لأسباب مختلفة، تتوحد إسرائيل وجيرانها العرب في إظهار الحياد حيال الحرب الروسية في أوكرانيا، حتى لو كان ذلك يعني استياء حلفائهم الأوروبيين والأمريكيين. وهذا التقارب في وجهات النظر الاقتصادية لا يعني، مع ذلك، تسريع التطبيع بين إسرائيل والمنطقة العربية، الذي بدأ قبل عامين مع اتفاقات إبراهام. فقبل كل شيء، تسعى إسرائيل إلى عدم عزل روسيا، حتى يمنحها فلاديمير بوتين زمام المبادرة لقصف أهداف إيرانية أو موالية لإيران، عدوها اللدود، من سماء سوريا. وفق تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية وترجمه موقع “الحل نت”.

من جانبها، اعتقادا منها أن “هذه ليست حربها”، تحرص ممالك الخليج -لاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- على إبقاء روسيا كشريك، خاصة في أسواق الطاقة، وجعل الولايات المتحدة تدفع ثمن فك ارتباطها بالشرق الأوسط. “في عالم متعدد الأقطاب، حيث ارتقت هذه الدول إلى مرتبة القوة المتوسطة، أقامت ممالك الخليج روابط متنوعة مع العديد من الشركاء، وبالتالي ساهمت في تمكينهم”، هكذا تحلل إيما سوبيرييه، الباحثة في جامعة جورج واشنطن. وتتابع قائلة: “إنهم لا يقدرون عواقب اختيار المعسكر المناسب وفقا لوجهات النظر الأمريكية لحرب باردة جديدة والتي لا تتماشى مع واقع العلاقات الدولية المعاصرة”.

لقد اتخذت الأنظمة البترو ملكية بالفعل من آسيا متكأ لها. ويتضح ذلك من استعداد السعودية للدفع باليوان وليس بالدولار في معاملاتها النفطية مع الصين. وحرصا منها على استعادة السيطرة، جمعت الولايات المتحدة في صحراء النقب الإسرائيلية رؤساء دبلوماسية المحور العربي الموالي لإسرائيل، لكن فكرة إنشاء “الناتو العربي” لا تزال بعيدة المنال. فذراع مصر كانت ملتوية للمشاركة والأردن كان غائبا. لكن البعض، مثل الإمارات، يكثفون تقاربهم مع إسرائيل. وبحسب عدة مصادر، فإن إسرائيل هي التي زودت أبو ظبي بالمعلومات لضرب أهداف في اليمن، ردا على هجمات الطائرات المسيرة على أبو ظبي في وقت سابق من هذا العام من قبل المتمردين الحوثيين الموالين لإيران.

هل بات الخلاف بين الخليج والولايات المتحدة عصيا على العلاج؟

بفضل الصراع في أوكرانيا، قامت الإمارات، كذلك السعودية، بتحرير نفسها من الحماية الأمريكية. فقد رفض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أصر على جعل محمد بن سلمان منبوذا بعد اغتيال المعارض جمال خاشقجي. كما أنه ذهب بعيدا أمام جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي. وفي حزيران 2021 ، أثار انسحاب صواريخ باتريوت الأمريكية المنتشرة للدفاع عن المملكة، حيث تعرضت لهجوم من أعدائها الحوثيين، غضب محمد بن سلمان بشدة. وبالمقابل، يحافظ بن سلمان على علاقات جيدة مع بوتين، المستبد الذي لا يخذل حلفائه، مثل بشار الأسد، على عكس باراك أوباما، الذي أسقط الرئيس المصري حسني مبارك في بداية الربيع العربي، بحسب قاطني القصور في الرياض وأبو ظبي.

وتقول سوبرييه: “يبدو أن التوترات مع الرياض مليئة بالكثير من المشاعر المؤثرة والأنا لدرجة أن الخروج نحو القمة يبدو صعبا”. لقد رفضت الرياض لتوها الاستسلام للطلب الأمريكي بزيادة إنتاج النفط لخفض سعر البرميل. كذلك تنتظر الجزيرة العربية بصبر انتهاء ولاية جو بايدن. من ناحية أخرى، هدأت أبوظبي وواشنطن من القطيعة بينهما. وبعد الامتناع في تصويت أولي في مجلس الأمن الدولي لإدانة روسيا، حذت الإمارات حذو الولايات المتحدة في تصويت آخر في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم حصل ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، خلال لقاء في المغرب، من رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنطوني بلينكن على اعتذار أمريكي عن عدم الرد السريع على هجمات طائرات الحوثي المسيرة ضد أبوظبي مطلع العام. وترى سوبرييه بأن المصالح المتبادلة بين السعوديين والأمريكيين ستسيطر بلا شك على الموقف، لكنها ستبقى مسألة معرفة كيف سيتم ترتيب هذا الانفراج، ربما على خلفية حل الصراع في اليمن.

هل الحياد الإسرائيلي مصدر توتر مع حليفتها الأمريكية؟

ليس بعد! حيث يقول داني شيك، السفير الإسرائيلي السابق لدى فرنسا، من تل أبيب: “هناك تحالف عميق بين إسرائيل والولايات المتحدة لدرجة أن أي خلاف من هذا النوع لا يمكن أن يولد توترات حقيقية”. وبينما انتقد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي إسرائيل بسبب “عدم تضامنها” في إدانتها للغزو الروسي لأوكرانيا، لم ينتقد أي مسؤول في إدارة بايدن علانية حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط. لقد ردت إسرائيل، مرة أخرى، وفقا لمصالحها الخاصة. ومع ذلك، فهي تهدف إلى انسحاب إيراني من سوريا، وبالتالي استمرار الضوء الأخضر الروسي لغاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية في سوريا.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة قد فهمت هذا الأمر، خاصة وأن إسرائيل قد شددت موقفها فيما يتعلق بموسكو، حيث صوتت لصالح استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ووفقا لداني شيك، فقد “فهمت الولايات المتحدة أيضا سبب عدم تعليق إسرائيل لرحلاتها الجوية مع موسكو، لأنه منذ بداية الحرب كانت هناك زيادة في هجرة اليهود من روسيا، أكثر من أي مكان آخر وحتى من أوكرانيا نفسها”.

هل ستدفع موسكو الثمن في سوريا؟

إن للفشل العسكري الروسي في أوكرانيا آثار جانبية لا ينبغي أن تثير التساؤل حول الوصاية التي تمارسها موسكو على سوريا. ويقول دبلوماسي مطلع على الصراع السوري لصحيفة لوفيغارو: “لاحظنا انخفاضا في تورط القوات الجوية الروسية في الهجمات ضد مناطق المعارضة السورية المسلحة”. فموسكو لديها أولويات أخرى، والهجوم الروسي السوري على إدلب وريفها، آخر معقل لمعارضي حكومة دمشق، لم يعد من الأولويات الروسية. وهذا يأتي لصالح لعبة تركيا، التي لم تكن تشك في تدفق هائل للاجئين السوريين من إدلب في حال حصل هذا الهجوم.

فيما كان أول مؤشر على إعادة تركيا النظر في موقفها هو تصويتها لصالح استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والثاني كان إغلاق المجال الجوي التركي أمام الرحلات الجوية الروسية إلى سوريا.
وأخيرا، فإن التأثير الجانبي النهائي للصراع في أوكرانيا كان تعزيز الصلة بين دمشق وموسكو، حيث يقول الأكاديمي الفرنسي فابريس بالانش: “آمال إعادة تموضع سوريا نحو الغرب، بينما تراود بعض الدول الأوروبية فكرة العودة إلى سوريا، تبدو الآن وكأنها منسية بشكل نهائي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة