عاد الاقتتال الداخلي والاشتباكات بين الفصائل إلى المشهد بشكل بارز مؤخرا، في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من قبل أنقرة، في شمال غرب سوريا، عقب انقسام ما يسمى بـغرفة “عزم” إلى ثلاث كتل، كل منها تنافس الأخرى على مستويات عدة.

ألقى الانقسام بظلاله على الأوضاع الأمنية في ريف حلب، وفي ظل غياب جهاز أمني موحد يسيطر على المنطقة، وتراجع نفوذ الشرطة وقوات الأمن العام في مثل هذه الحالات، ازدادت الاشتباكات بين الفصائل العاملة في “الجيش الوطني” خلال شهر رمضان، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من القتلى والجرحى. وبما أن مخاطر تجدد المواجهات في أي وقت لا تزال قائمة، فما مصير الوضع الأمني في تلك المناطق، وماذا ينتظر المنطقة؟

قتال دموي على السلطة والنفوذ

منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم، مرت مجموعات “الجيش الوطني” بتغييرات عديدة، وكانت أحداث اتحادها ثم الانفصال سمة واضحة في عموم هذه الفصائل خلال هذه الفترة، وبرأي المحلل العسكري، عبد الله حلاوة، فإن هذا بسبب الركود العسكري الذي فرضته القوى الفاعلة في سوريا.

وخلال حديثه لـ”الحل نت”، فسر هذا الركود بأنه ناتج عن عدة تقلبات أهمها، أنه اعتبارا من أوائل تموز/يوليو 2021، شهدت سوريا أطول فترة زمنية لها دون تطورات عسكرية كبيرة منذ بداية عام 2011.

وفي الواقع، لم تتغير الخطوط الأمامية بشكل كبير خلال الأشهر الستة عشر التي تلت 5 آذار/مارس 2020، بعد أن تفاوضت روسيا وتركيا لوضع حد مؤقت للتصعيد العسكري على محافظة إدلب.

كان هذا الوضع من الصراع المجمد النتيجة النهائية لبدء حقبة جديدة للقائمين على هذه الفصائل، وفقا لحلاوة، لا سيما وأن ولاء قادة هذه الفصائل ليس للمؤسسة إنما للعشيرة أو للمنطقةن لأن غالبية هؤلاء هم من المدنيين الذين تسلموا مناصب القتال في الجيش.

وبين عامي 2016 و2020، يشير حلاوة، إلى أن القوات التركية أمنت تدريجيا هلالا شماليا غربيا يضم مناطق يسيطر عليها “الجيش الوطني” في حلب، بالإضافة إلى الجهاديين “هيئة تحرير الشام” (المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة)، بيد أن غياب التطورات العسكرية الرئيسية مؤخرا ينبغي ألا يفسر على أنه استقرار.

إن كل منطقة من المناطق المذكورة أعلاه تعرضت لاقتتال داخلي بشن هذه الفصائل لاشتباكات وقتالات شبه يومية بسبب شهوتها للسلطة والنفوذ، وعدم التزام الداعم بإرسال الأموال وزيادة الرواتب للعناصر.

في حين توقع حلاوة، أن تزداد حدة الاقتتال الداخلي في هذه المناطق إذا ما استمر التوافق بين روسيا وتركيا على إيقاف العمليات العسكرية، لا سيما مع انشغال روسيا في غزوها على أوكرانيا، في حين أن هذه المناطق ستشهد صراع دموي تعززه النزعة العشائرية التي تكن الولاء للمؤسسات العسكرية، في حين أن المستفيد في نظر حلاوة، هو متزعم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني.

للقراءة أو الاستماع: علومات جديدة عن اشتباكات رأس العين بين فصائل “الجيش الوطني” المعارض

انهيار الحالة الأمنية شجعها الانقسام

رسمت عمليات الاندماج الأخيرة، إلى حد ما، شكل نظام الحسابات القومية في المستقبل القريب وطبيعة علاقة مكونات “الجيش الوطني” مع تركيا. كما تشير هذه التحالفات إلى ميول أنقرة وسياساتها في مناطق نفوذها في شمال غرب سوريا.

ويبدو أن خشية المدنيين بعد تعديل الفصائل وادعائها تنظيم نفسها، من أن تتطور الخلافات القائمة إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين الفصائل قد حدثت بالفعل. إذ استمر الاقتتال الداخلي بين مختلف فصائل “الجيش الوطني” في مناطق العمليات العسكرية التركية شمال سوريا.

فاندلعت الخلافات حول الصراع على السلطة والنفوذ والمكاسب المادية التي يتم جنيها من منافذ التهريب. حيث قال ناشطون في ريف حلب، لـ”الحل نت”، إن عنصرا قتل، الخميس الفائت، في اشتباك مسلح بين مجموعتين من فرقة “السلطان سليمان شاه”، وسط مدينة جنديرس بريف عفرين شمالي حلب. وأدى الخلاف إلى إصابة مسلحين آخرين بجروح خطيرة.

كما بدأت عمليات الاغتيال ضد قادة وعناصر في “الجيش الوطني” بالتصاعد في شهر شباط/فبراير الماضي، وفي غضون أسبوع فقط، اغتال مجهولون القياديين في “الفيلق الثالث” محمد الحسين في مدينة اعزاز، وناصر الصيداوي في مدينة الباب، والقيادي في “حركة التحرير والبناء” فادي الخطيب في مدينة الباب.

للقراءة أو الاستماع: هل يعود التصعيد إلى الشمال السوري شرقه وغربه؟

الخوف من التصفية

فتحت الاندماجات الأخيرة الباب للحديث عن عوامل خارجية خططت أو ساهمت في تشكيل الهيئة الجديدة. ويعتقد الخبراء العسكريون، أنه من غير المرجح أن تكون التحالفات الحالية داخل “الجيش الوطني” أيديولوجية أو سياسية، ويطلق عليها “اصطفافات وقائية”، وهدفهم هو “رغبة كل فصيل في حماية نفسه من الاستبعاد والاستئصال، لذلك فهو يقوي نفسه من خلال التحالف مع الفصائل الأخرى من حوله”.

وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، في 18 نيسان/أبريل، أن اشتباكات عنيفة بالرشاشات المتوسطة والخفيفة اندلعت بين مجموعتين من فصيل “الجبهة السورية”، قرب دوار القبان وسط مدينة عفرين. وتطور الخلاف إلى اشتباكات عنيفة بين الطرفين دون ورود أنباء عن وقوع خسائر بشرية.

وأسفرت الاندماجات والانشقاقات في نهاية المطاف عن بروز ثلاث كتل رئيسية، وهي “الفيلق الثالث”، و”هيئة ثائرون للتحرير”، و”حركة التحرير والبناء”، ما أدى إلى تشظي غرفة “عزم”، على اعتبار أن هذه الكتل بدأت تعمل بشكل مستقل تماما، بعد أن كانت معظمها ضمن قيادة واحدة وفق ما ادعى مؤسسيها.

كما أن معظم فصائل “الجيش الوطني” التي أصبحت تحت قيادة واحدة في فترة نشاط “عزم”، لكنها الآن مشتتة، وحتى الكتل الثلاث الحالية في الجيش لا يمكن المراهنة على استمرارها بهذا الشكل، فأغلب الفصائل فيها ما تزال تعمل بشكل مستقل، من دون تنسيق كامل فيما بينها، في تكريس لحالة “الفصائلية”.

الجدير ذكره بأن مناطق النفوذ التركي في بعض أرياف حلب والرقة والحسكة، تشهد فوضى أمنية وعمليات اغتيال متكررة تطال عناصر وقادة من “الجيش الوطني“، إضافة إلى اشتباكات ونزاعات داخلية بين الفصائل، وعمليات تفجير سيارات ودراجات مفخخة وعبوات ناسفة، غالبا ما تطال مدنيين أيضا، وتتسبب بأضرار مادية كبيرة في الممتلكات والمنازل، دون وجود رقيب أو حسيب على ذلك.

وترجع معظم النزاعات والاشتباكات في المنطقة، إلى خلافات شخصية بين عناصر الفصائل، وينتج معظمها عن تجاوز حاجز أو اقتسام الموارد المالية أو عدم السماح بتفتيش سيارة تابعة لأحدهم، ثم ما تلبث أن تتحول إلى اشتباكات جماعية بين العناصر التابعة لتلك الفصائل.

للقراءة أو الاستماع: بطلب تركي.. حفر خندق يفصل بين مناطق القوات الحكومية و”الجيش الوطني” شرقي حلب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.