يبدو أن الصراع على القمح السوري قد بات وشيكا. فقد ازداد الطلب على هذه المادة الاستراتيجية. نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثيره على تصدير القمح من أوروبا الشرقية، وسلاسل الإمداد العالمي عموما.

 وتركز حكومة دمشق اليوم على الاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من القمح المُنتج محليا في سوريا، وتحديدا من المحافظات الشرقية والشمالية الشرقية، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، من خلال السعي لرفع سعر تسلم القمح من الفلاحين في الموسم القادم.

وكان أحمد إبراهيم، رئيس اتحاد الفلاحين، قد أكد أن حكومة دمشق “تعتزم رفع سعر تسلم القمح من الفلاحين”. مبينا أن “أسعار التسلّم ستُرفع لتراعي السعر الجديد للمحروقات. والاتحاد يطالب بإعطاء أعلى سعر ممكن للفلاح، لتسلم الكميات المنتجة كلها منه”.

ووفق مصادر مقربة من حكومة دمشق فإن “تسعيرة شراء المحصول من الفلاحين يجب ألا تقل عن ألفين وخمسمئة ليرة للكيلو الواحد، حتى تغطي جميع التكاليف، من مازوت وسماد وفلاحة ومبيدات وأجور الحصاد والنقل”. ما يشير إلى محاولة من الحكومة السورية لإغراء الفلاحين في مناطق سيطرة قسد ببيع محصولهم لدمشق، وليس للإدارة الذاتية.

وازدادت معاناة حكومة دمشق في سبيل تأمين مادة القمح في الفترة الماضية، بعد إيقاف روسيا تصدير القمح إلى الأسواق الخارجية، دون أن استثناء حليفتها سوريا من هذا الإيقاف.

ورغم التوقعات بأن يكون الموسم الحالي أكثر إنتاجا من الموسم الماضي في سوريا، إلا أن مناطق سيطرة حكومة دمشق غير قادرة على تغطية احتياجات البلاد من القمح، وخصوصا أن إنتاج القمح المروي يتركز في المحافظات الشرقية والشمالية الشرقية السورية. وكل هذا سيصعّد الصراع على القمح السوري. ويبدو أن السؤال المهم الآن: هل تسمح قسد لحكومة دمشق بالحصول على القمح من مناطق سيطرتها، ما قد يهدد أمن الإدارة الذاتية الغذائي؟

“قسد” مستعدة لبدء الصراع على القمح السوري

ليمان حسنو، نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الاقتصاد والزراعة في إقليم الجزيرة التابع للإدارة الذاتية، تجيب على التساؤلات حول مصير الصراع على القمح السوري بالقول: “الإدارة لن تسمح لحكومة دمشق بافتتاح أي مركز لشراء القمح ضمن مناطقها في هذا الموسم”.وتضيف لـ”الحل نت”: “الادارة الذاتية تقدم الدعم بأشكال عديدة للمزارعين، لضمان حصولهم على موسم جيد، وبالتالي تأمين مخزون كاف من هذه المادة. وعليه فإن التوجه العام هو إبقاء قمح المنطقة ضمن المنطقة ذاتها، لسد احتياجها السنوية، وللتخزين في حال توفرت كميات فائضة منه”.مؤكدة: “القمح بالنسبة لنا من المحاصيل الأساسية والاستراتيجية، وخاصة مع قلة الإنتاج في الموسم الماضي”.

“إنتاج القمح في مناطق الإدارة الذاتية غير كاف أصلا”

دوره يشير د.فريد سعدون، الخبير بالشأن الكردي، إلى “عدم توفر مخزون استراتيجي من مادة القمح لدى كل الأطراف المسيطرة في سوريا”، مبينا أن “الموسم الحالي خالف التوقعات، رغم نسبة الهطولات المطرية المرتفعة نسبيا، مقارنة بالموسم الماضي 2021، ما ينبئ بتصاعد الصراع على القمح السوري”.

ويؤكد سعدون لـ”الحل نت” أن “إنتاج القمح البعل غير المروي في هذا العام شبه معدوم، بسبب انحباس الأمطار في شهر نيسان/أبريل الحالي، ما يجعل الاعتماد بشكل أساسي على المساحات المروية، التي تناقصت مساحتها نتيجة ضعف جريان نهر الفرات، وارتفاع أسعار المحروقات”.

ولذلك يعتقد سعدون أن “التنافس والصراع على القمح السوري سيتركز على الكميات القليلة المروية، وهذا ما يجعل حظوظ الإدارة الذاتية أكبر في الاستحواذ على هذه الكميات من حكومة دمشق”.

وينوه الخبير بالشأن الكردي إلى أن هذا “التنافس والصراع سيخلق نوعاً من الحساسيات بين دمشق والإدارة الذاتية”. مؤكدا: “ما يحكم هذا التنافس هو سعر القمح. ولذلك ستقوم حكومة دمشق برفع سعر تسلم القمح إلى مستويات قياسية، مضطرةً في الغالب”.

ويستدرك سعدون: “لكن هذا الإجراء، وكل الإجراءات الأخرى، غير كافية، وعلى كل الأطراف البحث عن طرق لاستيراد القمح من الأسواق الخارجية”.

مختتما بالقول: “على سبيل المثال تحتاج محافظة الحسكة لما يقارب أربعمئة ألف طن قمح سنويا، والتوقعات أن لا يتجاوز حجم الإنتاج في المحافظة هذا الرقم، ما يجعلنا أمام أزمة غذاء كبيرة“.

ماذا عن قمح مناطق سيطرة المعارضة؟

وانتقالا إلى الشمال السوري، الخاضع لسيطرة المعارضة، لا يبدو الصراع على القمح السوري أقل حدة. إذ تشير تقديرات محلية إلى أن المنطقة مقبلة على أزمة خبز ناجمة عن تراجع إنتاج القمح المحلي.

وفي هذا السياق يقول المهندس واصف الزاب، مدير الشركة العامة للخزن وتسويق الحبوب في الحكومة السورية المؤقتة، إن “التوقعات للموسم المقبل دون المستوى المطلوب، والمساحات غير المروية لا يعول على إنتاجها، وتحديدا في منطقتي العمليات العسكرية نبع السلام ودرع الفرات”.

ويضيف لـ”الحل نت” أن حكومته “تعوّل على المساحات المروية”، مشيرا إلى أن “الحكومة المؤقتة أنهت التجهيزات الفنية لشراء محصول القمح في مراكزها المنتشرة في المنطقتين”.

وبحسب الزاب فإن “كل المناطق السورية تعاني من عجز في تأمين القمح”. مؤكدا أن “سوريا مقبلة على أزمة خبز كبيرة”. وهذا ما يرفع التوقعات بأن يصل الصراع على القمح السوري إلى مناطق المعارضة

مقالات قد تهمك: أبرز تأثيرات الغزو الروسي لأوكرانيا على اقتصاد سوريا

الصراع على القمح السوري تحت تهديد المجاعة

ويأتي الصراع على القمح السوري، الشحيح أصلا، في سياق ارتفاع أسعار القمح عالميا بأكثر من سبعين بالمئة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع منظمات أممية إلى دق ناقوس الخطر، للتحذير من أزمات غذاء غير مسبوقة في عدد من الدول العربية، ومن بينها سوريا.

وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، فإنه “قبل أن تغلق حرب أوكرانيا خطوط إمداد القمح باتجاه سوريا، كانت البلاد تعاني أصلا من نقص حاد في القمح، بسبب الأزمة الاقتصادية الكاسحة، وتدمير البنية التحتية، خلال عقد من النزاع الدامي”.

وأضاف التقرير أن “حكومة دمشق تعتمد بشكل أساسي على روسيا لسد النقص، عبر استيراد القمح. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021 توصلت الحكومة السورية إلى اتفاق مع روسيا لاستيراد مليون طن من القمح، بتمويل من قرض روسي، لكن صوت القنابل طغى على الاتفاق، وتم تعليق الصفقة”.

ويخلص التقرير الأممي إلى أن “برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حذر، قبل عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا، من دخول نحو مليونين ونصف المليون سوري في متاهة انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى نحو عشرة ملايين شخص سبقوهم إلى هذه المتاهة. أي أن أكثر من ثلاثة عشر مليون شخص في سوريا يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي”.

ووفقا لهذا فإن الصراع على القمح السوري، وسط تهديد أزمة الخبز والمجاعة، قد يكون صراعا وجوديا، يدفع مختلف الأطراف السورية إلى اللجوء إلى خيارات صعبة ومتطرفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.