ارتبطت ثقافة المونة بتاريخ البلدان الحافل بالحروب، حيث اعتاد السكان تخزين كميات كبيرة من الطعام استعدادا لظروف الحصار وندرة الغذاء، إلا أنه وفي الوقت الحاضر، حالت أسباب عدة في سوريا دون قدرة العائلات على تموين غذائهم.

توصف “المونة” بأنه ما يتم حفظه من قبل السكان من الطعام، و”بيت المونة” هو المكان الذي يتم فيه تخزين هذه المواد الغذائية، إذ يعد تموين الطعام في المنازل السورية ممارسة قديمة، تركز على الاحتفاظ بالوجبات الموسمية بكميات كبيرة بهدف تناولها في أوقات أخرى من العام.

لهيب الأسعار

تجنب الكثير من السوريين صنع “المونة” خلال الموسم الحالي، مثل الفاصوليا والبازلاء وغيرها من الخضار، بسبب عدم قدرتهم على شرائها، نظرا لارتفاع الأسعار ونقص التمويل الذي تسببت به الأزمة الاقتصادية.

وبسبب ضعف القوة الشرائية، نقلت صحيفة “تشرين” المحلية، أمس الأحد، عن سيدة في ريف دمشق قولها، إن عادة تحضير “المونة” الشتوية بدأت تتحول إلى شيء من الماضي ونوعا من الرفاهيات، وذلك بسبب تراجع قدرة المدنيين على الشراء في ظل الأسعار المرتفعة للخضروات مقارنة بالسنوات السابقة، خاصة عندما تصل هذه المواد إلى السوق لأول مرة (القطفة الأولى).

وقالت السيدة، “الكيلو من البازلاء وصل سعره في الأسواق إلى 5000 ليرة فأكثر، وهذا لا يتناسب مع القوة الشرائية للعديد من العائلات”، مضيفة أنه “حتى الفاصوليا الخضراء تتفاوت في السعر من سوق إلى سوق”، علما أنه حدث انخفاض كبير في سعرها والذي يتراوح الآن بين 1800 و2000 ليرة.

الكهرباء.. المشكلة المستمرة دون حل

وبحسب الصحيفة، قررت العديد من الأسر السورية، عدم شراء والتحضير لتخزين “المونة” للعام الحالي، خوفا من مشاكل الكهرباء، فيما بعض العائلات لجأت إلى الاحتفاظ بكمية أقل بكثير مما كان عليه في السنوات الماضية، فارتفاع ساعات التقنين خلال العام المنصرم أدى إلى تلف “المونة” لدى كثير من المواطنين.

وبحثا عن بدائل جديدة، بعيدا عن “التفريز” الذي يعتمد على الكهرباء، بدأت بعض العائلات بالاعتماد على طريقة “التيبيس” – تجفيف المواد الغذائية – أو تخزين نصف ما كانوا يحتفظون به سابقا.

إذ تشكل الكهرباء العنوان الأبرز لمعاناة ملايين السوريين في مختلف المحافظات السورية، حيث تصل ساعات التقنين في بعض المناطق إلى 22 ساعة يوميا مقابل ساعتين تغذية فقط، في حين هناك خطوط معفية من التقنين تذهب إلى مناطق المسؤولين الحكوميين وأصحاب السلطة بشكل علني.

المونة باتت من ذكريات السوريين

ارتفاع الأسعار، إضافة إلى تدني الجودة مقارنة بالعام الماضي، دفعت الشريحة التي تنتظر هذه الفترة من العام للعزوف عن المونة نهائيا إضافة إلى الشريحة التي عزفت عنه الأعوام السابقة، ومنهم من أجّل التموين هذا العام حتى شهر آخر أملا بانخفاض الأسعار أكثر.

في مثل هذه الأوقات، أي في منتصف شهر أيار/مايو من كل عام، تعمل العائلات السورية على صناعة المونة المنزلية للاحتفاظ بها في أيام فصل الشتاء، وخلال هذه الفترة أيضا، يزداد العرض على البقوليات مثل البازلاء والفاصولياء والثوم وبعض المربيات التي تعتمد على أنواع من الفاكهة، ويبدو أن أسعار خضار المونة مثل غيرها من السلع قد ارتفعت بشكل غير مسبوق هذا العام رغم أنها في موسمها.

وحول ارتفاع أسعار الخضار هذا العام، قال مسؤول حكومي في تصريح سابق لوسائل الإعلام المحلية، إن موجات الصقيع المتلاحقة، ومن بعدها دخول شهر رمضان وعيد الفطر أسهموا جميعا في موجة الغلاء التي ضربت الأسواق السورية في الفترة الماضية.

وفي حال طرأ ارتفاع آخر على الأسعار بشكل عام في البلاد بحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” الحالية، فإن المواطنين السوريين سيكونون من بين أكثر المتضررين من ذلك، خاصة وأن مستوى الرواتب والمداخيل بعيدة كل البعد عن واقع العيش في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.