سُجلت خلال الأشهر الماضية العشرات من حالات التخلي عن الأطفال، وخاصة الرضع، حيث يتم العثور على الأطفال عادة بالقرب من المساجد أو في الحدائق العامة أو في المناطق التي تشهد حركة مرور كثيفة للناس، أو دور رعاية الأيتام، وأحيانا يتم رميهم عند مكبات النفايات.

ازدياد الحالات

أفاد عضو المكتب التنفيذي لقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية والدفاع المدني في محافظة دمشق، باسل ميهوب، لإذاعة “شام إف إم” المحلية، يوم أمس الأحد، “أن الخط البياني المتعلق بوجود أطفال متروكين في الشارع لا يدل على وجود ازدياد، وخلال مدة شهر إلى شهرين تبين أن الحالة نقطية”، مشيرا إلى أن “الازدياد يعني تحول الحالة من سلوك إلى ظاهرة وإيجاد 4-5 حالات يوميا”.

في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة السيئة وغياب أي دور حقيقي للحكومة في وضع حد أو حل لمثل هكذا ظواهر، تتواصل التقارير الدولية حول مخاطر تفاقم المأساة الإنسانية والمعيشية التي تقتل ملايين السوريين، نتيجة تراكم الأزمة التي يمر بها البلد منذ أكثر من عشر سنوات.

الأسباب ومعدل الفقر في سوريا

لم تكن حادثة الطفلة في الجامع الأموي هي الأولى من نوعها، بل تكرر حدوث مثلها بشكل كبير، لتصبح ظاهرة في المجتمع السوري بعد الحرب، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

فلم تمض أيام قليلة على حادثة ترك ثلاثة أطفال ضمن مدخل بناء بالقرب من دوار كفرسوسة في دمشق، ليتم التعرف على والدهم من قبل الشرطة، ليؤكد أنه تركهم بسبب خلافات عائلية مع زوجته ومغادرتها المنزل منذ أكثر من عشرين يوما، بحسب ما تابع “الحل نت”.

من جانبه، أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية والدفاع المدني في محافظة دمشق في تصريحات لإذاعة “شام إف إم”، على أن أسباب هذه الظاهرة متعددة وتتنوع بين الخلافات العائلية، والوضع الاقتصادي والفقر، والعلاقة غير الشرعية، ويتبين ذلك بعد إيجاد الأهل.

ونوّه إلى أنه بحال وجود الأم والأب وترك الطفل بالشارع لمصير مجهول فإن القانون يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى 15 عاما، ويعود الأمر للقضاة بحسب ظروف العائلة وأسبابها التي دفعت بها إلى فعل هذا الأمر.

بدوره، قال المحامي سمير أبو حمود لصحيفة “الوطن“، المحلية، أن المادة 484 من قانون العقوبات تنص على أنه من طرح أو سيب ولدا دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر غير قادر على حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة. وإذا طرح الولد أو العاجز أو سيب في مكان مقفر كان العقاب من سنة إلى 3 سنوات أي ينال عقوبة “الجنحة”.

وبحسب البيانات الواردة من المنظمات الدولية، أن قرابة 12 مليون ونصف المليون شخص، يواجهون انعدام الأمن الغذائي، كما أن أكثر من مليوني وربع المليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.

وبهذا فقد أصبح الوضع الاقتصادي في سوريا شديد الصعوبة خلال سنوات الحرب الأخيرة، خاصة في الأشهر الماضية، حيث شهدت الأسواق ارتفاعا حادا، وبالتالي زادت مظاهر الفقر بشكل واضح، لدرجة أنه بدأ بعض الناس في المحافظات السورية عموما بالتخلي عن أطفالهم وتركهم في الأماكن العامة، وقبل ذلك تم ضبط رجل مسن يأكل القمامة، فيما شوهد أحدهم يعرض كبده للبيع، وقصص أخرى كثيرة برزت، حاملة معاناة ومآسي السوريين، حيث لم تشهد سوريا هذه المشاكل من قبل.

وفي وقت سابق أظهرت إحصائية نشرها موقع “indexmundi” نقلا عن كتاب “حقائق العالم” أن سوريا تصدرت قائمة دول العالم الأكثر فقرا. فيما قدّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث العام الفائت، نسبة السوريين الذين يقعون تحت خط الفقر بأكثر من 90 بالمئة من إجمالي سكان البلاد.

وكانت قد قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، في تقرير سابق من العام الماضي، إن الحرب في سوريا جعلت حياة ومستقبل جيل من الأطفال معلّقين بـخيط رفيع، وبعد 10 سنوات من النزاع في سوريا، يحتاج 90 بالمئة من الأطفال إلى الدعم إذ يدفع العنف والأزمة الاقتصادية وجائحة “كوفيد-19″، العائلات إلى حافة الهاوية.

ولا يزال وضع العديد من الأطفال والعائلات محفوفا بالمخاطر، إذ أن حوالي 90 بالمئة من الأطفال يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة بلغت نسبتها 20 في المئة في العام الماضي وحده.

قد يهمك: “نبش القمامة” ممنوعة على الفقراء بسوريا

تداعيات “التخلي عن الأطفال”

وقالت الدكتورة المختصة بعلم النفس الاجتماعي خيرية أحمد، في حديثها لصحيفة “الوطن” المحلية، “تتركز دوافع ترك الطفل عموما بأمور تتعلق بالوضع النفسي للأم كأن تكون مصابة بالفصام أو الاكتئاب أو أن تكون شخصية مضطهدة ومعنفة في بيت أهلها أو زوجها فتعامل الطفل بالمثل من منطلق سلوك “العنف يولد العنف”. وبالمجمل يعود أسباب العنف من قبل الأهالي والأسر عموما إلى “الاقتصادية وتفشي الفقر والبطالة في المجتمعات”، وهذا يبدو جليا في سوريا.

وفي تقرير لها في آذار/مارس في العام الفائت، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، أنه تضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي في عام 2020، فالتعرض المستمر للعنف والخوف الشديد والصدمات له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال، مع ما يترتب عليها من آثار قصيرة وطويلة الأمد.

من جانبها، حذرت ممثلة الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال والصراع المسلح، فيرجينيا غامبا في تصريحات إعلامية سابقة، من عواقب التعرض للعنف والانتهاكات لفترة طويلة وإساءة استخدام حقوقهم.، وأوضحت أن جميع الأطفال في سوريا دون سن العاشرة عاشوا كامل حياتهم في بلد مزقته النزاعات، ولم يعرفوا سوى الحرب.

قد يهمك: انتشار ظاهرة “التخلي عن الأطفال” في سوريا.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.