ارتفاع الأسعار في العراق: هل ستؤدي الصراعات السياسية والدستورية إلى مزيد من الجوع؟

ارتفاع الأسعار في العراق: هل ستؤدي الصراعات السياسية والدستورية إلى مزيد من الجوع؟

ارتفاع الأسعار في العراق وصل إلى حدود غير مسبوقة، فقد شهدت الأسواق المحلية موجة غلاء، لا سيما في أسعار الزيوت النباتية والأرز ومنتجات المخابز، الأمر الذي أثار غضب المواطنين.

وعلى ضوء ذلك أقرت الحكومة العراقية، في بيان رسمي صدر عقب الجلسة الأسبوعية لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تقديم منحة نقدية لمحدودي الدخل، وإعفاء المواد الغذائية من الجمارك. ضمن حزمة إجراءات لمواجهة موجة ارتفاع الأسعار في العراق، التي أعقبت الانتخابات، وازدادت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا واقتراب شهر رمضان.

ونص البيان على “إعطاء منحة مالية، مقدارها مئة ألف دينار (68 دولارا) لمرة واحدة، باسم منحة غلاء معيشة، للمتقاعدين ممن يتقاضون راتبا أقل من مليون دينار شهريا (686 دولارا)، والموظفين ممن يتقاضون راتبا أقل من خمسمئة ألف دينار شهريا (343 دولارا)، والمستفيدين من الإعانة الاجتماعية، ومعدومي الدخل”.

ولكن يبقى السؤال: هل تعدّ هذه المنحة مجرد حل ترقيعي ومؤقت، تتبعه الحكومة العراقية لتهدئة الشارع؟ وما دور الأزمات السياسية والدستورية، التي تعيق تشكيل الحكومة الجديدة، في عدم إيجاد حلول جذرية لارتفاع الأسعار في العراق؟

هل الغزو الروسي لأوكرانيا هو السبب الوحيد لارتفاع الأسعار في العراق؟

وزارة التجارة العراقية كانت أول من ناقشت موضوع ارتفاع الأسعار في العراق، خلال اجتماع توصلت فيه إلى عدة قرارات.

المتحدث باسم الوزارة محمد حنون أكد، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “السبب الرئيسي لارتفاع أسعار المواد الغذائية هو الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن المعروف أن روسيا وأوكرانيا من أكبر المنتجين للحنطة والمواد الغذائية الأساسية، وتسيطران على ما نسبته ثلاثين بالمئة من إنتاج الحنطة عالميا”.

لذلك يشير حنون الى أن “مواجهة ارتفاع الأسعار في العراق يتطلب إجراءات حكومية فاعلة، لدعم مواد السلة الغذائية، مثل الطحين والزيت والسكر والرز والبقوليات، التي تعتبر صمام الأمن الغذائي العراقي”.

ومن جانبها ترى سهيلة السلطاني، عضو مجلس النواب العراقي، أن “أهم أسباب ارتفاع الأسعار في العراق هو رفع سعر صرف الدولار، الذي ما زالت الحكومة العراقية مصرة عليه. كما أن عدم وجود حكومة دستورية في العراق، واستمرار حكومة تصريف الأعمال في إدارة البلد، والتي تجاوزت صلاحياتها عدة مرات، له دور كبير في عدم استقرار الأسعار في السوق العراقية”.

مبيّنة، في حديثها لـ”الحل نت”، أن “من واجب البرلمان العراقي الحالي الوقوف وقفة جادة، للضغط على حكومة تصريف الأعمال. ومن أجل الإسراع في تشكيل حكومة جديدة، تؤدي دورها في توفير جميع المتطلبات الخدمية للشعب العراقي”.

الأسباب السياسية لارتفاع الأسعار في العراق

ويرى كثير من المحللين أن تأخر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لغاية الآن، بالرغم من مرور أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات، أسهم بشكل كبير باتساع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وارتفاع الأسعار في العراق. باعتبار أن الحكومة الحالية محدودة الصلاحية، لأنها حكومة تصريف أعمال.

المحلل السياسي علي المحمود يؤكد أن “عدم تشكيل حكومة جديدة، يقع على عاتقها تقديم الموازنة لمجلس النواب العراقي من أجل التصويت عليها، أضر كثيرا بالواقع المعيشي للمواطنين، كما أضر بجوانب أخرى في البلاد”.

ويتابع المحمود، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “ارتفاع الأسعار في العراق يحمل أبعادا سياسية كبيرة. وربما يكون متعمّدا لإسقاط الحكومة الحالية، التي يرأسها مصطفى الكاظمي، والذي ما يزال المرشح الأقوى لمنصب رئيس الحكومة الجديدة، لما يتمتع به من مقبولة من أطراف سياسة عدة على مستوى الداخل، إضافة إلى المقبولية الإقليمية والدولية”.

وبيّن أن “هناك مافيات وجهات سياسية أيضا تسيطر على السوق المحلي، وتحاول تحقيق أهداف سياسية عبر رفع الأسعار، لتأليب الشارع العراقي، وعرقلة تشكيل الحكومة المقبلة”.

ماذا بإمكان الحكومة العراقية أن تفعل؟

الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم ترى أن “الجفاف، وعوامل بيئية أخرى، أسهموا في تراجع الإنتاج الزراعي في العراق، مما أثر على تجهيز المنتج الغذائي المحلي. إلا أن هذه العوامل ليست السبب الوحيد في ارتفاع الأسعار في العراق، فالحكومات العراقية المتعاقبة لم تعمل على إعداد خطط استراتيجية بديلة لحل الأزمات الغذائية”.

وتتابع سميسم في حديثها لـ”الحل نت”: “الأجهزة الحكومية ذات العلاقة لم تأخذ على عاتقها التعامل مع موضوع ارتفاع الأسعار في العراق بجدية. ولم تحاول بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إيجاد أية حلول لصعوبة وصول المواد الغذائية إلى مناطق الشرق الأوسط، بسبب تأثر الطرق والمنافذ البحرية، التي يتم عبرها تصدير تلك المواد”.

مقالات قد تهمك: موجة الغلاء في العراق: هل يؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ثورة في المدن العراقية؟

من جهته يرى ضرغام محمد علي، رئيس المركز الاقتصادي العراقي، أن “من واجب الحكومة العراقية التدخل في الأسواق، والحد من نفوذ تجار السوق”.

علي يقول في حديثه لـ”الحل نت” إن “بإمكان الحكومة أن تتدخل في السوق، بوصفها منافسا لتجاره، للحد من ارتفاع الأسعار في العراق، عبر استيراد المواد الغذائية وبيعها بسعر التكلفة، إما عن طريق البطاقة التموينية، أو عبر ما كان يسمى بالأسواق المركزية، وهي مراكز كانت موجودة سابقا لبيع المواد الغذائية بأسعار أقل من الأسواق المحلية”.

مختتما حديثه بالقول: “بإمكان الحكومة العراقية أيضا أن تزوّد تجار المواد الغذائية بالدولار المدعوم، أي أن تبيعه لهم بسعره القديم، بهدف تشجيعهم على الاستيراد. باختصار لا يجب أن تترك أسعار المواد الغذائية لتقلبات السوق وأسعار الصرف”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.