ضرورته باتت ملحة جدا. يجمع على ذلك من يحلل ويتابع المشهد السياسي العراقي، ولو أن مواده جيدة، لما كانت البلاد في انسداد سياسي تعيشه منذ 4 أشهر. إنه الدستور العراقي.

يصف الكثير من المراقبين والخبراء وأغلب رجال القانون، الدستور العراقي الدائم لعام 2005، بأنه “دستور مُلغّم”، وينقصه الكثير من المواد، ويحتاج إلى العديد من المعالجات.

من بين أبرز معرقلات الدستور العراقي، المادة التي تلزم البرلمان بحضور الأغلبية المطلقة من أعضائه إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وبخلافها لا يتم انتخاب الرئيس، حتى وإن تحققت الأغلبية غير المطلقة.

المعرقل الآخر في الدستور العراقي، أنه في حال لجوء البرلمان العراقي إلى حل نفسه، فإنه يحتاج أيضا إلى تصويت ثلثي أعضاء البرلمان على ذلك، وأغلبية الثلثين هي ذاتها الأغلبية المطلقة.

يبلغ عدد أعضاء البرلمان العراقي 329 نائبا، والأغلبية المطلقة تعني تصويت وحضور 220 نائبا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية ولقرار حل البرلمان إن تم اللجوء إلى ذلك.

تمر البلاد بانسداد سياسي، نتيجة عدم قدرة تحالف “إنقاذ وطن” الفائز في الانتخابات المبكرة الأخيرة، والذي يقوده زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، على تحقيق الأغلبية المطلقة لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

صعوبة أم سهولة؟

وصل تحالف “إنقاذ ةطن” مع من انضم له في جلسة السبت قبل الماضي لانتخاب رئيس الجمهورية إلى 202 من النواب، لكن عدم ضور 18 نائبا، أدى لفشل عقد الجلسة.

يمكن لنحو 110 نواب يشكلون الثلث المعطل من منع عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ومن منع حل البرلمان، وتلك أكبر مشكلات الدستور العراقي.

“الإطار التنسيقي” الموالي إلى إيران والذي يقوده زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، هو من اختار تحقيق الثلث المعطل، لمنع اختيار رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة دون إشراكهم بها من الصدر.

أمام تلك المعضلة، فإن الانسداد السياسي هو سيد الموقف، ولا أمل بحل قريب، لذا قال الكثير من المراقبين إن الحل هو عبر تعديل مواد عديدة في الدستور العراقي، فهل يمكن أن يتحقق ذلك الأمر؟

للقراءة أو الاستماع: المحكمة الاتحادية العراقية: قرارات مسيّسة أم محاولة لتأويل غموض الدستور العراقي؟

بحسب القانوني والباحث السياسي إبراهيم الصميدعي، فإن تعديل الدستور، رغم كونه ضرورة ملحة، إلا أنه من الصعب إن لم يكن من الاستحالة تعديله.

الصميدعي يضيف لـ “الحل نت”، أنه في الوضع الراهن، نحتاج إلى تعديل جزئيتي انتخاب رئيس الجمهورية وحل البرلمان عبر اعتماد الأغلبية البسيطة، “النصف + واحد” من عدد أعضاء البرلمان، بدل الأغلبية المطلقة.

حالة واحدة تؤدي إلى تعديل الدستور العراقي

ويوضح الصميدعي لـ “الحل نت”، أن الدستور ملغّم؛ لأن من كتبه هم ساسة وليسوا بمختصين في القانون، وأخرجوه بصيغته الحالية، فهو دستور مكوناتي لضمان حصة المكونات “السنة والشيعة والكرد” في العملية السياسية، ولا يضفي الديمقراطية بشكلها الحقيقي.

لذلك، فإن السياسيين الذين كتبوا الدستور الحالي واعتمدوه، هم نفسهم يرفضون تعديله، ولن يسمحوا بتعديله أبدا؛ لأن التعديل يعني خسارتهم لكل مغانمهم وحصصهم ومصالحهم في العملية السياسية، بحسب الصميدعي.

ويختتم أنه، أمام تلك الاستحالة، فإنه لا إمكانية لتعديل الدستور العراقي، إلا بحالة واحدة، وهي بتدخل أو فتوى أو توصية مباشرة من المرجع الديني علي السيستاني، وبخلاف ذلك لن يتم تعديله.

للقراءة أو الاستماع: “الدستور العراقي يُخرق”.. حضور 20 نائبا لجلسة اختيار رئيس الجمهورية

وكان آية الله علي السيستاني، من الداعمين للتصويت الشعبي على الدستور العراقي الحالي عام 2005، عندما خرج الشارع الشيعي للتصويت على هذا الدستور بعد تلميحه لهم بذلك.

وصوت على الدستور العراقي الحالي الشيعة والكرد، وامتنع أغلب السنة من التصويت عليه؛ لأنهم كانوا يرفضون المشاركة في العملية السياسية في عراق ما بعد إسقاط نظام صدام حسين في ربيع 2003.

ولم يتدخل السيستاني إلا في الحالات الضرورية في المشهد السياسي بعد 2003، ومنها فتوى “الجهاد الكفائي” لمحاربة “داعش”، ومنع نيل نوري المالكي لولاية ثالثة برئاسة الحكومة العراقية، واستقالة حكومة عادل عبد المهدي بعد قمعها لـ “انتفاضة تشرين” في أواخر 2019.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.