يتواصل الاستهداف الإسرائيلي لمواقع عسكرية يتواجد فيها النفوذ الإيراني في سوريا، والذي يتسع هناك عبر توغل وكلائها المحليين في الأراضي السورية، بالإضافة إلى التحديات بين القوى الدولية والإقليمية المتورطة في سوريا، وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وأنباء عن قرب إتمام الاتفاقية النووية الإيرانية.

ويبدو أن آثار الصراع  بين الضربات الإسرائيلية ونقاط تمركز النفوذ الإيراني في سوريا بدا يظهر على مواقف روسيا السياسية والميدانية في سوريا، حليفة حكومة دمشق، وتحديدا في ما يتعلق بفشلها في الرد على الضربات الإسرائيلية أو إيجاد منحى يؤدي به إلى إيقاف تمدد النفوذ الإيراني.

أما بالنسبة لإسرائيل، فقد بدأت تتحرك على عدة جبهات، إذ بعد ورود أنباء عن قرب التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني، قامت بإجراء عدة اجتماعات مع دول عربية وكان أبرزها قمة “النقب” السداسية التي وصفت بـ “التاريخية”، إلى جانب تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، الذي قال مؤخرا إن على بشار الأسد قطع العلاقات مع إيران إذا كان يريد أن يكون جزءا من المنطقة.

إزاء ذلك، تثار تساؤلات حول مدى احتمالية توقف إسرائيل عن قصف الأراضي السورية، في حال تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني داخل سوريا، أم أنه سيكون من خلال تدخل روسي حقيقي، أم سنكون أمام المزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية إذا تم الاتفاق النووي المحتمل.

لكن مسألة تخلي الأسد عن هيمنة النفوذ الإيراني أو التخلص منه تبدو غير واردة لعدة أسباب معقدة تتعلق بسنوات عديدة من تورط إيران في سوريا، وقدرة الأسد الحالية الضعيفة على التخلص من الهيمنة الإيرانية.

يذكر أن ليل السبت – الأحد الفائت، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي من شمال لبنان، مدينة مصياف ونقطة في قرية السويدي ومعامل الدفاع في منطقة الزاوي بريف حماة الغربي، حيث تتواجد مليشيات تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، و”حزب الله اللبناني”، ومستودعات ومراكز بحوث لتطوير الصواريخ، والطائرات المسيّرة.

توقف القصف مرتبط بالنفوذ الإيراني

رأى مركز “أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي”، أن استمرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع مرتبطة بإيران في سوريا “يدعم موقف حكومة دمشق ويزوده بذريعة قوية للمطالبة بإخراج إيران”.

وأعرب المركز في دراسة، عن مخاوفه من سعي إيران إلى زيادة نفوذها في سوريا مستغلة تراجع الدور الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا، خاصة مع عجز حكومة دمشق، عن سداد الدين المالي لإيران البالغ 17 مليار دولار.

وأردفت الدراسة أن الوجود الإيراني يقوض رغبة الأسد في استعادة سيادته الكاملة على البلاد، ويعطي إسرائيل ذريعة للاستمرار في تنفيذ الضربات الجوية ضد الأهداف الإيرانية هناك.

وحول مدى إمكانية والوقت الذي ستتوقف فيه إسرائيل عن قصف الأراضي السورية، يرى الباحث والكاتب السياسي، كريم شفيق، “وقف القصف الإسرائيلي على الأراضي السورية، قضية صعبة، لا سيما في الوقت الحاضر، وذلك لاعتبارات عدة، منها التوسع الإيراني الكبير عبر مليشياتها في سوريا، لا سيما المعابر الحدودية وعمليات التهريب التي تتم جميعها من قبل وكلاء إيران وبتغطية حكومة دمشق، وكذلك بعض المطارات العسكرية التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية بشكل غير مباشر وتنقل عبرها الأسلحة والإمدادات الإيرانية لميليشياتها، لذا يصعب على حكومة دمشق التخلص من هيمنة إيران”.

وتابع في حديثه لموقع “الحل نت”، “لذا فإن انضمام الحكومة السورية أو عودتها إلى (الحضن العربي) أمر بعيد المنال، وإذا عادت عضويتها إلى جامعة “الدول العربية”، أعتقد سيكون مجرد إجراء شكلي”.

وفي حال تشكيل حلف إقليمي لمواجهة إيران داخل سوريا، قال الباحث السياسي لموقع “الحل نت”، أن “قمة النقب ذات أهمية كبيرة على مستوى التوقيت وأهميتها السياسية، حيث أنها في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة مع إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو اتفاق يهدد أمن واستقرار الخليج، في حال عدم إيجاد صيغة لتعديل السلوك الإقليمي لطهران ودعمها للميليشيات الولائية في عدد من دول المنطقة، يبدو من الضروري تكوين تحالف استراتيجي لمواجهة تهديدات طهران”.

وبحسب تقدير الباحث، أن “العناصر الأمنية التي تطوق المنطقة والمدعومة من الحرس الثوري الإيراني باتت تهدد ليس فقط أمن المنطقة، سياسيا وإقليميا، إنما تبعث بمعضلات جمة بخصوص الأمن الدولي، لا سيما ما يتصل بممرات الملاحة والتجارة الدولية، وكذا مصادر النفط”، لافتا إلى أن “حضور الطرف الأمريكي في هذه القمة أكسبها أهمية كبرى في ظل الصدام الغربي الروسي حول أوكرانيا والتصعيد المتبادل”، وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: ما سر غموض الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا؟

التدخل الروسي وارد!

ويرى الباحث السياسي، كريم شفيق، أن تدخل روسيا الحقيقي لكبح جماح التمدد الإيراني بعيد نوعا ما، خاصة وأن الضربات الإسرائيلية تتم بالتنسيق بين الجانبين الروسي-الإسرائيلي وبشكل غير مباشر، وكل هذا بالتأكيد يحدث بموافقة موسكو، وإذا تم اتفاق نووي قريب، أعتقد أن موسكو ستترك النقاط الإيرانية في مرمى الضربات الإسرائيلية، طالما أنها لا تضر بمصالحها، وكذلك لا تمانع في تقليص الوجود الإيراني في سوريا.

وفي حديث سابق للكاتب السياسي، عمر قدور، مع موقع “الحل نت”، حيث أشار إلى أن التفاهم الروسي-الإسرائيلي قائم ضمن الخطوط العامة، وأحيانا في التفاصيل يكون هناك تبادل للرسائل. “مثلا طريقة التصدي للقصف الإسرائيلي وتشغيل أنظمة دفاع جوي، وكذا الرد الإسرائيلي الذي حدث بقصف مواقع دفاع جوي للأسد”.

وأضاف قدور، أن هناك اتفاق بين موسكو وتل أبيب مفاده ألا تصدر الثانية أسلحة لأوكرانيا، وهذا بالنسبة لإسرائيل له ثمن في الجانب السوري. وحتى الآن إسرائيل خارج الاستقطابات الحادة، ولا أظنها ستكون من ضمنها إلا إذا سار الوضع الدولي إلى تأزم شديد الخطورة.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أعلن الجيش الإسرائيلي العام الفائت تخصيص 324 مليون دولار لتدريب وحدات الاحتياط، في إطار الاستعدادات لعملية عسكرية ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا ولبنان خلال عام 2022.

وأشارت دراسة لمركز “أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” إلى أن الإيرانيين قلصوا في السنوات الأخيرة من حجم وجودهم العسكري، ولكن ما زالوا يعتمدون على الميليشيات المحلية الخاضعة لسيطرتهم ويوسعون عملياتهم في محافظة حلب وشرق دمشق وشرق سوريا على الحدود مع العراق.

قد يهمك: قمة النقب: ما الذي ينتظر سوريا وإيران؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.