بعد أن تغير مسار الوضع العسكري فيما يخص الساحة الأوكرانية، خاصة بعد أن شهدت الأسابيع القليلة الماضية تراجع القوات الروسية، نتيجة الضربات الأوكرانية المتتالية والمباغتة، وتكبّد روسيا خسائر كثيرة نتيجة ذلك، سارعت روسيا بضم بعض الأراضي الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي، مما يشير إلى أن الجانب الروسي لن يتراجع عن ضم الأراضي الأوكرانية مهما حدث، في حين أن استمرار الدعم لأوكرانيا من الغرب لن يتوقف أيضا، وهذا يعني أن مصير الحرب هناك بات يتجه نحو طور “التعقيد وتضاؤل فرص المفاوضات بين الطرفين”.
كما أن الاستفتاء الذي أجرته روسيا في المناطق التي سيطرت عليها في أوكرانيا قد يشكّل سببا لتعقيد المشهد وملف المفاوضات بين الجانبين، وسط رفض كبير من الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية لهذا الاستفتاء، باعتبار الغرب ينظر إلى أي تمدد روسي في أوكرانيا، على أنه اختراق للاستراتيجية الغربية التي تهدف إلى إحكام حصار الناتو على روسيا جغرافيا وسياسيا.
على الرغم من ذلك، فبعد قرار التعبئة الجزئية العسكرية والاستفتاءات الروسية في مناطق أوكرانية والتقدم، يجدر التساؤل عن السيناريوهات المحتملة لانتهاء الغزو الروسي، وما إذا كان انسحاب بوتين، غير ممكن وانتصار أوكرانيا بعيد المدى، سوف تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى؟
ستستمر الحرب لـ2024؟
الغزو الروسي لأوكرانيا قد دخل مرحلة جديدة من التصعيد خلال الأيام القليلة الماضية، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير يوتين، رسميا، الجمعة 30 أيلول/سبتمبر، ضم 4 مدن أوكرانية إلى أراضي الاتحاد الروسي، رغم التنديد والاستنكار الأميركي والغربي.
كذلك، ترى أوكرانيا والدول الغربية أن الاستفتاءات على ضم لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، إلى روسيا باطلة وتهدف لتبرير الضم وتصعيد العمليات القتالية بعد قرار باستدعاء جزئي لقوات الاحتياط، إثر الخسائر الروسية في ساحة المعركة خلال الفترة الماضية.
موقع “إدارة مسؤولة” الأميركي، وصف فيه خطوة الحكومة الروسية بضم الأراضي الأوكرانية بأنها ليست قانونيةً على الإطلاق، كما تمثل تصعيدا خطيرا للغاية في إطار الحرب الدائرة منذ أشهر عدة. حتى دولة مثل الصين، التي لم تكن على وفاق مع الغرب وتتعاطف أكثر مع روسيا في هذا الصراع حتى اليوم، فقد أعلنتها صراحةً بأنها لن تقبل ضم الأراضي بالقوة مطلقا.
وهذه الخطوة الروسية حتما ستُزيد من تعقيد جهود البحث عن تسوية سلمية نهائية، لأن أوكرانيا ودول الغرب لن تقبل عملية الضم أو تعترف بها رسميا. إلى جانب أنه سيصبح من الصعب على أي حكومة روسية مستقبلية أن تتخلى عن هذه الأراضي بموجب الدستور، وأصبح ذلك أمرا محسوما بمجرد إعلان بوتين، عن ضمها إلى روسيا رسميا.
لكن رغم ذلك، لا بد من التوصل إلى تفاهم أو اتفاق بين الطرفين، لوقف هذه الحرب التي تؤثر بالعالم كله وليس فقط روسيا وأوكرانيا، لا سيما تداعيات تلك الحرب الاقتصادية.
وفي هذا الإطار يرى الباحث في الشأن الروسي دميتري بريجع، أن الحرب ستستمر لفترة طويلة وقد تتحول إلى حرب كبرى لن تنتهي سريعا لأن كل طرف يريد استمرار الحرب للاستفادة منها، خاصة وأن الجانب الروسي لا يستطيع التراجع أو الاستسلام في أوكرانيا، ذلك لأن هذا قد يسبب بمشاكل كبيرة في الداخل الروسي، وقد تتفكك روسيا إلى دول أو جمهوريات وفقا لمشروع “إنهاء الاستعمار الروسي”، وهو المشروع الذي يهدف إلى تفكيك روسيا وفقا للشريحة القومية في روسيا.
أردف بريجع، في حديثه لموقع “الحل نت”، “أعتقد أننا لن نشهد أي محادثات تفاوضية في الوقت الحاضر بين روسيا وأوكرانيا، لكنني أعتقد أنه في عام 2024، يمكننا أن نرى مفاوضات بعد حرب شرسة في عام 2023، ويمكن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في العام الجاري، أو في العام المقبل 2023”.
واستدل بريجع، ذلك بالقول: “في عام 2024 هناك انتخابات رئاسية في روسيا وأيضا في الولايات المتحدة الأميركية، وقد يتغير فيها قادة روسيا والولايات المتحدة بشخصيات قد تحل الوضع في المنطقة وقد نرى عالما متعدد الأقطاب وتعديلات. في الأمم المتحدة”، على حد وصفه.
إن المصدر الاول لمشكلة الوظيفة والفعالية، هو استمرار هيكلة غير مناسبة لواقع النظام الدولي القائم على محور الأمم المتحدة، والذي لن يستطيع حل الصراعات الدولية. أما المصدر الآخر لمشكلة فاعلية الأمم المتحدة وتأثيرها، فهو عدم قدرتها على الاهتمام بالقضايا التي يواجهها العالم، في ختام حديثه بريجع.
قد يهمك: رسائل روسية وراء تسرّب غاز “نورد ستريم”؟
محادثات سلام بين موسكو وواشنطن؟
لا شك أن صعوبة إجراء محادثات سلام مباشرة بين أوكرانيا وروسيا الآن تفرض على إدارة بايدن، تحمّل مسؤولية أكبر عن الجهود الدبلوماسية لاحتواء وتقييد الصراع، بحسب تقرير الموقع الأميركي، بعنوان “عمليات ضم بوتين للأراضي تجعل المحادثات الأميركية-الروسية أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى”.
لكن، إذا لم تفعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ذلك فسوف تكون قد تخلت فعليا عن مسؤوليتها عن حماية الولايات المتحدة والشعب الأميركي، من المخاطر التي تهدد بقائهما، على حد وصف الصحيفة الأميركية.
الصحيفة تقول، أن هذا الخطر ليس افتراضيا أو تخمينيا، فقد ردت إدارة بايدن، على خطوات روسيا العدائية بزيادة دعمها لأوكرانيا قبل وأثناء الحرب. بينما ردّت الحكومة الروسية في كل مرة بالتصعيد أكثر، وإذا استمرت دورة التصعيد الحالية دون رقيب فسوف تتحول فكرة اندلاع المواجهة النووية المباشرة بين أميركا وروسيا، إلى احتماليةٍ قائمة.
ومن هنا، من الضروري تذكر دروس الحرب الباردة وسط هذه الظروف الخطيرة بصورةٍ استثنائية، حيث تكاتفت الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا الغربية أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، بهدف الحيلولة دون انتشارٍ أوسع للقوة السوفييتية والشيوعية الستالينية داخل أوروبا. ونجحت الولايات المتحدة في مساعيها التي تمخضت عن احتواء الاتحاد السوفييتي، قبل انهيار الشيوعية السوفييتية في النهاية.
حيث رفضت إدارة أيزنهاور، في الوقت ذاته فكرة “دحر” القوة السوفييتية في أوروبا بالوسائل العسكرية، مجادلةً بأن هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى حربٍ نووية عالية المخاطر وستنتهي إلى تدمير أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، على حد سواء.
قد يهمك: مأزق كبير لـ بوتين في أوكرانيا.. ما الأسباب؟
مخاطر عدم التوصل لاتفاقية
في سياق متّصل، يجب على واشنطن وموسكو بدء المحادثات في الوقت الراهن من أجل تجنب التصعيد لحربٍ نووية، ما سيسمح بتقديم ضمانات سرية وموثوقة من الجانبين. حيث يُشار إلى أن الطرفين حافظا على مثل هذه السرية في اتفاقية الرئيس كينيدي لسحب الصواريخ الأميركية من تركيا مقابل سحب الصواريخ السوفييتية من كوبا. ويجب أن ترتبط هذه الضمانات أولا وقبل كل شيء بالقضايا التي قد تؤدي لاندلاع حرب مباشرة وصريحة بين البلدين، مثل أن تقدم روسيا ضمانات لواشنطن بأنها لا تنوي مهاجمة أي من الدول الأعضاء في الناتو. بينما يجب أن تضمن واشنطن لموسكو عدم اتخاذ أية خطوات لحصار معقل كالينينغراد الروسي، وأنها ستتوقف عن دعم الأوكرانيين.
يشير عملية التحرك نحو هذه المحادثات أن يفهم مسؤولو الولايات المتحدة، أن ضم روسيا لتلك الأراضي يمثّل تصعيدا خطيرا للغاية، لكنه يدل في الوقت ذاته على تراجع كبيرا للأطماع الروسية اليوم مقارنة بالأشهر الأولى من بدء غزوها ضد كييف.
بينما يتوقع مراقبون وخبراء، أن تعلن القوات الأوكرانية انتصارات جديدة في الفترة المقبلة، يأمل بوتين، أن يبرر مطالباته للشعب الروسي بتضحيةٍ أكبر في سبيل دعم الحرب، وذلك عن طريق تصوير الحرب بأنها دفاع من روسيا عن أراضيها في مواجهة الهجوم الأوكراني المدعوم من الغرب.
يُذكر أنه في 27 أيلول/سبتمبر الفائت، أعلنت السلطات الموالية لموسكو في خيرسون تأييد 87.05 في المئة، من الناخبين للانضمام لروسيا، وصوّت في زابوريجيا 93.11 في المئة، من الناخبين لصالح الانضمام لروسيا، وأيد الناخبون في لوغانسك بنسبة 98.42 في المئة، فكرة الارتباط بموسكو، وهي نتائج لا تعترف بها أوكرانيا والغرب، بوصفها استفتاءات زائفة وغير قانونية.
في 23 سبتمبر، أشارت الخارجية الروسية إلى أن الولايات المتحدة غير قادرة على التفاوض، وتدفع كييف بالتعاون مع لندن لنقل العمليات العسكرية للأراضي الروسية، وجرت الاستفتاءات بإشراف السلطات التي عيّنتها موسكو، بعد سيطرتها على تلك المناطق، حيث أعلنت هذه السلطات، عن تنظيم هذه الاستفتاءات بشأن الانضمام إلى روسيا.
في العموم، فقد أجمع المحللون والخبراء والمسؤولون الغربيون، على أن بوتين، لن يتراجع بأي حال من الأحوال عن موقفه الحالي، المتمثل في الاحتفاظ بالمناطق الأوكرانية التي أعلن عن ضمها، ما يدلل أنه في حالة تعرض القوات الروسية لهزائم أخرى، على غرار ما حدث في خاركيف، سيكون استخدام الأسلحة النووية خيارا واردا وبقوة، على الرغم من استبعاد هذا الخيار من قِبل خبراء ومراقبين آخرين.
ولأجل ذلك كله، يبدو أن هناك حاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لوقف هذه الحرب التي ربما قد تمتد لسنوات عديدة، والتي ستكون لها نتائج سلبية كارثية، ألا وهي أن تجلس واشنطن وموسكو، على طاولة واحدة وفض هذا النزاع من خلال اتفاق ما، حتى لو كان سريا.
قد يهمك: المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.. هل تغيّرت المعادلة وما مصير التهديدات النووية؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.