دعم الاستثمارات الصينية في العراق بات على ما يبدو أحد أهم القضايا على أجندة القوى والميليشيات الموالية لإيران. إذ تصر هذه القوى على تعظيم حصة الصينيين من السوق العراقية، وإقصاء الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية. ما دفع عددا من المحللين إلى الإشارة إلى مصلحة إيرانية في دعم الاستثمارات الصينية.

ويعتبر الجدل المحتدم منذ فترة بخصوص مشروع أنبوب البصرة – العقبة، والذي أخذ بعدا سياسيا إقليميا، أحد أهم فصول الصراع حول هوية المستثمرين العاملين في العراق. إذ اعتبر حلفاء إيران في البلاد أن إحياء المشروع “محاولة لجر العراق إلى التطبيع مع إسرائيل”.

وعلى الرغم من أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2012 حاولت دائما إحياء هذا المشروع، الذي تعود فكرته إلى ثمانينات القرن الماضي، لإيصال النفط العراقي إلى الأردن، إلا أنه بات مزعجا للغاية للقوى الموالية لطهران على ما يبدو. وضمن الحملة الممنهجة ضد هذا المشروع، خرجت عديد من الأصوات عبر وسائل الإعلام، لتعلن رفضها لمد الأنبوب، بحجة أن إقراره ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال؛  أو خوفا من وصول النفط العراقي إلى إسرائيل عبر الأردن.

مؤيدون للمشروع اعتبروا أن هذه الاعتراضات ليست بريئة، بل تأتي وفق أوامر وتوجيهات إيرانية، لوضع العراقيل أمام مشاريع الدول الحليفة لأميركا، مقابل فسح المجال أمام الاستثمارات الصينية في العراق.

المحور الولائي والاستثمارات الصينية في العراق

المحلل السياسي مهند الجنابي يقول إن “الصين تسعى إلى إحداث تغييرات في النظام الدولي، وهذا سينعكس سلبا على الدول التي ترتبط بعلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الصين تعتبر الشريك الأول لإيران، فيما يتعلق بالصادرات النفطية وغير النفطية، ودائما ما تحاول إيران دفع ما يسمى بمحور المقاومة لحماية ودعم الاستثمارات الصينية في المنطقة، بدءا من بغداد وانتهاء ببيروت”.

أما سياسيا واستراتيجيا فإن “المحور الولائي لإيران أصبح ممتدا على طول خارطة طريق الحرير الصيني الجديد، والذي تهدف طهران إلى جعل العراق أحد أهم محطاته، عبر دعم الاستثمارات الصينية في العراق، ليكون ذلك مدخلا لها للتخلص من العقوبات الغربية عليها”، وفقا للجنابي.

ويتابع المحلل السياسي أن “الاتفاقية الصينية-العراقية، والتأكيد على الربط السككي في المنطقة، يندرجان ضمن مشروع طريق الحرير الصيني، الذي تحاول ايران من خلاله أن تكون ممرا لتجارة الشرق والغرب، من خلال استخدام نفوذها وتأثيرها في المنطقة، لربطها بالمشاريع الاستثمارية الصينية”.

حصر العراق استثماريا بالشركات الصينية

ويلفت الجنابي إلى أن “الأمر الأخطر هو قيام الفصائل الولائية بتوظيف كل قدراتها لحماية الاتفاقية الصينية العراقية، والاستثمارات الصينية في العراق عموما. فقد لاحظنا، منذ العام 2019 وحتى الآن، أن هذه القضية كثيرا ما تثار، سواء عبر التصريحات السياسية أو التحركات في الشارع أو المواقف البرلمانية، لترجمة الاتفاقية على أرض الواقع. على الرغم من أن الشعب العراقي لم يطلع على مضمون الاتفاقية، التي وقعتها حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، باستثناء المعلومات العامة والأخبار المجتزأة، بدون معرفة طبيعة الاستثمارات والآليات والحقوق والواجبات وكل تفاصيل التعاقدات”.

ويؤكد أن “الميليشيات الولائية تريد جعل العراق بيئة مناسبة لاستقطاب الشركات الأجنبية المتوافقة مع المحور الإيراني، من أجل عزل العراق عن جميع استثمارات الدول الحليفة لأميركا والصديقة لبغداد”.

وحذر المحلل السياسي من أن “الفصائل الموالية بدأت تهدد اقتصاد البلاد، وتلعب دورا تخريبيا واضحا، من خلال مضايقة كافة المشاريع الأجنبية لمصلحة الاستثمارات الصينية في العراق. وهذا الأمر لا يقل خطورة عن انتهاك السيادة الوطنية والتطاول على الحكومة الشرعية. وسط النفوذ الاقتصادي الذي تملكه الفصائل المسلحة، من خلال مكاتبها الاقتصادية”.

دعم إيران للصين في العراق ليس مجانيا

خبيرة الاقتصاد سلام سميسم تؤكد أن “محاولات إيران لتعبيد الطريق أمام الاستثمارات الصينية في العراق يأتي وفق المصالح المشتركة بين طهران وبكين، لا سيما وأن الصين أصبحت منفذ إيران ومتنفسها، بعد العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على طهران”.

وتضيف سميسم، في حديثها لـ”الحل نت”، أن “الصين وإيران تشكلان محورا مضادا للولايات المتحدة وحلفائها، لذلك نشهد تطورا كبيرا للاستثمارات الصينية في العراق، بدعم من إيران. وهذا الأمر لن يحصل دون وجود اتفاقيات مسبقة بين بكين وطهران، فبالتأكيد لن تخدم إيران المصالح الصينية مجانا”.

كما تلفت الخبيرة إلى أن “تعزيز النفوذ الصيني داخل العراق هو تعزيز لجبهة إيران الاقتصادية، ويجعل بكين حائط المصد لحماية مصالح إيران، وكذلك تأمين الجهة الغربية لها”.

مقالات قد تهمك: الاتفاقية الصينية العراقية: لماذا تدعم الميلشيات الولائية نفوذ بكين الاقتصادي في العراق؟

طموحات بعيدة المدى للاستثمارات الصينية في العراق

من جهته يقول الباحث العراقي سردار عزيز، الذي ألّف مؤخرا كتابا باللغة الكردية حول العلاقات الصينية-العراقية، إن “لدى الصين طموحات بأن يصبح العراق مصدرا للطاقة، وأن يكون أحد الأسواق الرئيسية للبضائع الصينية، وأن لا يدعم القوى الدولية التي لديها مواقف سلبية من الصين”.

ويبين عزيز أن “الصين تعتمد بنسبة ستين بالمئة من حاجتها للطاقة على دول الشرق الأوسط، ومن ضمنها العراق، الذي تستورد منه نسبة أحد عشر بالمئة من احتياجاتها”.

ويلفت الباحث العراقي إلى أن “حجم الاستثمارات الصينية في العراق يتزايد بسرعة، لأن بكين تعتمد في تعاملها مع بغداد آلية مختلفة عن الدول الأخرى. فالشركات التي تقوم بالعمل داخل العراق هي شركات حكومية صينية، تعمل لهدف تأمين الطاقة للصين، والتفكير بمنفعة بكين السياسية. فيما تعتمد الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية على الشركات التابعة للقطاع الخاص، والتي تعمل لهدف الربح فقط”.

ويؤكد أن “الصين استغلت العراقيل التي تواجه الشركات الأجنبية الأخرى، مثل المشاكل الأمنية التي تسببها الميليشيات الولائية؛ والعوائق البيروقراطية، لتطوير استثماراتها في العراق. وستتمكن الصين من خلق طفرة في الاستثمار داخل العراق، في حال أمّنت كل الظروف المناسبة، ولم تشكل إيران أو تركيا عائقا أمام طموحاتها، وهي تضمن الموقف الإيراني بثقة حتى هذه اللحظة”.

ووفقاً للباحث سردار عزيز فإن “العراق يمتلك موقعا جغرافيا مميزا، فهو يشكل نقطة التقاء بين البحر واليابسة بالنسبة لدول آسيا وأوروبا والخليج”. متوقعا أن “تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعات بين الدول العظمى، ومن بينها الصين، والتي بدورها لن تترد بدفع قوات عسكرية لحماية مصادر طاقتها في الشرق الأوسط، أو ببناء مراكز خاصة لها فيه لتعزيز وجودها، كما فعلت في جيبوتي وباكستان وإيران”.

ودخلت اتفاقية التعاون بين العراق والصين حيز التنفيذ في الفترة الماضية، وبناء عليها ستمول الصين أربعة مشاريع كبرى في البلاد، ضمن خطط مشتركة، ترتكز على مبدأ “النفط مقابل إعادة الإعمار”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.