حالة التضخم في الأسعار وانخفاض قيمة الأوراق النقدية السورية ازدادت بشكل مهول خلال السنوات الثلاثة الماضية، لدرجة بات الناس يحملون حقائب أو أكياس لحمل الأموال عند شراء الحاجيات والمستلزمات الحياتية، إزاء ذلك تداول مؤخرا حديثا عن احتمالية قيام حكومة دمشق بحذف أصفار من قيمة أي ورقة نقدية يتعامل بها السوريين اليوم، أي بدلا من (5000 ليرة سورية) يختصر من الرقم صفرين ويعتبره (50 ليرة)، في سبيل مواجهة مستويات التضخم العالية.

بينما يعتقد العديد من المختصين والباحثين الاقتصاديين أن هذه العملية تحتاج إلى اقتصادات ضخمة وكذلك أن تكون كمية الإنتاج المحلي كبيرا، وهذا عكس “واقع الاقتصاد السوري” المتهالك منذ سنوات عديدة، فضلا عن تدمير نسبة كبيرة من البنى التحتية بسوريا وتوقيف المئات من المنشآت الصناعية والتجارية والزراعية عن العمل، وأيضا هجرة معظم رؤوس الأموال من البلاد، نتيجة الحرب في سوريا.

حيث ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية وسلع الاستهلاك اليومي في الأسواق السورية خلال الشهور الثلاثة الماضية بشكل كبير، حتى فاق كل توقعات وتقديرات المحللين الاقتصاديين.

لقد حمل العام الجديد عدة تغييرات في أرقام الاقتصاد السوري، والتي اتجهت للانحدار بمقابل اتجاه الأسعار لقفزات مضاعفة لا يمكن التوقع إلى أين ستتجه بعد ذلك وكيف ومتى سيتم ضبطها. فالعام الحالي لن يختلف عن سابقه، فمع ارتفاع الأسعار في سوريا، سيكون على المدنيين الاعتبار بأن التطمينات الحكومية لا جدوى منها.

ما يدفع للتساؤل حاليا، هو مصير الارتفاع المضطرد لأسعار المواد الغذائية وسلع الاستهلاك اليومي، وفيما إذا ستلجأ حكومة دمشق قريبا لحذف أصفار من العملة لتلافي آثار التضخم، وما هو مستقبل التضخم في سوريا خلال الفترة المقبلة، وتأثيراته على ارتفاع الأسعار.

“يفوق قدرة الاقتصاد السوري”

صحيفة “الوطن” المحلية، قالت في تقرير لها اليوم الأربعاء، نقلا عن الباحثة الاقتصادية رشا سيروب، حول مدى احتمالية قدرة الاقتصاد السوري على القيام بخطوة “حذف الأصفار” من العملة السورية لمواجهة مستويات التضخم العالية، أن “عشرات الدول لجأت إلى إزالة الأصفار من عملتها للحد من الضغوط التضخمية، لكن ما لبثت أن عادت مشكلة الأصفار بسرعة، فاضطرت العديد من هذه الدول لإعادة هذا الإجراء (أي حذف الأصفار أكثر من مرة). وباعتبار أن قيمة العملة السورية تعتمد على عدد لا يحصى من العوامل من بينها الوضع الاقتصادي للدولة، وكفاءة الحكومة، والاستقرار السياسي والقانوني والقضائي، والالتزام بالقانون الدولي والتوافق مع التغيرات الدولية، والعديد من الأسباب الأخرى. لذا فإن قيام الحكومة بهذه الخطوة دون أن تصاحبها سلسلة من الإصلاحات، فإن سياسة إزالة الأصفار لن تكون غير فعالة فحسب، بل ستكون فاشلة”.

وضمن هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، “لا أعتقد أن الحكومة السورية قادرة على القيام بهذا الإجراء، لأن موضوع حذف الأصفار عملية اقتصادية معقدة جدا وتحتاج إلى اقتصاد قوي، والاقتصاد السوري”منهار” كما يعلم الجميع”.

ويردف الباحث الاقتصادي في حديثه لموقع “الحل نت”، “كما أن تكلفة تصنيع العملة عالية جدا، فعلى سبيل المثال، عندما طرحت الحكومة السورية مؤخرا ورقة من فئة الـ 5000 ليرة سورية، ذكرت عدة مصادر أن تكلفة تصنيعها تبلغ 5000 ليرة، أي نفس تكلفة قيمتها الفعلية”.

وعليه، فإن عملية إزالة الأصفار ليست بهذه السهولة أو البساطة، فهي تحتاج إلى خطوات اقتصادية تدريجية، من سنة إلى ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات لا بد أن يكون مستوى الإنتاج المحلي قد ارتفع ومقدار العملة الأجنبية داخل ميزانية البنك المركزي قد ازداد أيضا، في سبيل الإنفاق على هذه العملية، وفق الباحث الاقتصادي لموقع “الحل نت”.

واستدرك الدبس: “لأنه عندما تأخذ الحكومة عملة بقيمة عشرات التريليونات من السوق وتستبدلها بعملة أخرى، فإن هذا سيكلف ماديا واقتصاديا، والاقتصاد السوري “متدهور” أساسا بسبب عجز في موازنة الدولة والذي يبلغ نحو 6 تريليون ليرة سورية والإنتاج المحلي ضعيف، إلى جانب تدني مداخيل المواطنين، وعدم استقرار في سعر صرف الليرة السورية، لذا فإن دمشق من المستحيل أن تفكر في هكذا خطوة وحتى مجرد اقتراح لا يمكنها طرحه”، على حد وصفه لـ”الحل نت”.

وحاليا، يمثل هذا الإجراء -في حد ذاته- تهديدا أكبر، بسبب ضعف الثقة بالحكومة وبإجراءاتها وقراراتها، قد يؤدي هذا القرار إلى انتشار حالة من الذعر لدى المواطنين ويقومون بالتخلي عن الليرة السورية بطريقة لا يمكن السيطرة عليها من خلال التوجه إلى الملاذات الآمنة (الذهب، والعملات الأجنبية، والعقارات)، ما يؤدي إلى سحب الأموال من النظام المصرفي وتجفيف مصادر السيولة في الاقتصاد ما يفاقم الوضع الاقتصادي ليصبح أكثر سوءا، وفق صحيفة “الوطن” المحلية.

قد يهمك: القروض الاستهلاكية في سوريا.. منطق تجاري أو تغطية للعجز؟

هل هناك تضخم مرتقب؟

في سياق موازٍ، وعن مستقبل التضخم في سوريا، وما إذا كان هناك توسع في الفترة المقبلة. وفق تقدير الباحث الاقتصادي، رضوان الدبس، أنه “إذا تحدثنا خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة، أعتقد أنه لا يمكن أن يتوسع التضخم، بسبب فتح خط الائتمان الإيراني لسوريا خلال هذه الفترة -عندما زار الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران مؤخرا- وهذا الخط يمنح المشتقات النفطية والمواد الأساسية للسوق السوري، وسيوفر هذا الخط الدعم للحكومة في غضون ثلاثة أشهر فقط”.

وتابع في حديثه لموقع “الحل نت”، “بالطبع، ستدفع حكومة دمشق فاتورة هذا الدعم ولكن بعد فترة طويلة، لذلك خلال هذه الأشهر القليلة المقبلة ستستفيد دمشق من هذا الخط قدر الإمكان، لكن بعد انتهاء مدة هذا الخط، سترتفع الأسعار ويتوسع التضخم تلقائيا للأسواق في سوريا، أي أن دمشق تعتمد بشكل أساسي على “سلة المساعدات” لمدة شهرين أو ثلاثة، ثم يعود اقتصادها إلى العجز والهدر وبانتظار دعم حلفائها (روسيا وإيران) كما العادة”.

أما على صعيد أثر التضخم على ارتفاع الأسعار في الأيام المقبلة، وحول ازدياد ضعف القوة الشرائية للسوريين، يرى الدبس في حديثه الخاص لموقع “الحل نت”، “طبعا الأسعار سترتفع بشكل تلقائي في الفترة المقبلة، وذلك لأكثر من سبب منها “تكلفة الاستيراد وتدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وارتفاع قيمة المواد الأولية، وصحيح هذه مشكلة عالمية، لكن بما أن الاقتصاد السوري هشّ وضعيف، ولا يتحمل هذه الارتفاعات كبقية اقتصادات العالم، فإن السوق السورية تتأثر فورا”.

وختم حديثه بالقول: “طبعا عند حدوث تضخم اقتصادي يرافقه “ضعف القوة الشرائية” وخاصة في بلد متهالك مثل سوريا، حيث أن رواتب ومداخيل المواطنين شحيحة جدا مقارنة بالواقع المعيشي في عموم البلاد”.

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، بأن الاقتصاد السوري يتجه نحو التعويم الكامل لكل المواد بسبب التضخم الحاصل فيه، وكذلك مع توقف عجلة القطاعات الأساسية المنتجة كالصناعة والزراعة فإن نسب التضخم ستزداد وكذلك ستنخفض قيمة العملة إلى أن تصل لقيمتها الحقيقية.

تاليا، تأتي المسؤولية الأولى في ارتفاع الأسعار على حكومة دمشق لاسيما في ظل ازدياد نسبة الفقر أيضا، في الوقت الذي تسعى فيه دمشق إلى حلول ليبرالية عبر تحرير الأسعار، في ظل بروز موجة زيادة الاستهلاك وارتفاع الأسعار العالمية، غذائية كانت أم أصناف أخرى.


قد يهمك: ما تأثير الحوالات الخارجية على الواقع المعيشي للسوريين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.