الانتخابات الرئاسية الفرنسية: هل يكون اللاجئون السوريون ضحية صعود اليمين المتطرف؟

الانتخابات الرئاسية الفرنسية: هل يكون اللاجئون السوريون ضحية صعود اليمين المتطرف؟

يتنافس في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، المزمع عقدها في العاشر من نيسان/إبريل القادم، اثنا عشر مرشحا، ينتمون لأحزاب وقوى سياسية ذات توجهات وأيديولوجيات متعددة، مع برامج انتخابية مختلفة، في بلد يعيش نشاطا سياسيا كبيرا، وحالة من التجاذب الدائم في كل المجالات. إلا أن ملف المهاجرين واللاجئين يبقى أحد أكثر الملفات سخونة وحسما في كل البرامج الانتخابية، خاصة مع تحول قضية اللاجئين في السنوات الأخيرة إلى مسألة جوهرية في السياسات الأوروبية الداخلية.

وعلى الرغم من أن فرنسا لا تعتبر من الدول الأكثر تأثرا بموجة اللجوء الكبيرة، التي ترافقت مع نزوح السوريين من بلدهم، إلا أنها ما تزال وجهة مفضلة للمهاجرين للقادمين من الدول الإفريقية عموما. وبالتالي فإن كل تغير محتمل، قد تؤدي إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، سينعكس على سياسة اللجوء والهجرة عموما، وقد يتأثر به السوريون وغيرهم.

ويتسابق السياسيون اليمينيون واليساريون الفرنسيون فيما بينهم لنشر خطابات حول قضية اللجوء والهجرة في الشارع الفرنسي لكسب الأصوات، كل بحسب رؤيته. فاليسار يدعو إلى استمرار استقبال ودعم اللاجئين ومساعدتهم، كما هو حال مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو، وكذلك جان لوك ميلانشون مرشح اليسار الأبرز. بينما يطالب اليمين بسياسة أكثر حزما تجاه اللاجئين، وتقييد منحهم إقامات طويلة الأجل ومساعدات اجتماعية.

ويعتبر إيرك زمور من أبرز الأصوات اليمينية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والمرشح الأكثر تطرفا، إذ يركز في حملته الانتخابية على تحميل اللاجئين والمهاجرين كل مشاكل فرنسا، إضافة إلى تشديده على فكرة التهديد الديمغرافي، الذي يواجهه الفرنسيون نتيجة موجات الهجرة المتلاحقة. كما أن مرشح اليمين المتطرف معروف بخطابه الودي تجاه حكومة دمشق، واستنكاره لما يسميه “شيطنة الأسد”، في مقابل دعم العالم للمقاتلين الإسلاميين المعارضين له.

فكيف ستنعكس الانتخابات الرئاسية الفرنسية على المهاجرين عموما، واللاجئين السوريين خصوصا؟ وهل باتوا مهددين فعلا بإجراءات قاسية، قد تصل إلى درجة حرمانهم من عدد من حقوقهم الأساسية أو ترحيلهم من البلاد؟

اللاجئون ورقة أساسية في كل انتخابات رئاسية فرنسية

السيد موريس بنجامين، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس، يقول لموقع “الحل نت” إن “ورقة اللاجئين كانت دائما استثمارا لكل المرشحين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنها تبقى ورقة محدودة التأثير. فالجميع يخاطب مؤيديه من منطلق الحرص على مصلحة الفرنسيين أولا، مع عدم تجاوز مبادئ حقوق الإنسان، التي يتباهى بها المرشحون عموما، وتعتبر قيما أساسية أيضا لدى الناخب الفرنسي”.

وعن مدى إمكانية تأثير الانتخابات على السوريين تحديدا يؤكد بنجامين أن “السوريين مازالوا يتمتعون بنوع من التحييد فيما يتعلق بقرارات اللجوء، فالوضع في سوريا ما يزال دون حل. وبالتالي سيدرك أي رئيس قادم أن قضيتهم تبقى مفتوحة، ولا تؤدي لأزمة كبيرة في فرنسا، مثل أزمة اللاجئين القادمين من دول تصنّف بوصفها آمنه”.

متابعا حديثه بالقول: “لا يشكل اللاجئون السوريون عموما نسبة كبيرة في فرنسا، فهي لم تكن وجهة رئيسية لهم في موجات النزوح بين عامي 2013 و 2016، وهذا يجعلهم خارج دائرة التركيز في سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكن لا يعني أن أوضاعهم لن تشهد تغيرا مع تغير سياسات البلاد، في حال وصول رئيس جديد إلى سدة الحكم”.

هل يخاف السوريون من نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟

يعيش بعض الشباب السوري حالة ترقب وخوف من نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في ظل تصاعد الخطاب غير الودي من مرشحي اليمين المتطرف، على الرغم من محدودية التأييد الذي ينالونه إلى الآن وفق استطلاعات الرأي.

حسام محمود، شاب سوري يعيش في فرنسا منذ أكثر من عامين، يرى أن “خوف اللاجئين مشروع، ففي كل مناسبة تبرز قضية الهجرة في الخطاب السياسي الفرنسي، وهذا مثير للملل والإحباط”.

محمود يقول في إفادته لـ”الحل نت”: “لم يعد بمقدوري الهجرة مرة أخرى، فقد نزحت من ريف دمشق إلى إدلب، ومن ثم لجأت لتركيا، وأخيرا إلى فرنسا، وآمل أن أجد الاستقرار، دون أن أعيش تحت رحمة قرارات سياسية تتحكم بمصيري. لا أدري إن كنت سأمضي حياتي أنتقل من مكان لآخر، فأنا مطلوب للحكومة السورية، وسجنت لدى هيئة تحرير الشام في ادلب، أما في تركيا فالوضع غير مستقر”.

من ناحية أخرى ترى لينا الطباع، وهي شابة سورية تدرس العلوم الإنسانية في فرنسا، أنه “لن يكون هنالك تغيير، وما الحديث ضد اللاجئين، في سياق الانتخابات الرئاسية الفرنسية، سوى جانب من برامج انتخابية غير جدية، تعود إلى الأدراج المغلقة فور فوز أحد المرشحين”.

وتتابع في حديثها لـ”الحل نت”: “في فرنسا كثير من المشاكل أخرى، غير مشكلة اللاجئين السوريين. وقد يتم إصدار قوانين جديدة تحدّ من مسألة الهجرة إلى فرنسا عموما. ولكن بالنسبة لنا نحن السوريين فلا أرى أن تغيرا جذريا سيطرأ على أوضاعنا، حتى لو نجح أحد مرشحي اليمين المتطرف”.

ليست الهجرة هي المشكلة الوحيدة

ولا يقتصر ترقب السوريين لنتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا على ما ستؤدي إليه في مسألة اللجوء الهجرة، فهناك شؤون داخلية أخرى تعني السوريين، مثل غيرهم من المقيمين على الأراضي الفرنسية، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي والمعيشي، والصعوبات الإدارية والبيروقراطية التي يعاني منها الجميع.

حسام محمود يؤكد أن ما يتمناه هو أن “يعمل أي رئيس فرنسي قادم، أيا كان توجهه، على تسريع وتيرة اندماج المهاجرين واللاجئين، وتحسين الأوضاع الاقتصادية”.

مضيفا: “لا بد أيضا من العمل على التطوير الإداري في فرنسا. فالبيروقراطية في هذا البلد تكلفنا سنينا من أعمارنا، بين الأوراق والمعاملات وانتظار ردود هذه الجهة الحكومية أو تلك. وسيكون من الجيد كسر جمود البيروقراطية الفرنسية، ولا أعتقد أن هذا سيكون محط اختلاف بين أي من الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية”.

مقالات قد تهمك: لم شمل السوريين في أوروبا: معارك يومية مع البيروقراطية وطرق التهريب المسدودة

وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى استمرار تقدم ايمانويل ماكرون بفارق واسع عن مارين لوبان، أقرب منافسيه. وبحسب موقع أيفوب- IFOB، فإن الرئيس الحالي سيحصل على ما يقارب الثلاثين بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. ما قد يعني إعادة سيناريو الانتخابات السابقة، التي فاز فيها ماكرون على لوبان بفارق واسع.

موريس بنجامين يؤكد أن “المشاكل في فرنسا ليست أمورا آنية، يمكن حلها بقرار أو اثنين. بل هنالك قضايا عالقة عمرها عشرات السنوات. وهي أكبر عمرا حتى من بعض المرشحين الحاليين، الذين عليهم معالجتها أو معالجة آثارها. وذلك يتطلب قرارات عميقة، ستكون صعبة بطبيعة الأحوال، بحكم تعقيد البيروقراطية الفرنسية. وأيضا بسبب أن أي اقتراح لحل تلك المشكلات سيصطدم بشكل أو بآخر بمصالح إحدى الطبقات أو الفئات الاجتماعية، ما سيعني مواجهة مع الشارع، وبالتالي تعطيل أو تأخير تطبيق أي حل”.

ويختتم بنجامين حديثه بالقول: “أرى أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية الحالية لن تحمل تغييرا مهما. ولكنها ستكون تمهيداً لمرحلة قادمة، لا تبدو معالمها واضحة كثيرا الآن”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.