بات النواب المستقلون في العراق يلعبون دورا مهمة في الأزمة السياسية العراقية، التي دخلت شهرها السابع. ويرجع استمرار الأزمة إلى عجز السياسيين العراقيين عن تجاوز صراعاتهم، والتفاوض على حل يرضي جميع الأطراف.

ويبدو أن حرب المبادرات السياسية، الرامية الى كسب تحالفات جديدة، هي آخر فصول هذه الصراعات، إذ يتنافس قطبا الأزمة، أي التيار الصدري والإطار التنسيقي الموالي لإيران، على استقطاب النواب المستقلين. ما يساعدهما على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر.

ولكن ما موقف النواب المستقلين في العراق، والذي ينتمي معظمهم لانتفاضة تشرين، من محاولة استقطابهم من قبل القوى السياسية التقليدية؟

مبادرات متعددة

كشف الإطار التنسيقي، في بيان صحفي، عن مبادرة دعا فيه جميع الأطراف السياسية الى “الحوار دون قيد أو شرط”. وأكد أن “نجاح مبادرته سيوفر الغطاء الآمن للمعارضة النيابية، وتمكين صوتها داخل مجلس النواب”. إضافة الى الوعد بـ”إعادة مراجعة جميع العقود والملفات السابقة، والتي تثار حولها شكوك بالفساد”.

ومن أبرز ما أثار اهتمام المراقبين في المبادرة، المكونة من ثماني عشرة نقطة، النقطة الرابعة، التي دعا فيها الإطار التنسيقي النواب المستقلين إلى “التفاوض وترشيح شخصية مستقلة لرئاسة الجمهورية، بشرط أن يحظى مرشحهم بالقبول بين كتل المكون الأكبر”، دلالة على المكون الشيعي. وهي إشارة تعبّر عن محاولات الإطار التنسيقي إلى دفع الصدر للتعاون معه، لتشكيل كتلة نيابية شيعية كبيرة، تنبثق منها الحكومة العراقية المقبلة. في عودة الى عرف المحاصصة السياسية المتبع منذ عام 2003.


بالمقابل يتمسك الصدر بإبعاد الإطار التنسيقي عن قائمة مفاوضاته. فيما يتوجه بدوره إلى النواب المستقلين في العراق، معطيا إياهم مهلة خمسة عشر يوما، من أجل تشكيل تحالف مكوّن من أربعين نائبا مستقلا، للتفاوض مع تحالفه، وتشكيل حكومة مستقلة.

لماذا التوجه للنواب المستقلين في العراق؟

توجيه المبادرات السياسية الى النواب المستقلين في العراق على وجه الخصوص يرجع الى عدم قدرة الأطراف السياسية المتصارعة على تشكيل الكتلة النيابية الأكبر، بسبب تقارب عدد مقاعدها داخل البرلمان. فقد وصل عدد مقاعد تحالف إنقاذ وطن، بقيادة التيار الصدري، إلى مئة وخمسة وسبعين مقعدا، يقابله مئة وسبعين مقعدا للإطار التنسيقي والقوى المتحالفة معه. ما يجعل من الصعب استيفاء عدد الأصوات اللازمة لإنتخاب رئيس الجمهورية، الذي حدده الدستور العراقي بثلثي أعضاء البرلمان.

وضمن هذه السياق تحدث مصدر سياسي مطلع لـ”الحل نت”، شريطة عدم الكشف عن اسمه، مؤكدا أن “الكتل السياسية التقليدية أدركت صعوبة تحقيق طموحاتها، بعيدا عن الدور الذي يلعبه النواب المستقلون في العراق، والذين تساهم قوتهم العددية في تعديل الخلل الحاصل في ميزان القوى السياسية”.

وعن قدرة هذه المبادرات على كسب النواب المستقلين يؤكد المصدر أن “القوى السياسية التقليدية تلقت إشعارات إيجابية من قبل بعض النواب المستقلين، ولكن الحكم على النتائج النهائية للمبادرات ما يزال مبكرا حاليا”.

وإجابة على سؤال “الحل نت” حول أكثر المبادرات قبولا بين النواب المستقلين في العراق يفيد المصدر أن “هناك توجها لدى البعض نحو مبادرة الصدر، بإعتبارها الأقرب الى طموح المستقلين. ولكن هذه المواقف متبدلة وفق المتغيرات السياسية”. وتاليا يرجّح المصدر أن “يحصل انشقاق بين المستقلين بسبب تعدد المبادرات”.

الانقسام بين المستقلين

زادت المبادرات السياسية من حدة الانقسامات الحاصلة بين النواب المستقلين في العراق. ويرجع هذا الانقسام الى سببين رئيسيين، بحسب مصدر مقرّب من القوى السياسية المستقلة، رفض ذكر اسمه لدواع سياسية.

ويرجع المصدر، في إفادته لـ”الحل نت”، السبب الأول إلى” تأثير الجماهير على المستقلين، فهناك في الشارع العراقي من يرفض توافقهم مع الكتل السياسية التقليدية، فيما يدعم آخرون هذا التوافق من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة”.

مقالات قد تهمك: الموازنة المالية العراقية: ما نتائج عجز القوى السياسية عن إقرار خطة اقتصادية للعام الحالي؟

أما السبب الثاني، بحسب المصدر، فهو “سيادة النزعات الفردية لدى بعض النواب المستقلين في العراق، ورغبتهم بالتفاوض مع الكتل السياسية، التي يمكن أن تحقق لهم طموحاتهم السياسية”.

فرصة قد لا تتكرر للنواب المستقلين

إضافة إلى كل ما سبق فإن هناك كثيرا من الشكوك حول المبادرات الموجهة للنواب المستقلين في العراق، وكونها تعبّر عن أغراض خفية، غير التي أعلن عنها.

الباحث السياسي عثمان الموصلي يؤكد هذه الشكوك، معتبرا أن “المبادرات المعلنة هي بمثابة ضربة استباقية، تحاول القوى السياسية التقليدية توجيهها إلى النواب المستقلين في العراق، من أجل القضاء على مساعي وحدتهم”.

مضيفا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “القوى السياسية التقليدية أدركت أن توحد جهود المستقلين قد يهدد استمرار وجودها السياسي خلال السنوات القادمة، ولذلك تم تقديم المبادرات في أوقات متقاربة، من أجل احتواء أصوات النواب المستقلين بين كفتي الصراع السياسي، وإبعاد الخطر الذي تشكله وحدتهم السياسية”.

ويؤكد الموصلي أن “أمام النواب المستقلين في العراق فرصة واحدة، قد لا تتكرر خلال الفترة القادمة، لإحداث تغيير في السياسة العراقية. وإذا أرادوا استغلال هذه الفرصة فعليهم التوحد، وفرض شروطهم الخاصة على الكيانات التقليدية، من أجل تعزيز مكانتهم السياسية. فيما سيؤدي ضياع تلك الفرصة الى تفرقهم داخل كتل سياسية مختلفة، ومن ثم فشل مشروعهم الجماهيري، الذي انتخبوا لأجله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.