الأوضاع المعيشية السيئة التي ترافق معظم العائلات السورية اليوم، نتيجة الحرب وما أعقبها من تدهور في قيمة الليرة السورية وانخفاض قيمتها مقابل النقد الأجنبي، وازدياد معدلات الفقر في سوريا نتيجة الدمار والنزوح والتشرد، وكذلك قلة فرص العمل في البلاد وتدني الأجور بشكل عام، وخاصة في مؤسسات الحكومة السورية.

يميل العديد من السوريين إلى إخراج أطفالهم من المدارس وتشغيلهم (عمالة الأطفال) من أجل المشاركة في تغطية نفقات المعيشة. وقد نمت هذه الظاهرة خلال سنوات الحرب دون أي رقابة من قبل الحكومة أو المنظمات المدنية لمنع انتشارها والحد من هذه الممارسات بحق الأطفال.

الطفل يعمل طوال الليل!

انتقد وزير سوري سابق، في تعليق على أحد مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، عمل طفل في أحد المطاعم بدمشق، حيث يعمل الطفل كراقص مولوية (احتفالات ورقصات تقام في شهر رمضان).

وكتب الوزير السوري السابق، محمد عامر المارديني عبر حسابه الشخصي على منصة “فيسبوك“، “حين قرأت اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأممِ المتحدة لفت اهتمامي الحديث عن مصالح الطفل الفضلى”.

وأضاف الوزير السوري عبر حسابه، “يجب على الحكومات ضمان إلتزام الأشخاص المسؤولين عن رعاية الأطفال بواجبهم إلى أقصى حد، وفي الأماكن التي تستوفي شروط السلامة وحمايتهم من الأعمال المؤذية والخطيرة، وعدم تعرض الأطفال لكافة أنواع الاستغلال”، على حد تعبيره.

وفي المقابل، لم يستطع تصديق ما شاهده في مقطع الفيديو لطفل صغير يرقص رقصة المولوية على أنغام المُنشدين، في أجواء عبثية خلال إحدى أمسيات السحور التي أقامها مطعم فخم في فندق شهير بدمشق طوال شهر رمضان، في إشارة إلى انتشار عمالة الأطفال في سوريا وفشل الحكومة في الحد من هذه الظواهر، بحسب ما كتبه الوزير السوري على صفحته الشخصية.

وسأل المارديني عبر منشوره قائلا: “ماذا نسمي حدثا كهذا عندما يُجبر الطفل على السهر طوال الليل حتى الفجر وهو يرقص حول نفسه، منتظرا أن يصفق له الحاضرين بعد انتهاء “نمرته”، في إشارة إلى إجبار بعض الأطفال على العمل حتى و إذا كان طوال الليل، في سبيل كسب بعض الليرات لإعالة أسرته ومساعدتهم في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها جميع السوريين، في وقت لا تقوم فيه الحكومة بواجبها تجاه الأطفال والحفاظ على حق الطفولة، أو القيام بتحسين الواقع المعيشي للعوائل السورية.

واختتم حديثه بالقول: “حادثة مخزية قد تكون دعوة ملحة للجميع، حكومة ومنظمات وجمعيات مدنية، لوضع حد لهذه الممارسات الدنيئة الشبيهة برقّ الأطفال، التي يعتبرها القانون جريمة جنائية تستحق العقاب. ألا يكفينا ما نشهده من تسوّلهم وعمالتهم وتسربهم من التعليم، حتّى نصل إلى معاملتهم كحيوانات السيرك؟؟”.

وفي تقرير لـ”برنامج الأغذية العالمي”، يوم أمس، أفاد بأن “عدد المتسوقين انخفض هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود بشكل فجٍّ على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا”.

وتابع التقرير، خلال شهر رمضان، كانت موائد الإفطار في المنازل مليئة بالتمور والمشروبات مثل قمر الدين والتمر الهندي لكسر الصيام – إلا أن قلة منهم باتوا يستطيعون تحمل تكاليف توفير هذه الاحتياجات البسيطة هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح البلاد، بحسب المنظمة الدولية.

قد يهمك: عقوبات لمواجهة ظاهرة “التخلي عن الأطفال” بسوريا.. ماذا عن الفقر؟

عمالة الأطفال والفقر في سوريا

انتهاكات حقوق الأطفال السوريين باتت واقعا يوميا، يعاني منه مئات الآلاف من الأطفال وسط الحرب، التي جعلتهم عرضة لكل أنواع العنف. وقد أكمل الواقع الاقتصادي المنهار، وظروف التشرد واللجوء، الصورة السوداوية لحياتهم.

ولا تقتصر المعاناة على الأطفال النازحين، الذين يشكلون نسبة خمسين بالمئة من أعداد النازحين السوريين، بل يمتد سوء الحال إلى أطفال المدن، التي تسيطر عليها حكومة دمشق أيضا. ما يجعل وضع الطفولة في عموم البلاد الأسوأ على الإطلاق، حسب تعبير تقرير صادر عن الأمم المتحدة قبل أعوام.

وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” فإن “أربعة من بين كل خمس أشخاص في سوريا يعيشون تحت خط الفقر. ما يدفع بالأطفال لاتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة، مثل التوجّه إلى عمالة الأطفال، وزواج القصّر، والتجنيد للقتال، وذلك لمساعدة عائلاتهم”.

كذلك، تنامت ظاهرة التسول بشكل كبير خلال السنوات الماضية في سوريا، ورغم تفعيل مكاتب مكافحة التسول في مختلف المحافظات السورية، فإن ظاهرة تسول الأطفال والنساء والشيوخ تنامت إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة؛ بسبب الفقر وغلاء المعيشة وتدني مستوى الليرة السورية مقابل العملة الأجنبية من جهة، ومن جهة أخرى عدم توافر الأوراق الثبوتية لعدد كبير من الأطفال؛ بسبب فقدانهم الأب، وبالطبع ذلك يحرمهم من الحصول على بعض المساعدات من قبل الجمعيات والمنظمات الإنسانية الخاصة التي تقدم المساعدات الغذائية، وغيرها من حاجيات الإنسان الأخرى كالأدوية والألبسة، حتى ولو بنسبة قليلة.

وفي ظل الفوضى الأمنية والتهاون القضائي في المؤسسات الحكومية في هذه القضايا، اندفعت بعض العصابات والمافيات لاستغلال عدد كبير من الأطفال الذين ليس لديهم معيل أو مسؤول، عبر تشغيلهم في مهنة التسول، مقابل إعطاء الطفل أو الطفلة مبالغ ضئيلة جدا وتأمين أكله وإقامته ونومه.

ويقدر “برنامج الأغذية العالمي” أن 12.4 مليون سوري يعانون حاليا من انعدام الأمن الغذائي. وهذه زيادة قدرها 4.5 مليونا في العام الماضي 2021 وحده وأعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.

وأضافت المنظمة الدولية في تقريرها في آذار/مارس الفائت، بأن النزاع والنزوح والانكماش الاقتصادي الحاد، وانخفاض قيمة الليرة السورية، أدى إلى زيادة الضغوط على الأسر التي تكافح الآن من أجل تغطية تكاليف توفير الاحتياجات والسلع الأساسية.

وأدت الأزمة السورية المستمرة إلى استنفاد أصول المجتمع والقضاء على سبل كسب العيش وتآكل قدرة الأسرة والمجتمع على الصمود. وتعطلت النظم الغذائية بشدة في العديد من المناطق، مما أدى إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي والحاجة إلى المساعدة الغذائية، بحسب “برنامج الأغذية العالمي”.

قد يهمك: عمالة الأطفال في إدلب والشمال السوري: ورشات القنابل بدلاً من مقاعد الدراسة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.