“القصخون”. هو “الحكواتي” عند الشام ومصر، لكنه في العراق يعرف بـ “القصخون”، واشتهر وجوده في كل شهر من رمضان، فأين حل به الدهر اليوم؟

في البدء، تنقسم كلمة “القصخون” إلى شقين. الشق الأول “القص”، وهي الحكاية، والشق الثاني “خون”، وهي تعني راوي الحكاية المحترف.

ظهرت مهنة “القصخون” عند تأسيس مدينة بغداد، وزادت شهرتها عند سيطرة العثمانيين على العراق، بعد تراجع المجالس الأدبية التي كانت منتشرة طيلة حكم الدولة العباسية، وفقا للمهتمين بالتراث العراقي.

شكل وجلسة “الحكواتي”

في النصف الأول من القرن الماضي، كانت مقاهي بغداد الكبيرة تقيم سهرات ليلية يحييها “القصخون”، يجلس على منبر يرتفع كثيرا عن مستوى كراسي الزبائن، ويشرع بسرد حكاية مشوقة من حكايات البطولة والحماس.

للقراءة أو الاستماع: “المحيبس” أشهر الطقوس الرمضانية في العراق.. ماذا تعرفون عنه؟

من بين تلك الحكايات التي كان يسردها، “الزير سالم” و”سيف بن ذي يزن” وحكايات العشق مثل “مجنون ليلى” وغيرها. وبعبارة “كان يا ما كان في قديم الزمان…” يبدأ “القصخون” حكايته في كل ليلة رمضانية.

وعلى الرغم من أن معظم الحاضرين كانوا قد استمعوا إلى الحكاية ويعرفون تفاصيلها، فإن “القصخون” كان قادرا على شد أسماع وأبصار جمهوره والتأثير فيهم، كما لو كانوا يسمعون إلى حكايته للمرة الأولى.

يجلس “القصخون” فوق مقعد عالٍ أشبه بمنبر ولكنه بلا مساند، سوى المسند الذي أمامه، لكي يضع فوقه الكتاب الذي يسرد منه القصص والحكايا إلى المستمعين ممن يجلسون في المقاهي.

“القصخون” لا تراه عاري الرأس، بل بعمامة آو غطاء ثقيل، ويلتحف عباءة سوداء وقورة أو جبة أو فروة، ومن النادر أن تجد قصخونا شابا. أغلبهم ممن تجاوزت أعمارهم 50 أو 60 عاما.

أين “القصخون” اليوم؟

يضيف “القصخون” بتَلاوين حكايته مشاهد تمثيلية بسيطة، فتجده متمرسا بتلوين الأصوات بين عالية هادرة غاضبة حينما تحتدم بين المقاتلين صرخات الحرب أو واطئة هادئة حينما تعبر عن مشاعر الحب والغزل.

كان “القصخون” فنانا واعيا بأن الوتيرة الواحدة والنغمات المتشابهة في الشعر المُغنى والجمود في الإلقاء ستسبب الملل والضجر عند الجمهور.

بدأ عصر “القصخون”، الذهبي منذ الحكم العثماني، لكنه اضمحل في الستينيات مع ظهور الراديو والتلفزيون، فلم تعد الحاجة إليه، رغم أنه يتواجد اليوم بنطاق ضيق جدا.

اليوم في بغداد مثلا، لا تجد “القصخون” سوى في مقهى الأطرقجي، فهو الوحيد الآن الذي يقوم بإحياء فعالية “القصخون” في رمضان، والتي بدأها قبل 6 أعوام.

للقراءة أو الاستماع: المسحّرچي في العراق.. طقس رمضاني يدافع عن نفسه

لكن مقهى الأطرقجي وحده لا يكفي لبقاء تقليد/ مهنة/ طقس “القصخون” في بغداد والعراق عموما، واندثاره بفعل الحداثة الحاصلة، مسألة وقت لا أكثر، بحسب مختقين في التراث العراقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.