للناشط السوري، محمد القطيفان، والذي غادر درعا بعد إصابته عام 2017، بسبب الإصابة التي تعرض لها وأفقدته أحد أرجله، فالحديث مع أمه كان أشبه بما يعرض على الدراما حين تفقد الأم ولدها ولا تتمكن من الحديث معه.

أم محمد، وهي التي بلغت من العمر 70 عاما، قالت لـ”الحل نت”، “قلبي فيه غصه، لما أسمع باسم أبني بس ما أقدر أحكي معه”، فعيد الأم بالنسبة لها مناسبة لا تحبذ أن تسمع بها أو تحتفل به، حيث تشير في كلامها أنها تستطيع الحديث مع الجميع إلا مع ولدها خوفا عليه من أن يفضح مكانه، فهي تظن إلى الآن أنه مخفيٌ عن أنظار الحكومة السورية وهو في ألمانيا، وفور الحديث معه ستعرف هذه الأجهزة مكانه وتلتقطه.

للقراءة أو الاستماع: عيد الأم.. كيف تشعر الأمهات السوريات في بلد الفقد والغلاء؟

ذات يوم سنعود إلى المنزل

في جوار مخيم “الزعتري” الذي تقتطنه غالبية اللاجئين السوريين في الأردن، تسكن ميرال، البالغة من العمر 25 عاما وهي من محافظة حماة، ولديها طفلان ولدا في الأردن. أكبرها تبلغ من العمر خمس سنوات، وأصغرها شام تبلغ من العمر سبعة أشهر.

تقول ميرال، “اسمها يعني دمشق كل دمشق. أطلقنا عليها هذا الاسم، على أمل أن نعود يوما ما، وأرى أمي واحتضنها كما أحتضن أولادي. فلا يعرف قيمة الأم إلا من أصبحت أما ولا تستطيع الفرقة عنهم. أملي بالعودة حتى أتمكن من القول لأمي كل عام وأنت بخير. كل عام وأمي أحلى أم، أسمعها من بنتي ولا أستطيع قولها لأمي”.

ميرال لا تشكو من الوضع الذي تجد نفسها فيه وعائلتها؛ حيث يعمل زوجها في الزراعة، وبالتالي لديهم بعض الدخل. لكنها تفتقد أمها التي تقطن مع أختها في حماة. فالأوضاع المادية وسوء المعيشة في سوريا، هما السبب في عدم عودتها إلى البلاد والاجتماع مع أهلها.

أجبر الصراع المستمر منذ عقد في سوريا ملايين العائلات على الفرار من ديارهم ودمر الاقتصاد والنظام الصحي. كما هو الحال مع أي أزمة، فإن النساء والأطفال هم من يواجهون أكبر التحديات. ولكن بالنسبة لميرال كان السواد الأعظم عدم قدرتها على التحدث مع والدتها يوميا بسبب ارتفاع تكلفة الاتصالات والإنترنت. فهي بالكاد تتحدث معها أسبوعيا بعد إرسال مبلغ مالي صغير لتعبئة “حزمة النت”، كما تقول.

للقراءة أو الاستماع: اللاجئون السوريون كيف يشاركون في احتفالات عيد الأم داخل البلاد؟

“أتمنى أن تعود والدتي للحياة”

أما ليلى وابنها عمران، 10 أعوام، أجبروا على الفرار من منزلهم بسبب القصف على قريتهم البارة بريف إدلب. ومنذ ذلك الحين انتقلوا ثلاث مرات ويعيشون الآن مع منال وهي أخت ليلى في تركيا.

تقول منال، لـ”الحل نت”: “أصعب شيء واجهه طارق وأمه في السنوات العشر الماضية هو العيش في فقر والعيش في كوخ حيث كانت تعيش بقرة”. وتابعت “قاما بتنظيفه والعيش فيه حتى السنة الماضية. فنحن بحاجة للبقاء على قيد الحياة”.

ومن خلال هذه التجارب الصعبة، وجدت هذه العائلة الصغيرة التي فقدت معليها أن العيد يأتي في المغترب. لكن وكما يقول عمران: “كنت أجلس مع أمي ونلعب معا، وأكثر ما كنت أحبه فيها هو أنها تحبني ودائما ما تدللني. وكلما شعرت بالحزن كانت أمي تحتضنني وتشجعني “. ويختم حديثه “أتمنى أن تعود والدتي للحياة”.

“الحرب هلكتنا وشردتنا”

ذات الكلمة، رددتها هنا الحريري، وهي فتاة تبلغ من العمر 16 عاما تعيش في مدينة إربد الأردنية، برفقة والدها بعد أن فقدت والدتها في الحرب عام 2018، في ظروف لم ترغب الفتاة في وصفها. كما مات شقيقها قبل ذلك. والتي ذكرت لـ”الحل نت”، رغباتها في هذا اليوم، وهي بسيطة بقدر ما هي مستحيلة. قائلة “أتمنى أن تعود والدتي إلى الحياة، وتوقظني مبكرا للمدرسة وتحضر لي سندويشة اللبنة”.

أحلام هنا لم تكن مختلفة عن أمنية أم وليد، 50 عاما، وهي أم لأربعة شبان، وتعيش في مدينة حرستا بريف دمشق. حيث قالت “أتمنى أن يتمكن أطفالي من زيارتي كما اعتادوا”. حيث وصفت احتفالات عيد الأم بالأوقات السعيدة. مضيفة: “كنت عادة أصنع الحلوى في المنزل، ثم في المساء يزورني أبنائي مع زوجاتهم ويقدمون لي الهدايا”.

واليوم، تحتفل أم وليد بعيد الأم وحدها. إذ فر اثنان من أبنائها إلى تركيا، وولديها الأكبر وليد وأياد، اعتقلا بسبب مناهضتهم للحكومة السورية قبل أربعة أعوام، وهم من بين آلاف المعتقلين لدى الحكومة السورية.

تتذكر أم وليد خلال حديثها لـ”الحل نت”: “اعتاد أولادي أن يمسكوا يدي ويقولون: لم نحضر لك هدية، ولكن نحن أحلى الهدايا، وكنا نضحك”. وتتابع “كل ما أريده هو أن يرجع أولادي إلي، ويقبلون يدي”. ثم تتحدث بعد أن صمتت لمدة دقيقة، “اليوم عيدي وهو بالنسبة لي يوم حزن ودموع، الحرب هلكتنا وشردتنا”.

في زحمة أعياد في سوريا المكلومة، وهي ثلاثة أعياد يعيشها السوريون. في يوم الحادي والعشرين من آذار/مارس: عيد الأم، وعيد المعلم، وعيد النوروز. تقضي معظم الأمهات في سوريا عيدهن في ظل الضياع والتهجير والنزوح عن أطفالهن نتيجة سياسة فشلت في إيجاد حل للصراع حتى يومنا هذا، حيث لم يتمكن الكثيرات منهن من الاحتفال بالذكرى التي يتطلعن إليها في كل عام، وسط كآبة المعيشة وانعدام مقومات الحياة الكريمة.

للقراءة أو الاستماع: نصف مليون ليرة سورية ثمن هدية عيد الأم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.