يخضع رجل الدين السوري البلجيكي بسام عياشي للمحاكمة في فرنسا بسبب أنشطته بين عامي 2014 و2018 في سوريا، حيث يشتبه في انتمائه إلى جماعة “أحرار الشام الإسلامية” و”تحالفه” مع جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا (هيئة تحرير الشام حاليا).

استعرضت محكمة فرنسية، يوم الأربعاء الماضي، حياة الإمام بسام عياشي في سوريا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا على مدى عقود، لكن سجله لا يزال خاليا من أي إدانة بالإرهاب.

“أنا لست مسؤولا عن كل المجرمين في العالم!”، يقول عياشي، البالغ من العمر 75 عاما، وهو يرتدي بدلة رياضية رمادية وحذاء رياضي أزرق وسترة خضراء كبيرة في قاعة محكمة باريس، حيث يمثل بتهمة تكوين جمعية إجرامية إرهابية. وهو يحاكم اليوم على أنشطته بين عامي 2014 و2018 في سوريا.

خطاب عنيف

يقول بسام عياشي، المولود عام 1946 في حلب، إنه غادر إلى فرنسا عام 1968، وقد درس العلوم السياسية ثم العمارة، وتزوج من امرأة فرنسية وتركها عام 1974 للعمل في “الأشغال العامة” في السعودية ثم في ليبيا.

وبالعودة إلى فرنسا في أوائل الثمانينيات، افتتح مطعم “المقهى الشرقي” في مدينة إيكس ان بروفانس، وأدار مسجدا، قبل أن يغادر إلى بلجيكا في عام 1990 للفرار من نزاع ضريبي. ووفقا للشرطة البلجيكية، فقد شارك عياشي في تأسيس المركز الإسلامي البلجيكي في مولينبيك، وعرف بـ “عنف خطاباته”، و”مواقفه المعادية للغرب، والمؤيدة للجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، على سبيل المثال”.

“أرملة الجهاد السوداء”

ووفق ما ترجم “الحل نت” عن صحيفة “سود أوست” الفرنسية، فإن عياشي يقدم نفسه على أنه مجرد معلم بسيط، فيقول أثناء المحاكمة: “إنه تقييم خاطئ، لأن الشرطة في ذلك الوقت لم يكن لديها متخصصين في العالم العربي الإسلامي. لم أكن أبدا ضد الغرب”.

وتتابع رئيسة الجلسة سيرة عياشي، فتقول: “في عام 1999، بارك عياشي زواج عبد الستار دحمان، الذي أصبح بعد ذلك بعامين أحد قتلة القائد الأفغاني مسعود، بـ مليكة العرود، الملقبة بـ “أرملة الجهاد السوداء”.

ويقول عياشي مستبرأ “كان المركز مفتوحا على مدار الساعة لمن أراد تناول الطعام، وليس النوم في الشارع. ربما يكونون متطرفين وإرهابيين، لكن ليس عندما كانوا في بلجيكا”.

وفي عام 2004، نشر نص منسوب إلى بسام عياشي، في فترة النقاش حول الحجاب في فرنسا، مع تهديدات لوزير الداخلية حينها، نيكولا ساركوزي. لكن عياشي ينفي أن يكون كاتب ذلك المنشور أو أنه هدد ساركوزي.

“أوغاد” القاعدة

وتستشهد رئيسة الجلسة بأسماء أخرى يرتبط بها عياشي، لكنه ينكر قائلا: “هذه الأسماء لا تعني لي شيء على الإطلاق”. وعند سؤاله عن أسامة عطار، منسق هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر في باريس، يجيب عياشي بلحيته البيضاء الطويلة: “كان صديقا لابني. كان يأتي ليرى ابني عندما كان في العاشرة من عمره. أنا لست مسؤولا عنه عندما أصبح في الثلاثين من عمره، مجرما كبيرا”.

وفي تشرين الثاني 2008، اعتقل بسام عياشي في إيطاليا مع مهاجرين غير شرعيين في منزله المتنقل. واتهمه القضاء الإيطالي حينها بالتخطيط لهجمات على صلة بـ “القاعدة”، لاسيما ضد مطار “رويسي”. وتمت إدانته في البداية، ثم تبرئته بعد أكثر من 3 سنوات في السجن.

وكان قد حكم على نجله عبد الرحمن غيابيا في بروكسل لمشاركته في شبكة من أجل العراق وأفغانستان، لاسيما لنشره دعاية تنظيم “القاعدة”. ويزعم الإمام عياشي أنه “لم يقرأ ولم يطلع” على هذه المطبوعات، مؤكدا بأن ابنه كان “ضد بن لادن وضد هجوم 11 أيلول/سبتمبر”.

ويضيف عياشي قائلا “لم أكن أبدا مع القاعدة، التي دمرت العرب والمسلمين” متحدثا عن “الأوغاد الذين ارتكبوا الهجوم في الولايات المتحدة الأمريكية”، أو “الأحمق الذي طعن الناس في فرنسا”. وبالعودة إلى سيرته الذاتية، تذكر رئيسة الجلسة أن الإمام عياشي أب لـ 12 طفل، وأنه متزوج من ست نساء، وأحيانا في نفس الوقت، يتحدث عن “محظيات”.

وبعد وفاة ابنه عبد الرحمن في سوريا، غادر بسام عياشي إلى إدلب (شمال سوريا) عام 2013. وعمل ضد تنظيم “داعش”، حيث يدعي أنه عمل من هناك “عن قناعة” مع المخابرات البلجيكية والفرنسية.

فهل كان هذا الإمام الراديكالي السوري الفرنسي “جاسوسا” أم “أمير حرب”، وما هو الدور الذي لعبه في إدلب وسط فوضى عارمة بين عامي 2014 و2018.

قد تكون حكاية عياشي نسخة جديرة بسلسلة قصص تجسس، حيث يروي بسام عياشي، وهو من قدامى الإسلاميين في بلجيكا، كيف عاد إلى فرنسا في أوائل عام 2018، بعد أربع سنوات في سوريا.

ويروي كذلك كيف طرد من تركيا، حيث كان يقيم مؤقتا، ويدعى أنه تم استقباله في مطار باريس، ثم اقتيد “في الليل” إلى “منزل مغلق” لا يعرف مكانه. وهناك طلبت منه المخابرات الفرنسية أن يعود إلى سوريا، عبر لبنان، لمواصلة التعرف على الجهاديين الأوروبيين الشباب. ويوضح، بعد أن تقطعت به السبل في بيروت، أنه عاد أخيرا إلى فرنسا حيث شرح وضعه للسلطات.

وفي هاتفيه، اللذان قد تم على الأرجح فحصهما سابقا”، تؤكد المحادثات مع “مدام ماري” أو حتى مع “سيدريك بلجيك” قصة هذا الإمام. ويتابع عياشي قائلا “لقد اشترطوا علي من البداية أن نعمل معا. فإذا فزنا، فزنا معا، وإذا خسرنا، أخسر وحدي”.
وهو يعارض التهم الموجهة إليه بتكوين جماعة إجرامية إرهابية، ويقول إنه يدين “الأوغاد الإرهابيين”، مؤكدا بأنه تعاون مع المخابرات البلجيكية والفرنسية. لكن طلبين لرفع السرية من قبل قاضي التحقيق رفضتهما وزيرة الدفاع الفرنسية، تاركة المحكمة للمضي قدما في هذه النقطة الغامضة.

لكن تقارير مصورة أظهرت عياشي وهو يعمل قاضي في قاعة المحكمة الإسلامية، فهو سليل عائلة كانت في إدلب منذ قرون، وكان شيخا ذو “سلطة” هناك. وفي مقطع فيديو من نهاية آذار/مارس 2015 نشر على “فيسبوك”، يدخل عياشي مرتديا خوذة في إدلب، عندما غزاها “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”. وعند نقطة تفتيش، يظهر عياشي وخلفه علم “جبهة النصرة”. ويقول مبررا إنها “صورة تذكارية للغزو” التقطها بناء على طلب أعضاء هذا التنظيم.

لماذا لم ترفض؟ تسأله رئيسة المحكمة. فيجيب بأنه كان “مجبرا، لأنه كان لديهم نفس الأعداء: الأسد وروسيا وإيران”. ويكرر بأنه كان عليه أن يتقرب من النصرة من أجل “الخدمات”، ويضيف: “عندما ترسلني إلى صالة ديسكو، علي أن أرقص مع الشيطان”.

سارقي الأغنام

وتقول رئيسة الجلسة “نحن نتساءل فيما إذا كنت لاعبا أساسيا في هذه الحرب، أو حتى أحد أمراء الحرب” ففي الصور، شوهد عياشي مع رجال مدججين بالسلاح. وفي إحدى الصور، يحمل هو نفسه مدفع رشاش وقنابل يدوية ومسدس. ويرد عياشي “إنه كان للدفاع عن نفسي إذا هاجمني أحد”. وفي لقطة أخرى، يظهر عياشي وبيده بندقية قنص ذات منظار تلسكوبي، فيعلق عياشي “إنها لمواجهة سارقي الأغنام”.

وهناك كان عياشي يتردد على عمر أومسين ديابي ولواءه الفرنسي الذي يعتبر سببا في تجنيد عشرات الجهاديين. ويقسم عياشي أنه رآه “مرة واحدة فقط”، للتحقق مما إذا كان حيا أم ميتا، ويصفه بـ “المجرم”.

وكان من بين حراس عياشي منشق عن داعش، أدين بالإرهاب في بلجيكا. وتسأله رئيسة الجلسة: “ألا ترى بأننا بعيدين قليلا عن شعب سوري يدافع عن حريته”. فيرد عياشي بأنه في هذه “الفوضى الكاملة” هناك، “لا تستطيع أن تميز أحدهما عن الآخر”.

وفي قفص الاتهام، يجلس الهاشمي م.، الذي يحاكم إلى جانب عياشي بانتظام. فهذا الرجل، البالغ من العمر 33 عاما والذي جاء إلى سوريا من اليابان مع زوجته، كان حارس عياشي الشخصي وكان لبعض الوقت جزءا من “جبهة النصرة”، التي “اخترقها”، كما يدعي، لحساب الإمام عياشي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.