في بارقة أمل على انتهاء الصراع المستمر منذ نحو 100 عام بين الدولتين، يلتقي وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان، يوم الأحد القادم في جنيف، بهدف التوصل لـ “معاهدة سلام” تضع حد للنزاع بين الجانبين، لكن مخاوف تجدد الصراع ما تزال قائمة لا سيما مع الخشية من “اتفاقات هشة“.

اللقاء يأتي على إثر ارتفاع جديد في منسوب التوتر بين الجانبين بعد نزاعات حدودية منتصف الشهر الماضي هي الأعنف منذ 2020، أودت بحياة العشرات قبل تدخل أميركي أسهم في وقف إطلاق النار.

وبحسب “سكاي نيوز عربية “، أن إعلان المفاوضات جاء من جانب أرمينيا، التي أكدت مشاركتها في المحادثات مع أذربيجان، كما سيضم اللقاء وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان، ومن الجانب الأذربيجاني نظيره جيهون بايراموف، وسيهدف إلى فتح الاتصالات الإقليمية، وبدء عمل لجنة ترسيم وأمن الحدود الأرمنية – الأذربيجانية.

وحول اللقاء، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، إنه “منذ اندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان مطلع التسعينيات، كانت المعارك تنتهي بهدن هشة واتفاقات غير كاملة، سرعان ما يتم نقضها لتعود المعارك بدون أن تحسم الوضع عسكريا بالإقليم، وهو ما جعله منطقة ملتهبة قابلة للاشتعال مجددا خاصة مع تداخل أطراف دولية ورغبة كل طرف في الضغط على الآخر عبر مناطق النفوذ“.

اقرأ/ي أيضا: ما سيناريو انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا؟

اتفاق غير مضمون

رادسيوسيني، أضاف في تصريحات لـ “سكاي نيوز” وتابعها موقع “الحل نت“، إنه “بعد حرب 2020، يقود الاتحاد الأوروبي عملية تطبيع بين البلدين تشمل الانخراط في محادثات سلام وترسيم حدود، تخللتها عدة لقاءات واتفاقات بين الجانبين على الميل نحو السلام إلا أنها لم تفض لسلام دائم وسريعا ما كانت تشتعل المعارك مع سقوط أول قتيل من أي من الجانبين“.

فيما اعتبر أن “الأزمة تتخطى الجوار الجغرافي والحل غير وارد في ظل صراع دولي حول السيطرة والنفوذ بهذه المنطقة بين روسيا وتركيا وإيران، وحتى أميركا في ظل محاولة الأخيرة توسيع جبهات الحرب أمام موسكو، مصالح دول الجوار، هي التي تحدد إما إنهاء الأزمة أو تصعيدها“.

المختص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أشار إلى أن “الاتحاد الأوروبي أيضا يسعى إلى مكاسب من أذربيجان الغنية بالنفط والغاز، والمطلة على بحر قزوين في ظل أزمة طاقة وتنويع مصادر الطاقة وإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي“.

وتزيد العوامل الجيوسياسية الصراع تعقيدا، إذ أن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، كانت أول دولة تعترف باستقلال أذربيجان عام 1991، وسبق ووصف رئيس أذربيجان السابق حيدر علييف، البلدين تركيا وأذربيجان، بأنهما ” بلد واحد في دولتين“، وتجمع البلدين صلات ثقافية واجتماعية، كما تعهّد الرئيس رجب طيب أردوغان، بدعم بلاده لأذربيجان.

كما أن تركيا ليست لديها علاقات رسمية بأرمينيا، وقد أغلقت حدودها معها عام 1993، دعما لأذربيجان خلال الحرب بشأن ناغورنو كاراباخ، في حين تحتفظ أرمينيا بعلاقات جيدة مع روسيا، وتوجد فيها قاعدة روسية، والبلدان عضوان في منظمة معاهدة “الأمن الجماعي“، أو ما يعرف بحلف “طشقند” الذي يضم عدد من الدول المستقلة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

اقرأ/ي أيضا: دولي تصاعد التوترات العسكرية في مالي.. ما علاقة “فاغنر” الروسية؟

تدافع دولي وصراع أزلي

في الوقت نفسه، يتمتع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعلاقات جيدة مع أذربيجان، وقد دعت موسكو إلى هدنة بين الجانبين.

وفي عام 2018، شهدت أرمينيا حراكا شعبيا سلميا أطاح بالرئيس سيرج سيركسيان، من السلطة، وتولي زعيم المعارضة نيكول باشينيان رئاسة الوزراء بعد انتخابات حرة في العام نفسه، وبعد توليه السلطة اتفق باشينيان، مع رئيس أذربيجان على تهدئة التوتر بين الجانبين.

وأصدر البلدان عام 2019 بيانا يعلن حاجتهما “لاتخاذ إجراءات ملموسة لإعداد الشعبين للسلام“، غير أن هذه الكلمات لم تفض إلى نتيجة، فقد أُعلن في 13 أيلول/سبتمبر الماضي عن اندلاع اشتباكات بين قوات أذربيجان وأرمينيا، في تجدد للقتال المستمر منذ عقود.

وتُعد هذه المواجهات الحدودية الأخيرة هي الأكثر دموية منذ الحرب بين الدولتين الواقعتين في القوقاز في عام 2020، ومنذ أكثر من 100 عام تتصارع أرمينيا وأذربيجان، حول تبعية إقليم ناغورني كارباخ، ما تسبب بنشوب حربين بينهما الأولى 1992 والأخرى في 2020، خلّفت الحرب الأولى أكثر من 30 ألف قتيل، إضافة إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف.

فيما أسفرت الحرب الأخيرة عن مقتل نحو 6500 شخص، وانتهت بوساطة روسية، وإلى جانب ذلك جرت أيضا بعض المعارك بينها أحداث نيسان/أبريل 2016، وأدت إلى مقتل 110 أشخاص، وجراء ذلك بات يعرف بالإقليم الملتهب، أو إقليم الدم جراء الأعداد الكبيرة للقتلى التي تسقط من الجانبين.

جهود “هشة”

جهود توقيع “اتفاقية سلام” تأتي بعد أن اتفقت أذربيجان وأرمينيا، على بدء مفاوضات سلام من شأنها أن تضع حدا للصراع بين البلدين في نيسان/أبريل الماضي، وعِقب لقاء جمع الرئيس الأذري، إلهام علييف، مع رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، في بروكسل، في 31 من آب/أغسطس 2022، وحينها أكد علييف أنه يمكن إعداد اتفاقية سلام بين الدولتين وتوقيعها خلال أشهر قليلة.

وفي منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، قتل 286 شخصا على الأقل خلال اشتباكات بين البلدين، في حين أسهم التدخل الأمريكي في التوصل إلى هدنة أوقفت النزاع الأعنف بين الجانبين منذ 2020، ليلتقيا بعد ذلك في 21 أيلول/سبتمبر وزيرا خارجية البلدين بوساطة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في نيويورك، لكن بعد ذلك بيومين تبادلت الدولتين الاتهامات بكسر اتفاق هش لوقف إطلاق النار.

ويُعد إقليم ناغورني كاراباخ، فقيرا في موارده الاقتصادية، يعتمد النشاط الاقتصادي فيه على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية من المحاصيل، كما أنه يبعد عن باكو، عاصمة أذربيجان نحو 270 كيلومترا إلى الغرب، وتبلغ مساحته 4 آلاف و800 كيلومتر مربع، ويسكنه نحو مئة وخمسين ألف نسمة، يمثل الأرمن نحو 95 بالمئة، من عددهم.

وتشير التقديرات إلى أن الصراع أسفر عن مقتل ما بين 20 ألفا إلى 30 ألف شخص، ونزوح نحو مليون شخص وسط تقارير عن تطهير عرقي ومذابح على الجانبين.

ومن حين لآخر كانت بعض بوادر التقدم تظهر خلال لقاءات متقطعة بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا، لكنها وعلى الرغم من احرازها تقدما ملحوظا في بعض المناسبات، لكنها سرعان ما تنهار.

اقرأ/ي أيضا: شلل سياسي في الكويت.. ما القصة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.