يمكن تلخيص أهم المشاكل التي واجهها “الجيش الوطني” السوري المعارض المدعوم من قبل تركيا، وما زال يواجهها؛ بأنه هيكل عسكري غير واضح، فمن المعوقات البنيوية والأمنية والسياسية التي تواجه هذا التشكيل، أن الهيكل الأصلي والحالي له يتركز حول الفصائل بشكل منعزل عن التنظيم ووضوح الغاية والهدف.

حيث يحتفظ كل فصيل أو تشكيل عسكري بهيكله الخاص داخل الجيش مقابل الاندماج لأداء مهام عسكرية أو أمنية محددة في جيب صغير من الشمال السوري. وهذا يعني أن تشكيل “الجيش الوطني” لم يؤد إلى حل أي فصيل عسكري، بل أدى فقط إلى تعزيز المهام العسكرية للمعارك المنخرطة فيها مع تركيا بين مختلف الفصائل في الشمال. وهذا يختلف تماما عن الهدف الرئيسي للتشكيل المتمثل في توحيد جميع الفصائل في الشمال تحت قيادة واحدة على المستويات الهيكلية والإدارية والأمنية.

الاندماجات مقدمة لمناطق نفوذ؟

تعليقا على الاندماج بين فصائل المعارضة السورية وظهور كتل عسكرية جديدة وتنامي قوتها على حساب كتل عسكرية  أخرى، قال المحلل العسكري، العقيد عبد الرحمن حلاق، إن جميعها ليس لها علاقة بمستقبل سوريا، لا سيما وأن جميع الاندماجات جاءت تحت قيادة مدنية وليست عسكرية.

وأشار حلاق، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أنه بات واضحا من الاندماجات الأخيرة، هو أن التكتلات الكبيرة تسعى لقضم الأصغر منها، أو أن الأخيرة تدخل مع الكبيرة من أجل الحماية، في حين أن الواضح من هذه السلسلة غير المنتهية، لن تقدم أيا من الأسس التي صرحت بها خلال تشكيلها.

وأوضح المحلل العسكري، أن لزيادة مناطق النفوذ سبب وجيه في إعادة تشكيل هذه التكتلات رغم انخراطها تحت مسمى واحد برعاية تركية، وهي بحد ذاتها لا تنخرط تحت الأدب العسكري الذي يجب على الجيش أن يتحلى به، لا سيما الأهلية والإدارة، فمعظم عناصره وقادته لا يخضعون للأوامر العسكرية، فقط هم منخرطين فيه من أجل الرواتب.

من جهته يرى المحلل العسكري، العقيد مصطفى فرحات، أن الاندماجات وتوحيد الجهود حسب وصف القائمين على تلك التحركات، بشكل عام أو في الإطار العام هي خطوة باتجاه صحيح عندما تكون هذه الخطوة لها مرتسم حقيقي على أرض الواقع. ولكن في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، المشكلة أن هنالك الكثير من الاندماجات ولكن دون نتيجة، بحسب وصف فرحات.

الجدير ذكره، أن الاندماج بين فصائل المعارضة، اتخذ منحى جديدا مع بداية العام الحالي إثر “فشل” مشروع “غرفة القيادة الموحدة- عزم”، وتواصل الانشقاقات والتعديلات والاندماج، والتي كان أحدثها إعلان انضمام “فيلق الرحمن” إلى صفوف هيئة “ثائرون للتحرير”، في خطوة قد تؤدي إلى التصعيد مع “عزم”، التي تضم في صفوفها “جيش الإسلام”، وهو “الخصم اللدود” للفيلق منذ أن كان الفصيلان في الغوطة الشرقية بريف دمشق.

للقراءة أو الاستماع: ما الذي يحدث داخل “الائتلاف” السوري.. وما دور العلاقات الإماراتية التركية؟

تقلبات المظلة السياسية انعكست على الجيش؟

الاندماجات التي وصفها فرحات بأنها بلا نتائج وإعلامية فقط، ليست بحد ذاتها المشكلة، بل إن المظلة السياسية التي انقسمت خلال الأسبوع الفائت، بين تخوين وفساد واتهام بالرشاوي، تعكس الانقسام الداخلي ونظام العمل الداخلي لـ “الجيش الوطني” التابع لما يعرف بـ”الحكومة المؤقتة” المعارضة والتي بدورها تنضوي تحت راية “الائتلاف السوري” المعارض الذي تدعمه تركيا.

بحسب فرحات، فإن الفصائل مرجعيتها السياسية هي ما يحدث داخل الائتلاف. مشيرا إلى أن هذا الأمر خطير جدا. فمن الناحية العسكرية لا معنى لاندماج فصيل أو الانضمام إلى بوتقة، طالما أن هناك تشتت في المظلة السياسية غير القادرة على استثمار الجهد العسكري أو على الأقل توحيد هذه الجهود بإطار عمل عسكري واحد منظم.

وبيّن فرحات، أن كل جيوش العالم يوجد لها مقر قيادي مركزي، هو من يشرف وينسق العمل بينه وبين كافة التشكيلات. فعلى سبيل المثال وتأطيرا للحالة في “الجيش الوطني”، قال فرحات، “عندما يدخل هدف جوي معين كيف ستتعامل معه. هل سلاح صواريخ الدفاع الجوي سوف تستهدف هذا الهدف. وإن لم يكن هناك تنسيق سوف تطلق أكثر من صاروخ من أكثر من مكان، وبالتالي هذا عمل فاشل بامتياز”.

ويختم فرحات حديثه، بأن عمل الاندماجات الحالية داخل إطار “الجيش الوطني” سوف يكون مصيره الفشل. فدائما الخطوات التوحيدية ضرورية، ولكن حتى الآن لم نشاهد ثمار حقيقية لهذا التوحيد، رغم أنه أكثر من مرة تم الإعلان عن هكذا خطوات. ولأسباب عديدة لم تحقق نتائج سواء على الصعيد العسكري أو السياسي.

للقراءة أو الاستماع: “انقلاب” داخل “الإئتلاف” السوري المعارض.. ما حقيقة الوضع؟

انقسام وحرب شوارع جديدة

في حين رجحت مصادر عسكرية، أن تشهد المناطق التي أخضعتها تركيا لسيطرة “الجيش الوطني” في شمال سوريا، حالة من الانقسام، تمهد لمرحلة جديدة من الصراعات على المعابر وممرات التهريب ومصادر الدعم الذاتي الأخرى.

ورجحت المصادر، أن تعود المنطقة إلى الاقتتال الداخلي بين مكوناتها العسكرية التي ستسعى بطبيعة الحال إلى فرض نفوذها وتوسعها على حساب الأخرى.

فمن المعلوم أن “الجيش الوطني” يفتقر إلى العناصر الأساسية للجيش التقليدي، أي القيادة المركزية الموحدة التي تفرض قرارات عسكرية فعالة في إطار هيكل واضح وتسلسل هرمي عسكري محدد. ويعني الهيكل القائم على الفصائل في “الجيش الوطني” أيضا أن كل فصيل داخله يحتفظ بهيكله الخاص ولا يندمج إلا في العملية المركزية من أجل أداء المهام المحددة الموكلة إليه. ويمكن حاليا وصف الهيكل الحالي لنظام الحسابات الأهلية على أنه عملية تنسيق تحت مظلة مشتركة.

كما إن ذلك يعزز مواصلة بعض الجماعات المسلحة المحلية السيطرة على المعابر غير الشرعية بين مناطق المعارضة ومناطق الحكومة السورية. وهذا يشكل تحديا أمنيا كبيرا في المنطقة، حيث إن افتقار الفصائل للسيطرة على هذه المعابر يجعلها أفضل وسيلة لتهريب المواد المهربة مثل الأسلحة والمخدرات. يمكن أيضا استخدام هذه النقاط غير القانونية لتهريب العبوات الناسفة والمتفجرات، مما يجعل وجودها أحد أكبر التحديات الأمنية في المنطقة على الأهالي.

للقراءة أو الاستماع: من يقف وراء التغييرات في “الائتلاف” السوري المعارض؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.