ذكرت تقارير هذا الأسبوع أن روسيا تنقل وحدات من سوريا لدعم حربها في أوكرانيا. ولربما تستفيد إيران من ذلك، من خلال نقل وحداتها أو الميليشيات الموالية لها، بطريقة ما إلى المناطق التي يغادرها الروس، مما يؤكد الفوائد التي تجنيها طهران من التحركات الروسية. إلا أنه من غير الواضح تماما ما إذا كان بإمكان إيران نقل الوحدات إلى المناطق التي يغادرها الروس فعلا، أو ما إذا كان الروس ينقلون الوحدات بالفعل بشكل نهائي أو أنهم يقومون فقط بتبديل مناوبات هذه الوحدات.

كما أن هناك احتمال آخر، وهو أن التقارير التي تفيد بنقل روسيا وحدات لها من سوريا ليست إلا معلومات مسربة تهدف إلى إبراز روسيا وكأنها تفشل في أوكرانيا، أو لإحداث فوضى إعلامية أخرى فيما يخص سوريا وإيران. وحتى لو كانت روسيا تنسحب من مناطق في سوريا، فإن ذلك ربما لا يفيد إيران، لأنه بينما تفضل طهران استخدام روسيا كنقطة انطلاق لتهديداتها، فإنها تفضل الاختباء تحت الغطاء الروسي هناك، وهو ما منح بعض الشرعية والأمن المفترضين للنظام السوري. فمع وجود روسي أقل في سوريا، يمكن لأماكن الوجود الإيراني أن تكون مكشوفة أكثر حتى لو استفادت على المدى القصير من هذا التغيير، وذلك وفق ما نشره تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، وترجمه موقع “الحل نت”.

ومن المعروف أن الرئيس السوري بشار الأسد التقى بالقيادة الإيرانية في اليوم ذاته الذي انتشرت فيه هذه الأنباء، حيث أفاد التقرير الصادر عن موسكو تايمز أن “روسيا بدأت عملية سحب قواتها العسكرية من سوريا وتجميعهم في ثلاثة مطارات قبل نقلهم إلى الجبهة الأوكرانية”.

كذلك أشار تقرير لمركز ألما للبحوث والتعليم في الثامن من الشهر الجاري أنه “حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت سوريا هي أوسع ساحة من حيث انتشار الجيش الروسي بشكل دائم”. وأن “القوة العسكرية الروسية في سوريا تتكون من حوالي 10 آلاف جندي في 12 قاعدة (قاعدتان رئيسيتان هما طرطوس وحميميم ، وعشر قواعد أصغر) وكذلك في العديد من المواقع الميدانية المتنوعة. وفي ضوء الحرب في أوكرانيا، من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت روسيا قد خفضت بشكل كبير عدد قواتها ونقلتها لساحة القتال في أوكرانيا”.

و بالرغم من ذلك، من الواضح أنه تم نقل قوات روسية من سوريا إلى أوكرانيا، إلا أن حجم هذه القوات التي تمت إعادة نشرها غير معلوم. والتقارير التي تفيد بإمكانية قيام روسيا بتحريك بعض القوات تظهر أيضا إمكانية تغيّر ميزان القوى لصالح إيران في سوريا. وهذا يعني أن لدى الأسد أسباب وجيهة تدفعه للذهاب إلى طهران هذا الأسبوع، بدلا من الذهاب للمشاركة بيوم النصر في موسكو. وعلى ما يبدو لم تتم دعوته إلى موسكو، لأن الزعماء الأجانب لم يحضروا هذا العام كما فعلوا في الماضي.

وما يهم هنا هو احتمالية أن روسيا قد تنقل قواتها، حيث ترى إيران في ذلك فسحة أمل. ويمكن استخدام هذه التغيرات كوسيلة ضغط، وربما تقوم بالفعل بنقل المزيد من قواتها إلى أجزاء من سوريا. كما يمكن أن تحاول استخدام ما تبقى من القواعد والمراكز الروسية لحماية وحداتها من التهديدات.

فلطالما أقامت إيران عملياتها ضمن ممر لها في سوريا يبدأ من قاعدة الإمام علي في البوكمال على الحدود العراقية حتى قاعدة T4 بالقرب من تدمر وإلى مواقع أخرى بالقرب من حمص وفي الجبال بين لبنان ودمشق، وكذلك في دمشق وجنوبها. وحاولت إيران منذ مطلع العام 2018 تحريك المزيد من وحدات حزب الله نحو المناطق القريبة من الجولان، حيث تم هزيمة المتمردين السوريين هناك.

كما عملت طهران في السابق بالقرب من حلب أيضا، وفي العام 2021 قتل عناصر من الميليشيات الموالية لها هناك. وفي أيار 2020، استهدفت غارات جوية مستودعات إيرانية ومواقع أخرى شرق المدينة القديمة. ولدى إيران أيضا وكلاء في مناطق الميادين ودير الزور. هذا هو الأخطبوط الإيراني في سوريا والذي قد ينبت له أذرع جديدة. فإيران تعرف جيدا بأن القواعد الروسية الرئيسية تقع في طرطوس وحميميم في شمال غربي سوريا، بالقرب من اللاذقية، وهذه هي المنطقة التي تهتم بها روسيا.

لكن لماذا من المحتمل أن تسلم روسيا قواعد أو مواقع إلى الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله؟ يبدو أن هذا من شأنه أن يخاطر بتلك المواقع ويؤدي أيضا إلى التوترات. وربما تعرضت موسكو الأسبوع الماضي لبعض الضغط لفترة وجيزة بسبب تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف، لكنها على الأرجح لا تريد فتح ملفات جديدة تتناول المشاكل مع إسرائيل أو سوريا. لذلك من غير المنطقي أن تتخلى روسيا عن مساحة كبيرة لصالح الحرس الثوري الإيراني. ومع ذلك، فإن المواقع أو المناطق الروسية الأصغر التي استخدمتها روسيا ذات يوم قد تذهب لصالح الأخطبوط الإيراني.

والسؤال هو ما إذا كانت إيران ستستفيد حقا في هذه الحالة؟ إذا خرجت روسيا من بعض الأماكن، فلن تتمكن إيران من استخدامها والهيمنة عليها. فهي تحب حقيقة وجود روسيا في سوريا، لأن روسيا تحمي حكومة دمشق وتسمح لإيران بتفريغ سوريا من الداخل. وهذه هي الطريقة التي تعمل بها إيران في لبنان والعراق واليمن. فهي تؤسس متجرا وتعمل على تفريغه وتعلن إفلاسه، لتعج المنطقة بالوكلاء المتطرفين دينيا، ثم تترك ورائها دولة وهمية. إيران هي نوع من المافيا والإمبراطورية مجتمعة تحت قشرة واحدة، تحرسها الطائرات المسيرة والصواريخ التي تصدرها.

لذا، كيف يمكن لإيران أن تستفيد حقا إذا بدأت روسيا في إخراج قواتها من سوريا؟ ستكون إيران مكشوفة أكثر. وسيتعين عليها امتلاك المزيد من العقارات السورية. هذا يعيدنا إلى الحكمة القديمة “إذا كسرتها، تشتريها”.

وفي كلتا الحالتين، هل تريد إيران “امتلاك” سوريا الممزقة حقا أم مجرد استخدامها؟ تفضل طهران استخدام البلد الممزق، مع دعم روسيا لحكومة دمشق وإضفاء الشرعية عليها، لنقل الأسلحة وربط “حزب الله” اللبناني و”الحشد الشعبي” في العراق، ثم استخدامهما كنفوذ ضد إسرائيل. وحتى أنها تحلق بطائرات مسيرة من قواعد في سوريا والعراق وإيران لتهديد إسرائيل كما فعلت في السنوات الأخيرة.

ويمكن لتقليل الوجود الروسي في سوريا أن يأتي بنتائج عكسية على إيران. وبالطبع يمكن لطهران أن تستفيد على المدى القريب، لكن سينكشف الإيرانيون في هذه المواقع الجديدة مما يهدد وجودهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.