يدافع عن نفسه كي لا يندثر، وتعايش مع مرحلة الحداثة الحالية، لكن ذلك لا يمنع من الحقيقة الحالية، بأن المسحّرچي في العراق لم يعد كما سابق عهده.

هذا الطقس الرمضاني الذائع الصيت في البلدان الإسلامية عموما وفي العراق خصوصا، بات يضمحل في بلاد الرافدين سنة بعد أخرى في كل موسم رمضاني جديد.

يعرف المسحّرچي في العراق بـ “أبو الطبل” أيضا؛ نسبة للآلة التي يحملها، وهي “الطبلة” التي يدق عليها وهو يتجول قبل الفجر في الشوارع ويهتف “سحور.. سحور”، لإيقاظ الناس قبل آذان الفجر.

كان أهالي بغداد وبقية المدن العراقية، يعتمدون بشكل تام على المسحّرچي في إيقاظهم ويعتبرونه من أساسيات شهر الصيام، لكن مع التطور وظهور الساعات الحديثة، ضعف دور هذه الشخصية.

للقراءة أو الاستماع: “المحيبس” أشهر الطقوس الرمضانية في العراق.. ماذا تعرفون عنه؟

اليوم وكي لا يندثر ذلك الطقس، يدافع المسحّرچي عن نفسه باستخدام إيقاعات متنوعة، بالاستعانة بأغنياتٍ جديدة، على عكس الطبلة القديمة وإيقاعها الثابت في أذهان العراقيين.

طقس لمجرّد الطقس

طبلة المسحّرچي المعروفة، تحوّلت الآن إلى ما يُعرف بـ “الدمّام” وصار “أبو الطبل” يستخدم الدفّ، ويستعين بألحان غريبة لا علاقة لها بالأجواء الرمضانية المعروفة.

بدّل المسحّرچي نمط موسيقاه، وصار يعزف نغمات راقصة تشبه إلى حد كبير إيقاعات حفلات الزفاف، تماشيا مع ذائقة الجيل الحالي في العراق، لكن ذلك جوبه بكثير من الرفض من قبل العوائل العراقية الرافضة لهذا النمط.

ذلك التغير، نتيجته التطور الزمني ودخول التكنولوجيا بكل قوتها على عالمنا، ما جعل المسحّرچي يتأثر بذلك التقدم التقني، ويكاد يضمحل، لكنه يكابر ويدافع عن وجوده، فأمسى طقس لمجرّد الطقس لا أكثر.

بحسب حديث سابق للباحث في الموررث الشعبي العراقي أحمد عبد الحميد، أدلى به لموقع “الحل نت”، فإن شهر رمضان تأثر ككل شيء في العراق، فهو من الأشهر المرنة التي تستقبل تقاليد جديدة وتمحي تقاليد أخرى، ومنها المسحّرچي.

وفق عبد الحميد، فإن هذا التبدل بالتقاليد لا يمكن السيطرة عليه؛ لأن الحياة تتطور بشكلٍ سريع، ولا يمكن المحافظة على كل الطقوس السابقة. “وفي الوقت نفسه لا بد على الجميع استذكار الماضي والتمسك به كتاريخ ثابت لا غبار عليه للمدن العراقية والمجتمع المسالم”.

تاريخ المسحّرچي

تاريخيا وفي الفترة الأولى لرمضان، لم يكن هناك مسحّرچي أو مسحراتي كما يعرف عند معظم الدول العربية، بمعناه التقليدي يدور لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور عند الفجر.

ظهرت وظيفة “المسحراتي” لأول مرة في العهد العباسي. حيث كان عتبة بن إسحاق، حاكم مصر آنذاك، أول مسحراتي معروف في التاريخ. إذ سار في شوارع القاهرة لتذكير الناس بوقت السحور عام 238 هـ.

للقراءة أو الاستماع: “مسحراتي سوريا” الطقس الرمضاني الغائب الحاضر

ولم تكن مهمة سهلة آنذاك، فاضطر بن إسحاق إلى بذل جهود كبيرة لدعم التقليد بالسير في المدينة مع العسكر. وفي زمن الفاطميين أصدر الحاكم بأمر الله، مرسوما يطلب من الناس النوم باكرا بعد صلاة التراويح. وفي الوقت نفسه، أمر ضباط الجيش بالطرق على أبواب الناس لإيقاظهم من أجل السحور.

مع مرور الوقت، عيّن الحكام أفرادا أو مسحراتية لإيقاظ الناس على السحور. وكانوا يطرقون الأبواب بالعصي التي كانوا يحملونها أثناء تجوالهم في المدن والقرى. كما اعتادت بعض المسحراتية على قرع الطبول بإيقاعات جذابة لإيقاظ الناس.

ما يجدر بالذكر، أن الناس لم يعودوا بحاجة إلى طرق المسحراتي للاستيقاظ من أجل السحور. ومع ذلك، لا تزال العديد من المجتمعات تشجعهم كرمز لشهر رمضان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة