يُعتقد أن الخاطفين والمبتزين في جنوب إفريقيا يمولون الجماعات الإرهابية في الكونغو وموزنبيق. فعملية هزم الإرهاب شاقة وخطيرة، والأهم من ذلك كله أنها تتطلب الصبر. وهذا يجعل من النجاحات السريعة التي حققتها مجموعة من القوات الأفريقية ضد الجهاديين المنتمين إلى تنظيم “داعش” في شمال موزمبيق في العام الماضي أكثر جاذبية.

ووفق ما أفاد به تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية، وترجمه موقع “الحل نت”، فقد أودى التمرد الجهادي العنيف الذي اجتاح مقاطعة كابو ديلجادو في شمال موزمبيق منذ العام 2017 بحياة 3200 شخص مع حلول منتصف العام 2021. ومع ذلك، لم يجذب هذا العنف سوى القليل من الاهتمام الخارجي حتى العام الماضي، وذلك عندما قتل العديد من الأجانب من بين عشرات آخرين خلال اجتياح الجهاديون مدينة بالما السياحية، بالإضافة إلى وقف العمليات الجهادية تقدم مشروع ضخم للغاز. فأرسلت رواندا أول قوات لها مؤلفة من حوالي 2000 جندي بعد فترة وجيزة. وتبعهم حوالي 1000 جندي آخرين من ثماني دول إفريقية أخرى بقيادة جنوب إفريقيا. وطردت هذه القوات الجهاديين من معظم المناطق المأهولة بالسكان في المقاطعة في وقت قصير.

وبالرغم من ذلك، حتى مع الثناء على جهودها في محاربة الجهاديين في موزمبيق، فإن جنوب إفريقيا تكتسب سمعة كمحور ومركز لغسيل الأموال لصالح الجهاديين من جميع أنحاء القارة. وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في شهر آذار/مارس المنصرم عقوبات على أربعة أشخاص في جنوب إفريقيا، متهمين بجمع الأموال والتجنيد لصالح فروع تنظيم “داعش” الإرهابي وأنشطته في جميع أنحاء إفريقيا. ويسلط هذا الإجراء ضوءا جديدا على الروابط بين مركز التنظيم في العراق وسوريا، حيث عانى من هزائم ساحقة في السنوات الأخيرة، وشبكاته المتنامية في جنوب إفريقيا.

ففي العام 2019، تلقى “داعش” تعهدات بالولاء من مجموعتين متمردتين يفصل بينهما مسافة 2000 كم تقريبا، ما يظهر أن ليس بينهما صلة تذكر؛ وهما المتمردون في كابو ديلجادو والقوات الديمقراطية المتحالفة، وهي جماعة أوغندية تشتهر بارتكابها مذابح في شرق الكونغو. وشنت هذه الجماعات التابعة للتنظيم، منذ ذلك الحين، هجمات لا تقتصر على الداخل فقط، وإنما أيضا في تنزانيا وأوغندا.

جنوب إفريقيا هو مشروعهم

تقول مصادر في الشرطة هناك أن المشتبه بهم أعضاء في القوات الديمقراطية المتحالفة وجهاديين آخرين من مناطق بعيدة، مثل غرب إفريقيا والصومال، يتجولون بحرية في البلاد مع السكان المحليين ذوي التفكير المماثل. وقد ذهب العشرات من مواطني جنوب إفريقيا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى التنظيم في ذروة ما يسمى بدولة “الخلافة”.

ومن بين هؤلاء الشقيقان التوأمان براندون لي وتوني لي ثولسي اللذان اعتُقلا في جنوب إفريقيا في العام 2016 وسجنوا هذا العام بسبب ارتكابهم جرائم إرهابية. كذلك تم رصد جنوب إفريقيين من بين الجهاديين في موزمبيق، بحسب مسؤولين من جنوب إفريقيا. وكان قد بنى البعض منهم شبكات.

فعلى سبيل المثال، فرضت وزارة الخزانة الأميركية العقوبات على فرهاد هومر، وهو رجل أعمال من مدينة ديربان الساحلية، متهمة إياه بتأسيس وقيادة خلية لتنظيم “داعش” في ديربان، وأنه كان على صلة مع القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونغو. كما أنها اتهمته بتمويل خليته من خلال جمع ما يزيد عن مليون راند (69 ألف دولار) من خلال الابتزاز والاختطاف. إلا أن هومر ينفي جميع هذه التهم الموجهة إليه.

كذلك فرضت العقوبات على عبد الله حسين أباديجا، وهو إثيوبي يعتقد بأنه على صلة بالتنظيم في الصومال، حيث اتهمته وزارة الخزانة بابتزازه أعضاء من مسجدين اثنين في جنوب إفريقيا، وإرساله الأموال التي جمعها إلى مجموعات لتنظيم “داعش” في أماكن أخرى.

من جهة أخرى، فإن حجم الأموال التي تتدفق من جنوب إفريقيا إلى الجماعات الإرهابية ليس واضحا، إلا أنها تضيف بلا شك مئات الآلاف من الدولارات سنويا إلى ميزانية هذه الجماعات.

ويعتقد المحققون أن جزءا من هذه الأموال يأتي من الجريمة بشكل أو بآخر، بما في ذلك تهريب المخدرات من جنوب إفريقيا، لتأخذ بعد ذلك العديد من المسارات. فعلى سبيل المثال، اعتقلت الشرطة مؤخرا في كينيا وسيطا كان قد تلقى أموال من جنوب إفريقيا وأرسلها إلى مسلحين مشتبه بهم في موزمبيق ونشطاء في أوغندا.

ويشتبه مسؤولو مكافحة الإرهاب في المنطقة أن تنظيم “داعش” استخدم أمواله لشراء ولاء الراديكاليين المرتبطين بـ “حركة الشباب” الصومالية التابعة لتنظيم “القاعدة”، المنافس لـ “داعش”. كا أن انشقاقات الموالين لحركة الشباب مرتبطة بشكل كبير بالمال، حسب ما قال ضابط مخابرات صومالي. ويدعم تنظيم “داعش” حاليا مجموعة منشقة عن “حركة الشباب” في بونتلاند، شمال الصومال. وقد وجد محققو الأمم المتحدة، الذين يراقبون الحركة، أدلة على أن أحد قادة التنظيم زار موزمبيق لتدريب المتمردين هناك.

لن يكون قطع هذه الموارد المالية بالأمر السهل. فالمؤسسات الأمنية في جنوب إفريقيا تدار بشكل سيء وتنقصها الموارد ومليئة بالفساد ويتغلغل فيها المجرمون. وتقول مجموعة العمل المالي، وهي هيئة مراقبة لغسيل الأموال، إن جنوب إفريقيا “فشلت في إثبات أنها تعمل بشكل فعال على تحديد ممولي الإرهاب أو التحقيق معهم أو مقاضاتهم”.

ويقول شرطي من جنوب إفريقيا يتابع مسار أموال تنظيم “داعش”، أن رؤسائه قد تجاهلوا معظم القضايا التي رفعها إليهم. ويختتم الشرطي المذكور حديثه بالقول: “كل هذا يجعل من الصعب علينا أن نتتبع حقا المصدر الرئيسي هذه الأموال في المقام الأول”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.