في خضم المتغيرات الدولية، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا وظهور إحدى أبرز الأزمات في العالم؛ أي أزمة الطاقة العالمية التي جعلت من بعض الدول النفطية ذات المواقع الاستراتيجية محط أنظار الدول الأوروبية لإيجاد بدائل للطاقة الروسية، ولعل أهم هذه الدول هي دولة ليبيا التي أصبحت موقعا للتنافس المحموم القديم والجديد بين إيطاليا وفرنسا، مؤخرا.

قد تفتح الزيارة الأخيرة التي قام بها زعيم “الجيش الوطني الليبي” المشير خليفة حفتر إلى العاصمة الإيطالية روما، والاستقبال الحار له من قِبل رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الباب أمام حروب النفط والغاز بين إيطاليا وفرنسا على ثروة ليبيا. فمنذ إبراز أزمة الطاقة العالمية، تتحرك كل من إيطاليا وفرنسا وعلى عدة مستويات دبلوماسية عالية تجاه ليبيا، من أجل إبرام عقود واتفاقيات تعاون في مجال النفط والطاقة مع قادة ليبيا.

أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، وقّعت إيطاليا عبر شركة “إيني” للتنقيب عن الغاز داخل المياه الإقليمية الليبية، مع “حكومة الوحدة الوطنية” المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على إثر زيارة ميلوني للعاصمة السياسية طرابلس برفقة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بينتيدوسي، وهو ما فاقم حجم الخلافات بين الفرقاء السياسيين في ليبيا، حيث اعتبر البعض أن الصفقة إهدار لثروة الدولة الليبية.

مع زيارة حفتر اليوم إلى روما، يُفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيارة ستزيد من نفوذ إيطاليا في مجال التعاون الطاقي مع ليبيا، واحتمال أن تتحول منافسة الطاقة بين إيطاليا وفرنسا إلى صراع خفي بارد في المستقبل واحتمالات تحول الساحة الليبية إلى ساحة حرب سياسية بسبب التنافس على ثروة البلاد النفطية، وانعكاسات هذه المنافسة على المشهد العام والعملية السياسية ككل.

تأمين الاستقرار في ليبيا

نحو ذلك، قالت وسائل إعلام إيطالية، إن حفتر وصل يوم الأربعاء في الثالث من أيار/مايو الجاري، إلى روما، والتقى وزير الخارجية في الحكومة الإيطالية أنطونيو تاياني، ومن ثم في اليوم التالي، الخميس، التقى حفتر برئيسة الوزراء الإيطالية.

زعيم “الجيش الوطني الليبي” المشير خليفة حفتر وئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني- “إنترنت”

وكالة الأنباء الإيطالية” (آكي) نقلت عن مصادر برئاسة الوزراء الإيطالية، أن لقاء ميلوني مع حفتر، كان فرصة لتبادل الآراء حول قضايا أساسية ذات اهتمام مشترك، بما في ذلك النمو غير المسبوق لظاهرة الهجرة عبر مياه البحر الأبيض المتوسط نحو إيطاليا.

الوكالة الإيطالية أضافت على لسان المصادر أن اللقاء كان لتأكيد الدعم الإيطالي لعمل “الأمم المتحدة” في ليبيا في إعادة تنشيط العملية السياسية والتي تهدف إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بنهاية 2023، مبينة أن ميلوني استعرضت مع حفتر الأوضاع المزعزعة للاستقرار في ليبيا والدول المجاورة، حيث أعربت ميلوني عن قلق خاص بشأن الصراع الراهن في السودان بين “الجيش السوداني” و”قوات الدعم السريع”.

المحلل السياسي الليبي والمتخصص بالشأن المغاربي، إدريس أحميد، يرى أن التعاون الدولي والمصالح الإيطالية والفرنسية قديمة في ليبيا، وثمة تعاون قديم في البلاد، إذ لدى البلدين تعاون في العديد من المجالات ولعل أبرزها في مجال النفط والغاز، ويتجدد ويتوسع هذا التعاون مع أزمة الطاقة العالمية وهذا أمر طبيعي، فكل دولة تبحث عن مصالحها.

قد يهمك: أزمة بين المغرب ومصر بسبب البوليساريو.. ما التفاصيل والنتائج؟

فيما يتعلق بزيارة المشير حفتر، يعتقد أحميد وفق حديثه لموقع “الحل نت”، أن الزيارة جاءت بدعوة من الجانب الإيطالي، وتركيز روما اليوم يتمحور حول ملف الهجرة غير الشرعية من البحر المتوسط نحوها، ورؤيتها وورقتها لمعالجة هذا الأمر هو التعاون مع جهة رسمية تملك القدرة على القيادة العامة في “الجيش الوطني الليبي”، فكانت هذه الزيارة مبنية على أساسها.

كما يرى أحميد أن زيارة حفتر كقائد أعلى للجيش تحمل بالتأكيد رؤية ودورا مهما للقيادة العامة فيما يتعلق بالجانب العسكري والأمني ​​في البلاد بشكل عام. وهذا يعزز من تطور الاتفاقيات النفطية مع ليبيا، بالنظر إلى أن حالة عدم الاستقرار في البلاد ستُعيق استمرار عمليات الشركات النفطية كما حدث في السابق في دولة تونس. وربما التوافق مع قائد عسكري، يأتي من باب تأمين أمن واستقرار هذه الشركات على أقل تقدير، وإن لم يحدث الاستقرار العام والكامل في البلاد.

كما أن اختيار حفتر ربما يأتي لسبب أن حكومة الدبيبة غير مخولة بعقد اتفاقيات طويلة الأمد وفقا لاتفاقية جنيف، وبتلك الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين حكومته وإيطاليا مؤخرا، سيكون مصيرها مثل باقي الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها سابقا بين البلدين؛ حكومة الدبيبة وتركيا التي صدر بشأنها قرار من “مجلس الأمن الدولي” برفضها الكامل. ولهذا اختارت إيطاليا التعاون مع حفتر ربما.

كذلك، فيما يخص التعاون مع حفتر ربما ارتأت روما أن تعزيز العلاقات بالعسكريين في ليبيا قد يحقق لها ما ترنو إليه، وغير مستبعد أن تقوم روما بالتعاون مع كافة الفرقاء والأطراف الليبية، فمن جهة ستحقّق مصالحهم، ومن جهة ستؤمّن ما تسعى إليه. على عكس فرنسا التي تقيم علاقات مع طرف واحد وتفقد مواقعها في بعض الأماكن بإفريقيا مؤخرا، وهو ما يضعف فرصها في التوافق معها من قبل الأطراف الليبية.

منافسة مستمرة

في سياق الاتفاقية النفطية بين إيطاليا وليبيا، ذكرت مصادر بأنها قد تصل إلى 8 مليارات دولار وتستمر لمدة 25 عاما، إذ تزوّد بموجبه طرابلس روما بكميات كبيرة من الغاز، لتعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا، وقد قوبلت بجملة من الانتقادات والرفض، حيث قال نائب رئيس “المجلس الأعلى لقبائل ليبيا”، حينها إن الإغلاق يشمل خطوط إمداد الغاز إلى إيطاليا في كامل المناطق الواقعة في سرت وفي الجنوب الشرقي للبلاد. وقال أيضا إن الاتفاق أضاع حقوق الليبيين، واعتبره إهدارا للمال العام، مضيفا أن الاحتقان في الشارع وصل إلى درجة غير مسبوقة.

في المقابل، دافع الدبيبة عن الاتفاقية وقال إنها استثمار غير مسبوق وتصب في مصلحة البلاد. وحسب اعتقاد الدبيبة، فإن التّأخر في تنفيذ هذا المشروع يعني أن ليبيا ستتحول في عام 2027 من دولة مصدّرَة للغاز إلى دولة مستورِدة. وأضاف أن بلاده في أمسّ الحاجة لإعادة تفعيل مشروعات الغاز وتطويرها بشكل عاجل لأن الدراسات الرسمية والبيانات الدولية تؤكد أن التّأخر سيسبب نقصا في قدرة ليبيا على إنتاج الغاز، لاسيما وأن الاتفاقية وقِّعت في الأساس منذ عام 2008، وفقا لتقرير سابق لقناة “العربية“.

منشأة نفطية في مدينة البريقة الليبية- “أ ف ب”

بالعودة إلى المحلل السياسي الليبي، فإن موضوع الاستثمار في الطاقة يخص الدولة الليبية ووزارة الطاقة والنفط، والمنافسة في هذا الجانب بشكل عام أمر طبيعي ووارد، فهناك دول أخرى تريد الاستثمار في ثروة الطاقة بليبيا. وانخراط دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا في التعاون مع ليبيا في مجال النفط والطاقة أمر طبيعي وسط الظروف العامة، خاصة بعد أزمة الطاقة العالمية.

لذلك، لا شك أنه ستكون ثمة منافسة كبيرة على النفط والغاز الليبي، بين إيطاليا وفرنسا، ومن يملك القدرات والإمكانيات ومن المفترض أن يقدم مصلحة لليبيا ككل. يعتقد أحميد أنه سيحظى بتعاون أكبر في مجال الطاقة مع القادة في البلاد. وبالتالي ليس مستبعدا أن يفتح هذا الأمر باب صراع خفي بين باريس وروما، لا سيما أن ليبيا تمتلك ثروات ضخمة من المنتجات الطاقية وتُصنّف من أغنى الدول بهذا المجال، فهي تمتلك أكبر احتياطي في إفريقيا بـ 40 مليار برميل لا يتقاسمه إلا حوالي 6 ملايين شخص، مما يجعل من ليبيا محل مطامع إيطاليا وفرنسا والدول الأخرى أيضا.

من جانب آخر، فإن تحرك فرنسا الأخير بهدف عقد قمة ليبية على المستوى الأمني والعسكري في باريس، دفع إيطاليا إلى التحرك أيضا على المستوى العسكري الذي ترجم سريعا من خلال اللقاء بحفتر والحديث عن التنسيق الأمني والعسكري بين القطبين وآخر نتائج اجتماعات مجموعة “5+5” العسكرية، وفق المراقبين لموقع “اندبندنت”.  

حروب داخلية؟

كذلك وارد أن يؤجج هذا التنافس الصراع الداخلي بين الأطراف الليبية المتحاربة منذ سنوات، خاصة وأن النفط كان يشكّل طوال العقود الماضية العمود الفقري لاقتصاد طرابلس، وبات اليوم وقودا للصراع المسلح بين الشرق والغرب وسببا في المشاكل الداخلية، على حسب تحليله.

بالإضافة إلى أن الثروات النفطية أصبحت عاملا من عوامل الانقسام بين الأحزاب السياسية ورهينة الصراعات العسكرية والصراعات المسلحة، حيث تتنافس القوى الداخلية في الشرق والغرب، ومن ورائها القوى الخارجية التي تدعمها، بغية السيطرة على أكبر حصة من حقول النفط الرئيسية في البلاد والفوز بإدارة هذا القطاع الحيوي والغني، وهو دليل جلي على الدور الذي يلعبه النفط اليوم في إثارة الانقسامات والتوترات داخل البلاد.

بالتالي يعتقد أحميد أنه في ظل هذه الظروف وعدم استقرار الدولة الليبية سواء أكان أمنيا أم سياسيا، يظل الحديث عن الطاقة مجرد حديث يفتقر إلى استقرار الدولة الليبية بحيث يؤمن مصالحها وشعبها الحقيقية، أو أن لا يحدث انقسام أو توتر أكبر في البلاد، إلا إذا كانت هناك جهود دولية بالتزامن مع هذه التعاونات النفطية من أجل حل معضلة الانسداد السياسي في البلاد.

فرنسا لديها رؤية قديمة في القارة الإفريقية، وخاصة جنوب ليبيا، ويقول أحميد إن هذا هو الدور الفرنسي، لكن من غير المعروف أسباب فقدان فرنسا دورها في بعض الأماكن في القارة السمراء، سواء في مالي أو بوركينا فاسو. أما إيطاليا فمصالحها تكمن حول التعاون في مجال النفط والغاز وهي تحاول إيجاد حل لقضية الهجرة غير الشرعية أيضا.

هذا وتأتي زيارة حفتر إلى روما بالتزامن مع إعلان منظمة إيطالية تسمى “آرا باتشي للسلام” عن مشروع في مدينة سبها جنوب ليبيا، يتعلق بإنشاء مركز الصحراء للسلام في ليبيا.

إجمالا، تحاول روما تحقيق نوع من التوازن في تحركاتها الدبلوماسية في ليبيا من أجل الحصول على أكبر استثمارات نفطية في البلاد، وإضعاف الدور الفرنسي قدر الإمكان ربما، خاصة وأن إيطاليا تحاول أيضا التحرك نحو مستوى دعم العملية الانتخابية بالتوازي مع جهود “الأمم المتحدة” لإرساء الأمن والاستقرار بالبلاد، وتعاونها مع حفتر اليوم، بعد الدبيبة، وربما الفترات المقبلة، يحمل معه تعاونا إيطالياً مع أطراف أخرى، وهو ما قد يعزز من هذا الدور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات