اشتهر الكاتب السوري محمد ماشطة، الذي ارتبط اسمه بالكتابة بمختلف أنواعها سواء في الكتابة الدرامية أو الشعرية أو القصص القصيرة، وقد لمع اسمه وأخذ مكانة بارزة بين صنّاع الدراما عندما كتب مسلسل “شركاء يتقاسمون الخراب” عام 2008، في ذروة ازدهار الدراما السورية حسب رأي النقاد وذائقة الشارع السوري. حيث صوّر المسلسل آنذاك الواقع برمته من عدة جوانب، وحقق العمل نجاحا ونسبة مشاهدة عالية من قبل جمهور الدراما في المنطقة العربية.

عاد الكاتب السوري بعمل جديد بعد غياب لعدة سنوات، لكن العمل الجديد الذي حمل اسم “حضور لموكب الغياب” لم يحمل اسمه ككاتب للمسلسل، رغم أنه هو الذي قام بكتابة نص العمل. ويُعرض العمل حاليا بشكل حصري على التلفزيون القطري خلال الموسم الدرامي لرمضان 2022، وهو عمل يؤرخ للقضية الفلسطينية من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى السبعينيات.

ولنستعرض تفاصيل ذلك وأكثر حول شؤون الدراما السورية والعربية، حيث كان لموقع “الحل نت” هذا اللقاء الخاص مع السيناريست محمد ماشطة.

سرقة نصّ “حضور لموكب الغياب”

ماشطة الذي يستعد حاليا للجوء إلى القضاء الأردني لإثبات حقوقه، بعد أن اتهم منتج مسلسل “حضور لموكب الغياب” سيف عبد العزيز بالسطو على العمل وسرقة عمله على مراحل قبل نسبه لنفسه، من دون أي اعتبارات أخلاقية مهنية، وفق وصف ماشطة. يتحدث عن عودته إلى موسم الدراما الرمضانية من خلال “حضور لموكب الغياب”، قائلا “أنا لم أحضر تصوير أي مشهد من عملي، ولم أشاهد أي لقطة منه أثناء العرض حتى الآن، ثم وأخيرا، تم عرض العمل باسم شخص سرقه مني! وفق ما سبق لا أعرف أصلا إن كنت مشاركا فعلا بعمل يخصني في السباق الرمضاني أم لا”.

وأردف خلال حوار موقع “الحل نت” معه، “كتبت عملا أعتقد أنه نوعي ومختلف ومهم، ثم تم عرضه باسم شخص آخر، كيف لي أن أصف هكذا تجربة تحصل للمرة الأولى في تاريخ مؤسسات حماية حقوق المؤلف. بات شعوري منصبا على تأمل جرأة (فخامة الوقاحة وهيبتها) والتي قادها لص سرق عملي، وساعده مجموعة مرتزقة باعوا أنفسهم للشياطين مقابل قروش. هذا أقصى ما يمكنني اختصاره في وصف التجربة”، وفق تعبير الكاتب السوري.

يروي ماشطة إزاء الإجراءات والتجاوزات التي حصلت من المنتج والمخرج حول المسلسل، لـ”الحل نت”، “حصلت عملية قرصنة وسرقة موصوفة، رافقها كميات هائلة من الوقاحة والجهل، ما جرى في هذه التجربة، وما رافقه من انهيار كامل لمنظومة الأخلاق والقيمة والمهنية، متوجا بتجاهل تلفزيون قطر الكامل لكل هذه المعايير، أمر يدعونا للتأمل والخوف من كوارث قد تحصل لاحقا بحق أي أحد، ما لم يكن هناك انتصار للحق وضرب قوي على يد الباطل”.

قد يهمك: أيمن زيدان لـ”الحل نت”: الفرسان الثلاثة يقدم نماذج إنسانية من الفقراء السوريين

 منصات العرض الإلكتروني أفضل

أما حول المسلسلات الدرامية القصيرة التي تبث على منصات العرض الالكتروني. يرى ماشطة، أن “الأعمال القصيرة مخصصة للعرض على منصات رقمية، وهي أعلى تكلفة إنتاجية من الأعمال المعروضة على شاشات التلفاز لأنها تتطلب “كواليتي” عالية وتكثيف تقني وفني. مما سبق يتضح أن الأمر لا علاقة له بخفض التكلفة الإنتاجية إطلاقا. هذا عصر السرعة والفضاء السيبراني الواسع بخياراته وموارده ومتلقيه أيضا، عملية قائمة على الإعلان وثراء شركات الخليوي ومنصات تدفع كثيرا وتربح كثيرا وتقدم لجمهورها أعمال قصيرة سريعة بالمشاهدة وسريعة بالنسيان، لأن العروض كثيرة وما أن ينجز المشاهد مشاهدة عمل حتى ينغمس بعدها بمشاهدة أعمال تالية”.

وفي مقارنة فنية بين الدراما السورية والعالمية، وحول ما ينقص الأولى لتصل إلى مستوى الثانية وخاصة في ظل انتشار منصات العرض الالكتروني، يقول الكاتب السوري: “ليست الدراما السورية لا كقضايا ولا كأدوات مرشحة أو مؤهلة للوصول للعالمية. قد يجد البعض العالمية متمثلة في منصة “نتفلكس” مثلا، بينما أنا لا أراها كذلك، فمنصة “نتفلكس” وسواها تبقى شركات استهلاكية. العالمية باعتقادي هي السينما، والسينما العالمية باعتقادي هي هوليود والتجمعات العالمية الموازية أو المشابهة، وهذا أمر بالغ الصعوبة والتعقيد، ولا أرى أي فرصة لتحقيقه في ظل الظروف المسيطرة على الإنتاج السوري”.

قد يهمك: مهيار خضور يتحدث لـ”الحل نت” عن آخر مسلسلاته في الموسم الرمضاني

الدراما المشتركة ضحية “ماكينة المال والنفوذ”

وحول كيفية تقييم ماشطة للتجارب السورية في أعمال الدراما المشتركة، يرد بالقول “ما عدت أرى أي جدوى لإطلاق تقييم أو إبداء رأي نقدي حيال هذا النوع من المسائل. العجلة تمشي بغير منطق الرؤى النقدية التقييمية، فكم من الأعمال التي شاهدناها وهاجمها الجمهور إلا أنها استمرت واعتبرها صناعها ناجحة”.

ويقول ماشطة إنه ما عاد الموقف النقدي الأكاديمي يستطيع التصدي لماكينة المال والنفوذ والارتباط بدوائر عملاقة تمنح أصحاب القرار فرصة فرض ما يريدونه وإنجاحه إعلاميا وترويجيا، فيما في المقابل يتعرض أصحاب الموقف النقدي للذوبان والانصهار في بوتقة أكبر قادرة على إسالة القواعد والقيمة المهنية.

ماشطة الذي له مشاركة في الأعمال الدرامية السورية إلى جانب عمله في الشعر والقصة القصيرة، يتحدث عن مستوى الدراما السورية اليوم، ويقول “هناك بوادر وإرهاصات تطل علينا بعدد محدود جدا بين فينة وأخرى مما لا أعتبره يشكل مشروعا جادا يسعى لخلق بيئة إنتاجية صناعية احترافية كافية لصوغ نهج درامي جديد هادف ونوعي ومتطور وناجح، ليمسح بتجاربه الجديدة آثار عصر الانحطاط الدرامي السوري. اللاعقلية المسيطرة على صناعة الدراما ما زال معظمها تحت يد منتجين، ينتجون أعمالهم بالملاليم، ومعظمهم بعيد كليا عن فهم الإنتاج الدرامي كعلم وثقافة”.

دور شركات الإنتاج

وحول سؤاله عن مدى دور شركات الإنتاج في تراجع الدراما السورية في السنوات الأخيرة يجيب: “شركات الإنتاج تتحمل النسبة شبه الكاملة لتراجع مستوى الدراما السورية بالطبع. في وسط يتسيده منتجون يسعون لإرضاء العارض، ويضمنون عن طريق بيع منتجهم سلفا وقبل أن يبذلوا أي مسعىً للبدء به، وآخرون جهلة بخلاء، فكيف سنصنع دراما مستقلة سيادية حقيقية”، وفق تعبيره خلال لقاء موقع “الحل نت” معه.

ويعلق على الوضع السائد حاليا إزاء توجه بعض الممثلين السوريين إلى عالم الكتابة أو الإخراج أو حتى التقديم التلفزيوني، بالقول “من يشعر أنه يمتلك القدرة والتميز له الحق في إنتاج لون فني أو أدبي. لكن الكارثة عندما يحظى البعض من غير المؤهلين ولا الموهوبين بهذا اللون، لتسيد الواجهة بدلا من أصحاب الكفاءة والعلم والموهبة”.

وخلص حديثه لموقع “الحل نت”، حول ما إذا عادت الدراما السورية للتطور والانتعاش بعد انتكاسة السنوات الماضية، بالقول: “ثمة محاولات جادة قليلة جدا، نراها كل عام أو عامين، بعمل أو عملين يحاول صناعه تطوير العملية الإنتاجية، سواء على مستوى المحتوى أو على مستوى الكاستينغ أو على مستوى التقنيات، ثم نعود لنشاهد بعد المحاولة انتكاسات جديدة. نأمل أن يتمكن أصحاب الهوس بهذا المشروع، مشروع تطوير الدراما كصناعة، أن ينجحوا برسم خط بياني متصاعد تدريجيا بما يسمح لنا بالتفاؤل خلال السنين القادمة”.

قد يهمك: أعمال البيئة الشامية: أزمة في القصص والأداء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة