تصريحات ديبلوماسية متضاربة بين من يعتبر أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يستطيع كسر حالة العزلة السياسية التي أحاطت به، وبين من رأى أن الأسد تجاوز الأضرار السياسية للحرب في سوريا وبات بمقدوره الاندماج مع محيطه الإقليمي، كما قال أحدهم وهو دبلوماسي سعودي في حديث لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

الدبلوماسي السعودي قال للصحيفة إن الأسد «انتصر في الحرب فهو لا يزال في السلطة. سواءً كنا نحبه أو نكرهه، علينا أن نتعايش مع هذا”،

في عام 2012، بينما كان بشار الأسد قد انخرط في قمع دموي لمعارضيه، الذين بدوا بعد ذلك قادرين على الإطاحة به، استبعدت جامعة الدول العربية سوريا من صفوفها. “حتى لو تم اتهامه بارتكاب جرائم حرب، فإن الأسد هو بحكم الأمر الواقع حاكم سوريا! يجب أن نكون واقعيين! لا يمكننا الاستغناء عن سوريا إذا أردنا تهدئة الوضع في الشرق الأوسط”، يعترف لصحيفة “لوفيغارو” أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي مصطفى كاظمي، الذي ينشط من وراء الكواليس للعمل مع الدول العربية لاستئناف الحوار مع دمشق.

منذ أسابيع قليلة، تضاعفت بوادر كسر الجليد بين الكتلة العربية ودمشق. ولأول مرة منذ عشرة سنوات، تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله عبر الهاتف مع بشار الأسد. واستقبلت عمان، التي أعادت فتح حدودها مع سوريا أيضاً لاستئناف التجارة، وزير الدفاع السوري لبحث التعاون الأمني. وفي منتصف تشرين الأول الجاري، أجرى ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، بدوره، اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري.

والمملكة العربية السعودية، الدولة الرائدة في العالم العربي، والتي مولت لفترة طويلة هيئات المعارضة السورية، لم تعد تستبعد إعادة الاتصال بدمشق. فعلي مملوك، الرئيس القوي للأجهزة الأمنية السورية، كان هناك في السنوات الأخيرة. في ذات الوقت، فإن سلطنة عُمان والجزائر لم تنفصلا يوماً عن دمشق.
ويبدو أن السعودية أدركت أن نبذ دمشق كان له نتائج عكسية، من خلال تقوية الجهات الفاعلة غير العربية على الأرض، مثل إيران وتركيا، والتي تنافسها للهيمنة على الشرق الأوسط.

“انتهى بنا الأمر إلى إدراك أن خصومه كانوا أكثر نفوذاً في الخارج مما كانوا عليه في سوريا”، يعترف الدبلوماسي السعودي المذكور أعلاه. لكن في ظل إدارة ترامب، احترمت الرياض الفيتو الأمريكي على أي تقارب مع دمشق. “الآن بعد انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ونظراً لعلاقاتنا غير الحميمة مع إدارة بايدن، أصبحنا أقل التزاماً باحترام تعليمات واشنطن”، يقول دبلوماسي سعودي آخر، حرص على عدم الكشف عن هويته.

في الربيع الماضي، دعا العاهل الأردني الملك عبد الله، وهو أول زعيم عربي يستقبله جو بايدن، الأخير من أجل إعادة دمج سوريا في اللعبة الإقليمية. فمنذ عدة سنوات، طوت عمان صفحة تغيير النظام في دمشق. في الوقت الذي أصر فيه وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، منتصف تشرين الأول الجاري، على حقيقة أن الولايات المتحدة لم “ترفع أدنى عقوبة ضد الأسد”. واغتنم الفرصة لتأكيد موقف الولايات المتحدة المعارض لأي دعم لإعادة إعمار البلاد “طالما لا يوجد تقدم نحو حل سياسي”.

غير أن المسؤولين الأمريكيين يعترفون بأن العقوبات الشديدة للغاية المفروضة على دمشق لم تؤد إلى تنازلات. وفي النهاية، فإن الشعب هو الأكثر معاناة. وقد تم التوصل إلى اتفاق مؤخراً للسماح بإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، وتتوقع الولايات المتحدة حداً أدنى من الفوائد للأسد.

في سياق مواز فإن السلطات السورية تأمل أن تؤدي عودتها إلى الحاضنة العربية إلى إعادة فتح صنبور المساعدة المالية من ممالك الخليج الغنية. وهذه المساعدة ضرورية لإعادة إحياء السلطة في دمشق، حيث لن يدفع حلفاء الأخيرة (الروس والإيرانيون) فاتورة إعادة الإعمار، ولا أوروبا، التي ترفض في الوقت الحالي مساعدة الأسد حتى يقبل الأخير انتقال السلطة.

ومع ذلك، وكما أظهر الاجتماع الأخير وغير الناجح في جنيف (اللجنة الدستورية) بين المعارضة والنظام، فإن بشار الأسد لا ينوي تقديم أي تنازلات جوهرية.

ومع ذلك، فإن المكاسب المتوقعة من دول الخليج لم تصل بعد إلى سوريا. وفي المقابل ستطالب الرياض وأبو ظبي الأسد بالتراجع عن الوجود الإيراني في سوريا، وهو ما تريده روسيا وإسرائيل أيضاً. فهل سيستطيع الأسد تجاوز الأقوال والبدء بالأفعال، على سبيل المثال من خلال تقليل وجود الإيرانيين وترحيلهم عبر مطار دمشق.

الأمر ليس أكيداً على المدى القصير، لكن معظم الأنظمة العربية تضع ذلك في أولوياتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.