العلاقات الأميركية التركية تحيط بها العديد من القضايا العالقة، لا سيما صفقة طائرات “إف-16″، التي تُعد من أبرز القضايا العالقة بين البلدين، وكانت حاضرة بقوة خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لواشنطن، يوم الأربعاء الفائت.

الدولتان؛ تركيا والولايات المتحدة تسعيان إلى تهدئة سلسلة من الخلافات بينهما، حيث تركّز الخلاف الأكبر على شراء تركيا صواريخ روسية الصنع، خلال زيارة جاويش أوغلو لواشنطن هذا الأسبوع، لكن التوقعات بإمكانية حل القضايا العالقة منخفضة، خاصة معارضة أعضاء “مجلس النواب الأميركي” (الكونغرس) بشأن شراء أنقرة مقاتلات من طراز “إف-16”.

زيارة جاويش أوغلو هي الأولى منذ تولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مهامها منذ ما يقرب من عامين، وقد طغت على هذه الزيارة ملف صفقة “إف-16” وحرب أوكرانيا ورفض أنقرة الموافقة على منح عضوية “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) للسويد وفنلندا.

هذه الزيارة تأتي في وقت تسعى فيه إدارة بايدن للنأي بنفسها عن تركيا، بسبب تنامي توجهات وسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي تقيّد الحقوق والحريات، بجانب سياسة حكومة أنقرة تجاه سوريا، من حيث خطط تركيا لشن عملية عسكرية في سوريا، و اعتزامها إعادة العلاقات مع حكومة دمشق.

أسباب خلافات البلدين

وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أشاد يوم الأربعاء الفائت، بالدور الذي لعبته أنقرة في التوصل لاتفاق الحبوب عبر الأسود، في وقت رجّح فيه نظيره التركي جاويش أوغلو موافقة واشنطن على بيع طائرات “إف-16” لأنقرة.

بلينكن، قال عقب استقباله جاويش أوغلو في العاصمة واشنطن “أحيي الدور الاستثنائي الذي لعبته تركيا في التوصل إلى ممر البحر الأسود لإيصال المواد الغذائية في العالم”، مضيفا “نحن حلفاء لتركيا، ولكن هذا لا يعني عدم وجود خلافات بيننا”.

تمر العلاقات الأميركية التركية بمرحلة شديدة التعقيد في ظل حرص الجانبين على إبقاء قنوات التواصل الدبلوماسية قائمة، حسبما يرى الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأميركي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، والذي يعتقد أن الجانب الأميركي يشعر بأن القيادة التركية تلعب على الحبلين مستغلّة موقعها الجغرافي الاستراتيجي المميز لتحقيق المكاسب واستغلال الحرب الأوكرانية لتوسيع النفوذ الجيوسياسي، على سبيل المثال قامت تركيا بشجب الهجوم الروسي على أوكرانيا ولكن في نفس الوقت لم تؤيد العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو.

كذلك، تنظر الإدارة الأميركية بعين الريبة إلى الطموحات التركية، فهي متواجدة عسكريا في البوسنة و قطر، و تدخلت في الحرب الليبية والسورية ودعمت القوات الأذرية في حربها مع أرمينيا، وفق ما أضاف سنكري لموقع “الحل نت”. كما أن سلوك أردوغان الداخلي وسياسة التضييق على الحريات وحبس الصحفيين والتعامل مع الملف الكردي سواء في تركيا أو سوريا، يشكّل نقطة خلاف أساسي بين الدولتين، بحسب وجهة نظر سنكري.

قد يهمك: اشتعال حرب في بحر الصين.. ما الاحتمالات؟

أيضا، امتلاك تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي “إس-400” وتّر العلاقة مع واشنطن بشكل مباشر، حيث ردت الأخيرة بإقصاء أنقرة من برنامج “إف-35” وستزوّد أثينا، المنافس اللدود لأنقرة، بتلك المقاتلات، وفق سنكري.

ثمة نقاط خلافية أخرى بين واشنطن وأنقرة، مثل مسألة بنك “خلق” التركي، وفي السياق بدأت المحكمة العليا الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي، النظر في استئناف تقدم به بنك “خلق” التركي في التّهم الموجهة إليه بانتهاك العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران.

هذا ويسعى البنك إلى إقناع المحكمة العليا أنه بصفته مصرفا مملوكا من الدولة التركية فهو يتمتع بالحصانة بموجب قانون حصانات السيادة الأجنبية الأميركي. واتهمت محكمة أميركية بنك “خلق” عام 2019 بالمشاركة في مخطط استمر مدة عام لغسل مليارات الدولارات من عائدات بيع النفط الإيراني في انتهاك للعقوبات الأميركية.

فرص إتمام صفقة “إف-16”

في المقابل، أعرب جاويش أوغلو، بدوره عن أمله في أن توافق الولايات المتحدة على بيع مقاتلات من طراز “إف-16” لتركيا، خلال اجتماعه في واشنطن مع نظيره الأميركي.

جاويش أوغلو، قال إن” أنقرة تريد بحث التعاون الدفاعي الثنائي خاصة طلبنا للحصول على طائرات إف-16″. وتوقع الوزير التركي أن توافق الولايات المتحدة على بيع طائرات “إف-16″، “تماشيا مع مصالحنا الاستراتيجية المشتركة”.

إدارة الرئيس بايدن تعتزم تقديم طلب للحصول على موافقة “الكونغرس” على بيع مقاتلات “إف-16” لتركيا وطائرات “إف-35” لليونان في عملية منفصلة، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” هذا الأسبوع.

هذا ويعتبر تسليم مقاتلات “إف-16″ لتركيا و”إف-35” لليونان، مسألة حساسة بالنسبة إلى الحكومة الأميركية، رغم أنها لا تمانعه، لكنه موضوع يعارضه نواب أميركيون بمن فيهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الديموقراطي، روبرت مينينديز.

بالعودة إلى الباحث في الشأن الأميركي، فقد قال إن زيارة وزير الخارجية التركية تأتي في سياق إبقاء العلاقات والتواصل والطلب المباشر ببيع مقاتلات “إف-16” للجانب التركي إضافة إلى 900 صاروخ و800  قنبلة وهو ما أحاط “البيت الأبيض” أعضاء “الكونغرس” به رغم وجود اعتراضات من العديد من الأعضاء عليه، حيث يرون بأن تركيا تبتز الولايات المتحدة، وتستغل الأوضاع القائمة لتعزيز نفوذها والكسب من الجهتين سواء من الجانب الغربي أو من الجانب الروسي. حتى إن بعض الأصوات تعالت بضرورة طرد أنقرة من “الناتو”، رغم عدم وجود آلية واضحة للقيام بهذه الخطوة.

الأعضاء البارزين في “الكونغرس” أكدوا للإدارة الأميركية موافقتهم على الصفقة مع تركيا والتي تزيد عن 20 مليار دولار، شريطة موافقة أنقرة لانضمام هلسنكي وستوكهولم لحلف “الناتو”، بجانب بعض الأمور الأخرى، وفق ما يعتقده سنكري أيضا.

هذا وترغب تركيا في الحصول على 40 مقاتلة “إف-“16، بالإضافة إلى قطع الغيار اللازمة لصيانة الطائرات التي تملكها من هذا الطراز وتحديثها. وأكد الرئيس بايدن، أنه يدعم تسليم هذه المقاتلات لتركيا خلال اجتماع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة لحلف “الناتو” في مدريد حزيران/يونيو الماضي.

طائرات من طراز “إف-16” “إنترنت”

هذا وتقدمت الدولتان الاسكندنافيتان بطلبٍ للحصول على عضوية “الناتو” العام الماضي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن يتعين موافقة جميع الدول الأعضاء الثلاثين في الحلف على الطلبَين اللذين لم تصادق عليهما أنقرة والمجر بعد.

سياسة تركيا تجاه سوريا

بحسب تقدير سنكري، فإن كل ما يجري مع تركيا والسخط الأميركي الصامت يجعل صنّاع القرار في واشنطن يعتمدون مقاربة براغماتية بعيدة عن الأيديولوجية وتضع المصالح في المرتبة الأولى. حيث أصبح هناك شبه إجماع على أن واشنطن “إن أرادت قيادة العالم يجب أن تكون أكثر تواضعا وأن تتمتع بمرونة دبلوماسية ورسم خطط مستقبلية مبتكرة للسياسة الخارجية تتقبل بروز قوى إقليمية دون أن تشكل تهديد استراتيجي للمصالح الأميركية”.

بدوره، يرى مراقبون أن واشنطن لن تمضي على الأرجح في صفقة البيع ما لم يتراجع مينينديز عن معارضته، الأمر الذي يعتمد على مدى تغير سلوك أنقرة، سواء فيما يتعلق بسياساتها تجاه العديد من الدول، لا سيما روسيا وسوريا، أو موافقتها على عضوية السويد وفنلندا لحلف “الناتو”، فضلا عن تدخلاتها العدائية في شؤون بعض الدول الأخرى، مثل ليبيا وغيرها، بجانب سياساتها تجاه الحقوق والحريات داخل تركيا.

قد يهمك: الغزو الروسي لأوكرانيا.. نظرة في أهداف إيران الاستراتيجية

السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، قال في بيان “الهجمات المتكررة التي شنها الرئيس التركي أردوغان، على حلفائنا الأكراد السوريين واستمرار التقارب مع روسيا، بما في ذلك تأخير عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو، ما زالت تمثل أسبابا جدية للقلق”، مضيفا “كما قلت من قبل، لكي تستلم تركيا طائرات إف-16، نحتاج إلى تأكيدات بأنه سيتم معالجة هذه المخاوف”.

حول هذه المسألة، شدد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، على أن الولايات المتحدة تواصل دعم تسليم مقاتلات “إف-16” لتركيا مع الإقرار بمخاوف “الكونغرس”، موضحا “ما زلنا قلقين جدا بشأن استمرار المضايقات القضائية في تركيا لأفراد من المجتمع المدني والإعلام وقادة سياسيين ورجال أعمال”.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أردف بالقول “قلقون من أي جهود أحادية في سوريا يمكن أن تؤثر سلبا على التطلعات لعقد حل سياسي لإنهاء الصراع، ونحث أنقرة على احترام حرية التعبير في البلاد”.

في العموم، يبدو أن حل القضايا الخلافية بين واشنطن وأنقرة ضئيل للغاية، طالما أن سياسة أنقرة هي “سياسة مصالحية”، وتستغل كل الظروف لجهة تعزيز نفوذها، كما لا يمكن دائما الوثوق بحكومة أنقرة، نظرا لأنها تغير توجهاتها بما يتماشى مع مصالح بلادها فقط، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية، وبالتالي فإن موافقة “الكونغرس” على بيع مقاتلات “إف-16” لأنقرة تبدو بعيدة بعض الشيء. لكن الملفات الأخرى، تبدو أبواب كل الاحتمالات مفتوحة أمامها، مثل الملف السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.