بعد نحو عام من استقرار العلاقات المصرية المغربية التي مرت بسنوات من التوترات على خلفية الموقف المصري الداعم لقضية “البوليساريو”، حتى أن عاد الحديث مجددا عن إمكانية عودة ذلك التوتر بين الجانبين، على خلفية مشاركة مساعد رئيس أركان حرب ‏القوات المسلحة المصرية، اللواء أركان حرب عصام الجمل، في فعالية نظمتها الجزائر وحضرها قائد عسكري في جبهة “البوليساريو”.

كانت العاصمة الجزائرية قد شهدت السبت الماضي، الاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في “قدرة إقليم شمال إفريقيا”، والذي حضره كل من قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، ومساعد رئيس أركان حرب ‏القوات المسلحة المصرية اللواء أركان حرب عصام الجمل، ورئيس هيئة الأركان العامة لحكومة ‏الوحدة الوطنية الليبية الفريق أول محمد وسط غياب ممثلين عن تونس وموريتانيا.

الاجتماع الذي يُعد الأول من نوعه الذي يجمع قادة عسكريين من ليبيا ومصر، مع قيادات عسكرية من جبهة الـ “بوليساريو”، خُصّص لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بحالة التعاون العسكري وبناء القدرات لجيوش دول المنطقة، وآليات تطوير التعاون بين مكوناتها.

عودة التوتر بين مصر والمغرب؟

بالتالي، فإن حضور القائد العسكري المصري للاجتماع فتح الباب على تساؤلات عدة بشأن مدى إمكانية أن تؤثر هكذا خطوة على ملف العلاقات بين الرباط والقاهرة، وذلك في الوقت الذي التزمت فيه المغرب الصمت ولم تعبّر عن أي موقف إلى حد الساعة عن المشاركة المصرية على وجه الخصوص.

لكن ذلك أعاد إلى الأذهان ما عاشته علاقات البلدين من توتر في السنوات الماضية بسبب الـ “بوليساريو”، كان من أبرز صورها زيارة وفد إعلامي مصري كبير، في حزيران/يونيو عام 2014، لمخيمات تندوف في الجزائر، تلتها حملة صحافية جرى خلالها استضافة زعيم الـ “بوليساريو” السابق محمد عبد العزيز، في العديد من الصحف والمجلات المعروفة بمصر.

ليس ذلك فحسب، بل تزايدت التوترات بين الجانبين حينها عندما زار وفد مصري رسمي، يرأسه وكيل وزارة الثقافة، بين 24 و26 تشرين الأول/أكتوبر 2014، لمخيمات تندوف بالجزائر، حيث التقى بمسؤولين من الـ “بوليساريو” من بينهم زعيم الجبهة.

على الرغم من ذلك، حاولت مصر عبر سفارتها بالرباط نفي وجود أي مسؤول مصري في مخيمات تندوف، معتبرة أن الزيارات التي يجريها أفراد مصريون إلى تندوف لا تتعلق بالدولة المصرية، كان لافتا اختيار الرباط لغة “الصمت” في تدبير توتر مع القاهرة، إثر مشاركة وفد من جبهة الـ “بوليساريو” في “مؤتمر البرلمان العربي الإفريقي” بمدينة شرم الشيخ المصرية في تشرين الأول/أكتوبر 2016.

لكن مصر أصرت على تبرير الموقف بطريقة ما، حيث قال رئيس لجنة الإعلام والثقافة بـ “مجلس النواب” أسامة هيكل، في تصريح لصحيفة محلية، إن “البرلمان” المصري لم يوجه أي دعوات رسمية لوفد الـ “بوليساريو” للمشاركة في الاحتفال بمرور 150 عاما على تأسيسه.

هذه الحالة التي تتصاعد احتمالية تجدّدها بين الرباط والقاهرة، انتهت العام الماضي، عندما دشّن البلدان مسارا جديدا لتعزيز التعاون الثنائي، خلال زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى المغرب في التاسع من أيار/مايو من العام الماضي، من خلال تفعيل آليات التنسيق السياسي والاقتصادي وتعزيز التبادل الثقافي.

موقف مصري واضح

شكري أكد آنذاك، خلال زيارته، دعم بلاده للوحدة الترابية للمملكة المغربية والتزامها الحل الأممي لقضية الصحراء، وكذا تأييدها لما جاء بقرارات “مجلس الأمن” ممثلة في القرار رقم 2602، الذي رحّب بالجهود المغربية المتّسمة بالجدّية والصدقية، والرامية إلى المضي قدما نحو التسوية السياسية حول قضية الصحراء الغربية التي تسعى جبهة الـ “البوليساريو” فرض سيادتها عليها.

الاجتماع العاشر لوزراء دفاع للدول الأعضاء في “قدرة إقليم شمال إفريقيا”/ إنترنت + وكالات

وسط ذلك، بقي الحديث قائما عن مشاركة المسؤول العسكري المصري الرفيع إلى جانب قائد الـ “بوليساريو”، حول مدى انعكاسه سلبا على علاقات الرباط والقاهرة، غير أن المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق، قال في هذا الإطار، إنه ليست هناك حاليا أي مؤشرات على وجود أزمة حقيقية بين المغرب ومصر بسبب ما حدث في اجتماع القادة العسكريين في الجزائر. 

لزرق أضاف في حديث مع موقع “الحل نت”، من الصحيح هناك تذمّرا مغربيا مما وقع في الاجتماع الذي عُقد في الجزائر، لكن ذلك لم يصل إلى مستوى الأزمة بعد، وأن المغرب لا تزال تترقب المواقف بشكل هادئ.

وفق لزرق، فإن العلاقات بين المغرب ومصر قد تكون تأثرت سلبا بسبب هذه الحادثة، لكن الكل ينتظر تبرير القاهرة للحديث عن مستقبل العلاقات المغربية المصرية، ومدى القدرة على احتواء التوتر وتداعياته على مستوى تأجيج الصراعات الإقليمية والانتماءات السياسية المختلفة في المنطقة.

المحلل السياسي المغربي، لا يعتقد أن العلاقات بين المغرب ومصر هشة إلى هذا الحد، مبيّنا أن التحولات الحاصلة بالمنطقة اليوم، تعود إلى التأثر بالتقلبات الدولية والصراعات الإقليمية والمصالح الاقتصادية والسياسية.

 من جهته، قال مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية الأسبق، اللواء أركان أحمد كامل، إن المؤتمر قد انعقد في الجزائر، وهي المسؤولة عن إرسال الدعوات للحضور، ولا يخفى أن الجزائر تمتلك علاقات مع “البوليساريو”، غير أن مصر حريصة على استمرار العلاقات الجيدة مع حكومة وشعب المملكة المغربية.

اللواء أركان كامل، أشار في حديث لموقع “الحل نت”، أن ما أنتج عنه الاجتماع من أجواء حالية، هي عبارة عن سحابة صيف ستمرّ سريعا لأن العلاقات بين مصر والمغرب عميقة وتاريخية ولن تتأثر بالأزمة المسارة حاليا، لافتا إلى أن الموقف المصري الرسمي من هذه القضية واضح ولا تغيير فيه.

“البوليساريو” تتمسك بمشروعها

وسط ذلك، جددت جبهة “البوليساريو”، أمس الأربعاء، تمسكها باستخدام كافة الوسائل المشروعة للدفاع عن الحقوق المقدسة للشعب الصحراوي وتطلعاته الوطنية في التحرر والاستقلال.

عناصر من جبهة “البوليساريو”/ إنترنت + وكالات

جبهة “البوليساريو” وفي بيان صادر عن تمثيلية الجبهة بـ “الأمم المتحدة” بمناسبة الذكرى الـ 50 لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أوضحت أنها مصممة بنفس القدر على استخدام كافة الوسائل المشروعة للدفاع عن الحقوق المقدسة للشعب الصحراوي وتطلعاته الوطنية في التحرر والاستقلال.

الخلاف بين “البوليساريو” والرباط، يتمحور حول قضية الصحراء الغربية، وهي منطقة شاسعة تقع شمال غربي إفريقيا ومساحتها حوالي 266 ألف كيلومتر مربع، ويدير المغرب نحو 80 بالمئة منها والباقي تديره جبهة “البوليساريو”، في حين تشير التقديرات إلى أن عدد السكان حوالي نصف مليون، يتوزعون على المدن الرئيسية في المنطقة، التي خضعت للاستعمار الإسباني في الفترة الممتدة من 1884 إلى 1976 وبعد خروجه تنازع عليها المغرب وجبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر. 

“البوليساريو”، هو اسم تمّ انتقاء حروفه الأولى لعبارة اسبانية تعني “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وتأسست الجبهة في 20 أيار/مايو 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية، الأمر الذي فتح الباب على النشاط العسكري لـ “البوليساريو” التي تلقت الدعم من قبل الجزائر وليبيا، أثناء الإستعمار الإسباني للمنطقة.

جدير بالذكر، أن أزمة الصحراء الغربية تعتبر واحدة من أطول الصراعات السياسية والانسانية في العالم، التي تسببت بأعمال عسكرية واسعة، دفعت الكثير من الصحراويين للجوء إلى الجزائر حيث يقيمون في مخيمات منذ عقود.

الجبهة كانت قد أعلنت ما بين 1975 و1976 تأسيس “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وشكلت حكومة في منطقة تندوف بأقصى الجنوب الجزائري، وتولى رئاسة الجبهة مصطفى سيد الوالي الرقيبي لمدة ثلاث سنوات منذ تأسيسها عام 1973 حتى مقتله في 9 حزيران/يونيو 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط، فخلفه محمد عبد العزيز أمينا عاما للجبهة ورئيساً لمجلس قيادة الثورة من آب/أغسطس 1976 حتى وفاته في أيار/مايو عام 2016 عندما تولى إبراهيم غالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات