متغيرات العلاقات الروسية التركية بعد غزو أوكرانيا

متغيرات العلاقات الروسية التركية بعد غزو أوكرانيا

تسعى تركيا جاهدة للبقاء في المنتصف بين موسكو والغرب خلال أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، سيما وأن أنقرة العضو في “حلف الناتو” باتت تملك علاقات استراتيجية مع روسيا انطلقت من الملف السوري.

فتركيا تلعب اليوم أكثر من دور داخل ملف الغزو الروسي لأوكرانيا. حيث تستمر أنقرة ببيعها الطائرات المسيرة العسكرية التي حولت عشرات الدبابات الروسية إلى خردة. ومع ذلك فقد كان انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للفظائع الروسية المرتكبة هناك معتدلا. والأكثر إثارة للقلق هو أن هناك دلائل على أن تركيا ربما تتحايل على العقوبات المفروضة على روسيا، وفق ما أفاد به تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية.

تركيا بجانب أوكرانيا؟

في 26 آذار/مارس الماضي، قال مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، إن أعمال الأوليغارشية الروسية موضع ترحيب في تركيا طالما أنها تحترم القانون الدولي. كذلك صرح أردوغان بأنه “سيبقي الأبواب مفتوحة”. وفي محادثة هاتفية مع فلاديمير بوتين، اقترح أردوغان أن تجري تركيا وروسيا تجارتهما باستخدام الروبل أو اليوان الصيني أو الذهب. وقد رفضت تركيا، التي واجهت بالفعل عقوبات أمريكية لشرائها نظام دفاع جوي روسي، استبعاد صفقات أسلحة جديدة مع روسيا.

وبالرغم من تعاطف معظم الأتراك مع أوكرانيا، فإن عادة أردوغان في استفزاز الغرب واسترضاء روسيا كان لها أثرها. وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن 73 بالمئة من الأتراك يريدون أن تظل بلادهم محايدة تجاه أوكرانيا، بينما يقول 34 بالمئة فقط إن روسيا مسؤولة عن الحرب، في الوقت الذي يلقي فيه 48 بالمئة باللوم على أمريكا و”حلف شمال الأطلسي”. ويبدو أن أردوغان مصمم على عدم السماح لأي شيء، بما في ذلك جرائم الحرب، بعرقلة علاقته مع بوتين. وقد صرح المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، في الثاني من نيسان/أبريل الجاري، قائلا: “علاقاتنا مع تركيا ممتازة”.

عرض أردوغان مؤخرا التوسط بين روسيا وأوكرانيا أكسبه الثناء. فالرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، الذي انتقد بشدة الزعماء الآخرين لتساهلهم مع روسيا، لم يكن لديه سوى كلمات لطيفة بحق الرئيس التركي. وترى يفغينيا جابر، من مركز الدراسات التركية الحديثة بجامعة كارلتون، وفق “إيكونوميست” بأن دور الطائرات التركية بدون طيار قد خفف من الانتقادات الأوكرانية لأنقرة.

وليس من المستغرب أن ترفض تركيا الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا. فلطالما عارضت أنقرة العقوبات كأداة للسياسة الخارجية، لكن الإحباط من انتهازية أردوغان يتصاعد في العواصم الغربية. ويشعر الكثيرون أن تركيا تستخدم المفاوضات حول أوكرانيا غير المثمرة كذريعة.

وفي التقرير الشهري لمجلة “كريتر” التركية، ذكرت الكاتبة فيشنه كوركماز، أنه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، تم تقييم العلاقات بين تركيا وروسيا من منظور المنافسة الجيوسياسية المحتملة في مجالات معينة، والتعاون في مجالات تجارية لا سيما الطاقة.

وبناء على ذلك، نُظِرَ إلى العلاقات بين موسكو وأنقرة أنها قائمة على التنافسية والتعاون في ذات الوقت.

وأضافت المجلة أنه لا يمكن إنكار وجود منافسة وتعاون في طبيعة العلاقات بين موسكو وأنقرة اللتين تتبعان في الغالب “استراتيجية التجزئة” من أجل استمرار العلاقات والاستفادة أكثر من مجالات التعاون رغم التنافسية والخلاف في قضايا أخرى.

تأثير أوكرانيا

في السنوات العشر الأخيرة، لوحظ أن العلاقات بين روسيا وتركيا قد وصلت إلى بُعد ذي مغزى استراتيجي، متجاوزة النمط التقليدي في العلاقات الثنائية. بحسب حديث الباحث السياسي، محمود السعيد لـ”الحل نت”. مع مرور الوقت، لوحظ أن العلاقات التركية الروسية تتخذ منحى آخر بخلاف النماذج الأخرى في العلاقات التي بنتها موسكو في علاقاتها.

وعلى سبيل المثال، تنوع الترابط بين أنقرة وموسكو، في مجالات قائمة على التعاون الربحي، مثل محطة أكويو النووية، وخط الغاز “ترك ستريم”، وشراء أنقرة لمنظومة “إس 400” الروسية، وقد منح هذا التنوع الاستراتيجي فرصة لأنقرة لاتخاذ خطوات مختلفة يمكن أن توازن العلاقات التي طورتها مع روسيا.

تعمقت العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين تركيا وروسيا وبالأخص في مجال نقل الطاقة وإن ظل التنافس بينهما قائما في العديد من الملفات مثل سوريا وليبيا وقبرص وإقليم ناغورني قرة باغ لكن ظلت تلك الخلافات ضمن مساحة مقبولة من الطرفين، وهو ما كفل لهما التجاوز السريع لأزمة إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في عام 2015 قرب الحدود السورية؛ حيث عادت العلاقات الوثيقة مجددا وبالأخص بعد وقوف بوتين بجوار الرئيس التركي في وجه الانقلاب العسكري، عام 2016، ومن ثم انتقل التعاون بين البلدين إلى مربع العلاقات العسكرية مع شراء أنقرة، في عام 2019، لمنظومة الدفاع الجوي الروسي “إس 400” رغم التهديدات والعقوبات الأميركية بخصوص إتمام تلك الصفقة.

وضع الغزو الروسي لأوكرانيا مؤخرا تركيا بين فكي كماشة في ظل تمتعها بعلاقات قوية مع طرفي الحرب. بحسب رأي الباحث السياسي، محمود السعيد. فرغم رفض تركيا منذ عام 2014 الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتأكيدها على ضرورة احترام وحدة الأراضي الأوكرانية، فإن أنقرة حافظت خلال السنوات الماضية على علاقاتها مع موسكو، ولم تنخرط في فرض أية عقوبات اقتصادية على روسيا على خلفية دورها في انفصال لوغانسك ودونيتسك بشرق أوكرانيا، بل انخرط البلدان معا في مشروع خط أنابيب “السيل التركي” الذي دخل مرحلة التشغيل في عام 2020 بنقل الغاز من روسيا إلى تركيا والبلقان بعيدًا عن أوكرانيا التي ظلت لسنوات تنفرد بخط المرور الأساسي للغاز الروسي إلى أوروبا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة