ظروف اقتصادية صعبة تمر على السوريين خلال الفترة الحالية في ظل تزايد مستمر لارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية والخدمات. يأتي ذلك في وقت يعاني منه ثلاثة من كل خمسة سوريين من انعدام الأمن الغذائي، بعد الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية، وتدهور الاقتصاد في جميع أنحاء سوريا، بحسب ما تشير له أحدث التقارير الأممية حول واقع الأمن الغذائي في سوريا.

تدهور الأمن الغذائي

وبينت الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها، أنه رغم وصول عدد المستفيدين من الحصص الغذائية إلى نحو 5.8 مليون شخص شهريا في نهاية 2021، أدت الاحتياجات المتزايدة إلى خفض حجم الحصص المقدمة للأسر.

وبينت تقارير صحفية، أن سعر سلة الغذاء المعيارية الكافية لإطعام أسرة مكونة من خمسة أفراد لمدة شهر واحد، وصلت إلى حوالي 60 دولار أميركي (880 ليرة تركية)، وهو ما يستهلك ثلثي راتب عامل مياومة لمدة شهر كامل.

فيما تعتبر النساء الفئة الأشد تضررا من الناحية المالية، وخاصة مع وجود 30 بالمئة منهن لا يتوفر أي دخل لإعالة أسرهن.

وذكرت مصادر خاصة في وزارة الاقتصاد بدمشق لـ”الحل نت”، بأن الوضع الغذائي في سوريا يتجه صوب أسوأ وضع غذائي في تاريخها، لا سيما في ظل تفاقم أزمة محصول القمح وتأمين رغيف الخبز على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا.

مبينة بأن “حملة عام القمح”، التي أطلقتها دمشق باتت معرضة للخطر إثر جفاف شديد تتعرض له سوريا.

ويبدو أن التقديرات التي كانت تطمح إلى ما يتجاوز إنتاج مليون طن من القمح، لن تتجاوز في الواقع 400 ألف طن، وهو ما يعتبر أسوأ مواسم القمح في البلاد، حسب أكثر التقديرات تفاؤلا.

وتسبب انخفاض معدل هطول الأمطار، في فجوة في الواردات قد تبلغ 1.5 مليون طن على الأقل.

في حين ذكر التقرير الأممي بأن حوالي 12.4 مليون شخص كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي لعام 2020، ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وهذا أعلى رقم سجل في تاريخ سوريا بزيادة نسبتها 57 بالمئة على عام 2019.

وأوضح التقرير، أن الأمم المتحدة لم تمول إلا 50 بالمائة من الاحتياجات لعام 2021 البالغة 1.27 مليار دولار أمريكي، وكانت الولايات المتحدة وألمانيا أكبر جهتين مانحتين، بنسبة 88 بالمئة من جميع المساهمات المالية الواردة.

وأشار التقرير إلى أن أزمة غذائية تلوح في الأفق في المناطق المتضررة من الحرب في أوكرانيا، ومن بينها سوريا، بسبب توقف إنتاج وتصدير منتجات مثل الحبوب.

هذا ويبلغ عدد السوريين المحتاجين إلى مساعدة إنسانية نحو 14 مليونا و600 شخص، بعد أن بلغ 13 مليونا و400 ألف شخص خلال 2021، ووصل ما نسبته 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، بينما يعاني 60 بالمئة منهم انعدام الأمن الغذائي.

استمرار ارتفاع الأسعار.. ما الأسباب؟

لم تقف مشكلة السوريين عند أزمة تأمين الخبز، أو تدهور الأمن الغذائي، فارتفاع الأسعار فاقم من ضعف القوة الشرائية لدى السوريين.

بنظرة سريعة إلى الأسعار في السوق، يلاحظ أن ارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية تراوح بين 120 بالمئة لبعض السلع و 40 بالمئة لسلع أخرى.

ما يدفع للتساؤل حول من يتحمل المسؤولية وما هي الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بهذا الشكل.

خلال جولة في الأسواق قبل أسبوعين، كانت أسعار التمور تتراوح بين 7 آلاف و 15 ألف ليرة للكيلو، علما أن استيراد التمور كان ممنوعا. اليوم؛ تتراوح الأسعار بين 12 ألف و 30 ألف للكيلو الواحد، علما أن حكومة دمشق أصدرت قرارا يسمح باستيراد التمور، وهذا إن دل فإنما يدل على خلل كبير في السوق.

ووفق تقارير صحفية محلية، فإن ارتفاع الأسعار سببه السياسات التي يتبعها البنك المركزي، لضبط سعر الصرف. إن عملية استحصال إذن استيراد لمواد مسموح باستيرادها تستغرق ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر لكي يفرج البنك عن المال المودع لدى الشركات التي حددها، ومن ثم يحصل التاجر على إذن استيراد، يدفع على أساسه المال للجهة التي يستورد منها، وهنا سنرى أن أقرب دولة مصدرة لسوريا تحتاج البضائع منها لفترة لا تقل عن شهر لكي تصل، ناهيك عن التخليص الجمركي وغيره من الإجراءات، أي أن التاجر سيحتاج لفترة 5 أشهر على الأقل ليستلم البضائع، وهذه الفترة بطبيعة الحال تعتبر فترة تجميد أموال بشكل كامل، وعليه ستضاف هذه الفترة على التكلفة، التي أضيف عليها سابقا تفاوت سعر الصرف بين التسليم والاستلام.

بطبيعة الحال كل هذه الإجراءات، تهدف إلى أمرين؛ الأول هو ضبط الاستيراد بما يساعد على ضبط سعر الصرف. أما الثاني يهدف إلى تحديد سعر السلعة من قبل وزارة التجارة السورية، ما يساعد على تحديد سعرها في السوق.

في البند الأول، فعلا تمكن البنك المركزي من ضبط سعر الصرف، لكن الأمر ترتب عليه ارتفاع كبير في الأسعار، فقيمة المواد الاستهلاكية المباعة للمواطن أعلى بأضعاف سعرها في الحقيقة، وفق الباحث الاقتصادي، محمد لومان.

أما في البند الثاني، فقد تمكنت وزارة التجارة فعلا من تحديد الأسعار، ولكنها لم تأخذ بعين الاعتبار النقاط التي أشار لها التجار من الفترة الزمنية الطويلة وفارق الصرف وما يترتب عليه، وهذه أمور يضيفها التاجر على سعر السلع. ولعل هذا الأمر هو الذي يضعنا أمام مشهد فيه أسعار تعلنها الوزارة وأخرى في السوق بعيدة كل البعد عنها، بحسب حديث لومان لـ”الحل نت”.

هذا طبعا إذا ما أضيف له شح المحروقات محليا والفشل في توزيع حوامل الطاقة وتحديد أولويات العمل في التوزيع، إضافة إلى ارتفاع أسعارها علميا واختلاف سعر الشحن البحري والبري عالميا، عندها سيكون هناك مشهد أكثر وضوحا يبرر هذا الجنون في الأسعار، وما تسبب به من شلل كامل لحياة الفرد والأسرة في ظل عجز دخل الفرد على الصمود لساعات أمام الاسعار الجنونية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.