أثارت التحركات العسكرية لبغداد في سنجار، بالتزامن مع عملية عسكرية تركية في شمال العراق، وبناء جدار على طول الحدود مع سوريا، مخاوف السكان الإيزيديين المحليين. فمع تصاعد الصراع من أجل السيطرة على منطقة سنجار شمال غربي العراق، يعتقد بعض المراقبين بأن الضغط التركي يكمن وراء التحركات الأخيرة التي قامت بها بغداد في المنطقة، بما في ذلك بناء جدار على طول الحدود مع سوريا والاشتباكات بين القوات الحكومية والميليشيات الإيزيدية المحلية.

ومنذ 18 نيسان/أبريل الماضي تجري عملية تركية جديدة عبر الحدود تسمى “قفل المخلب” في شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت نفسه، نشرت الحكومة العراقية تعزيزات في سنجار، مما أدى إلى اشتباكات مع القوات الإيزيدية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في المنطقة، وفق تقرير نشره موقع “المونيتور” وترجمه موقع “الحل نت”.

وقد اكتسب حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة على أنه جماعة إرهابية بسبب حملته المسلحة التي استمرت قرابة أربعة عقود في تركيا، نفوذا في سنجار منذ أن جاء لنجدة الإيزيديين بعد هجوم تنظيم “داعش” الوحشي على المنطقة في العام 2014. وساعد الحزب المذكور في إنشاء وحدات المقاومة في سنجار، وهي ميليشيا إيزيدية لا تزال لاعبا رئيسيا في المنطقة التي مزقتها الحرب. وتعد هذه المنطقة، التي باتت موطئ قدم لحزب العمال الكردستاني، رابطا مهما بين قواعد الحزب القديمة في جبال كردستان العراق وشمال شرق سوريا. هذا وقد حذرت أنقرة من أنها لن تترك سنجار لتصبح “قنديلا أخرى”، في إشارة إلى مقر حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بكردستان العراق، منفذة غارات جوية في المنطقة.

ويقول مصدر محلي مقرب من الوحدات الإيزيدية إن اشتباكات بين الوحدات المحلية والقوات الحكومية العراقية، بأمر من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اندلعت عندما حاول الجيش العراقي الاستيلاء على نقطة تفتيش يسيطر عليها أسايش إيزيدخان، وهي قوة أمنية تابعة للوحدات الإيزيدية، في شمال غربي سنجار في 18 نيسان/أبريل المنصرم. وكان هناك المزيد من الاشتباكات في وقت لاحق في ذلك اليوم، مما أدى إلى سقوط ضحايا من الجانبين، حيث سيطرت القوات الحكومية على عدة مواقع على طول الطريق السريع 47، وهو طريق حاسم في غرب سنجار. وقد دفع القتال الجيش العراقي إلى إرسال دبابات ومدافع هاوتزر إلى المنطقة.

وكان قد برز ميزان قوى معقد في سنجار بعد هزيمة داعش: فالوحدات الإيزيدية، وأسايش إيزيدخان، وقوات الحكومة العراقية، وميليشيات الحشد الشعبي، وجماعة إيزيدية داخل وحدات الحشد الشعبي، ووحدة أيزيدية داخل قوات “البيشمركة” في كردستان العراق، كلها موجودة في مدينة سنجار والمناطق المحيطة بها. وأحد العوامل الرئيسية التي تشكل المناخ في المنطقة هو انعدام الثقة الدائم بين الإيزيديين تجاه الجيش العراقي وقوات البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، بسبب تخليهم عن سنجار خلال حملة الإبادة الجماعية التي نفذها تنظيم “داعش” الإرهابي في المنطقة.

وقد ساعد انعدام الثقة هذا الوحدات الإيزيدية على تأكيد وجودها في المنطقة وتشكيلها تحالف مع الحشد الشعبي، الذي تم إنشاؤه بالمثل لمحاربة “داعش”. وتبنت وحدات الحشد الشعبي موقفا عدائيا ضد عمليات تركيا عبر الحدود والوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية، وهو موقف يتعارض مع نهج بغداد المرن إلى حد ما.

وبموجب اتفاق تشرين الأول/أكتوبر 2020 مع كردستان العراق بشأن تحقيق الاستقرار في سنجار، اتخذت الحكومة المركزية خطوات لتأكيد سيطرتها على المنطقة، بما في ذلك إنشاء حوالي 10 نقاط تفتيش حول سنجار، لكنها فشلت في تغيير الوضع على الأرض حتى الآن. وفي الآونة الأخيرة، عين الكاظمي محافظ نينوى كمسؤول بالإنابة عن منطقة سنجار في 26 نيسان الماضي، لكنه اضطر للتراجع عن القرار في غضون ساعات بعد اعتراضات الإيزيديين.

والأهم من ذلك، كان إقامة جدار إسمنتي على طول الحدود العراقية السورية لمنع التسلل عبر الحدود، حيث بدأ البناء الشهر الماضي كجزء من مشروع أعقب زيارة الكاظمي لسنجار في بداية العام الجاري. وبحسب مصادر، فإنه من المتوقع أن يمتد الجدار – بارتفاع 3.75 متر وعرض متر واحد – من بلدة فيش خابور الحدودية، على مسافة غير بعيدة من نقطة التقاء الحدود التركية والعراقية والسورية، إلى جنوب غرب سنجار، على بعد مسافة حوالي 200 كيلومتر. كما قامت السلطات العراقية بتركيب سياج من الأسلاك الشائكة على عمق 5 كيلومترات من الحدود موازية للجدار. ونظم قرويون محليون احتجاجات ضد الجدار الفاصل بين القرى العربية والإيزيدية.

فالطريق السريع 47 يؤدي إلى معبر حدودي غير رسمي مع سوريا، حيث استخدمه الإيزيديون للفرار من “داعش”. وقد سيطرت الوحدات الإيزيدية على المعبر في عام 2014، لكنها تنازلت عنه لاحقا لحرس الحدود العراقي.

وعلى الجانب السوري، تسيطر “وحدات حماية الشعب” على المعبر. وعلى الرغم من أن المعبر يستخدم اليوم لأغراض تجارية، فقد تم نقشه كـ “ممر إنساني” أو “طريق هروب” في الذاكرة الإيزيدية. ويقول المصدر المحلي المذكور إن “إغلاق الحدود بهذا الشكل يقطع التجارة ويؤثر على التعاون مع وحدات حماية الشعب ويخيف الإيزيديين، الذين لا يثقون بقوات البيشمركة والجيش العراقي، بعد أن تخلوا عنهم في 2014. وهذا الجدار يثير إحساسا بالحصار. تخيل لو أن الجدار كان موجودا في عام 2014، كان سيتم ذبح جميع الإيزيديين. أين سيهربون إذا حدثت مذبحة أخرى؟”.

ويعد تعطيل مثل هذه المعابر الحدودية أولوية إستراتيجية لتركيا في جهودها لقطع الروابط بين الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق. كما أن إصرار رجب طيب أردوغان على معبر حدودي ثان بين تركيا والعراق، على بعد 15 كيلومترا إلى الغرب من المعبر الحدودي الحالي مع كردستان العراق، نابع بالمثل من مخاوف أمنية، ويهدف إلى فتح طريق بديل إلى تلعفر والموصل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.