إن المفهوم الكلاسيكي لتحرك أسعار الفائدة يأتي من لجوء حكومات الدول إلى استخدام أسعار الفائدة كأداة مساعدة من خلال رفعها أو خفضها لتحقيق الخطة الاقتصادية التي تضعها الحكومة، كما يمكن أن تساعد أسعار الفائدة الحكومات في حل بعض المشكلات الأساسية التي تخيم على اقتصاد الدول، ويتم اتخاذ قرار سعر الفائدة من قبل البنوك المركزية.

في بداية شهر أيار رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية لتراوح بين 0.75 إلى 1 بالمئة، ويأتي رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة ليكون الأعلى منذ عام 2002.

وإذا ما تحدثنا عن الأسباب التي دفعت الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة فلا بد أن تكون جائحة كورونا وما خلفته من إضرابات اقتصادية انعكست على الاقتصاد العالمي بأسره بسبب الإغلاقات واضرابات سلاسل التوريد أول تلك الأسباب، وتأتي الزيادة في السيولة النقدية الناتجة عن مليارات الدولارات التي ضُخت في الاقتصاد الأمريكي خلال فترة جائحة “كورونا” لتحفيزه من أهم الأسباب التي دعت إلى رفع سعر الفائدة، فالاقتصاد الأمريكي وبلدان العالم تعاني من ارتفاع في نسب التضخم غير مسبوقة وقد وصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.5 بالمئة وهي الأعلى منذ 40 عاما.

ولم تشكل تلك المليارات التي ضخت في الاقتصاد العالمي سببا رئيسا في ارتفاع نسب التضخم فحسب وإنما تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا قد ساهمت في ارتفاع نسب التضخم، فقد أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار الغذاء عالميا إلى معدلات تاريخية بالتزامن مع نقص المعروض منها، وأيضا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وعزوف منظمة الدول المنتجة للنفط أوبك، وأوبك بلس إلى مد السوق العالمية بما تحتاجه لتغطية النقص الذي سيشكله النفط الروسي، إذا ما تم تطبيق العقوبات التي تم فرضها من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى من العالم على روسيا بشكل كامل بسبب اجتياحها لأوكرانيا.

ومن وجهة نظر أمريكية فإن رفع سعر الفائدة سيسهم في خفض أسعار النفط بسبب العلاقة العكسية بين قيمة الدولار الأمريكي وسعر برميل النفط العالمي، مما يساهم في انخفاض التكاليف التشغيلية التي ارتفعت بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، فالولايات المتحدة هدفها المعلن هو احتواء ارتفاع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة بشكل خاص والعالم بشكل عام.

وقد ارجع باتريك هاركر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي أرقام التضخم في الولايات المتحدة إلى ارتفاع أسعار الطاقة في العالم، وقال “على الأمريكيين ألا يتوقعوا ارتياحا فوريا من ارتفاع أسعار الطاقة، وأن المنتجين الأمريكيين سيرفعون إنتاج النفط ولكن هذا يحتاج وقتا” بحسب تصريحات له في شهر نيسان الماضي من العام الحالي 2022.

كيف تؤثر أسعار الفائدة الأمريكية على دول العالم

يشير المحللون إلى أن رفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي له تداعيات واسعة على الاقتصاد العالمي والبنوك المركزية العالمية، فمع رفع الولايات المتحدة الأمريكية لأسعار الفائدة رفعت قيمة الدولار الأمريكي لتزيد من جاذبية المستثمرين للحصول على السندات الحكومية الأمريكية.

ولكي تتفادى البنوك المركزية للدول الأخرى توجه القطع الأجنبي نحو السندات الأمريكية لتحقيق عائد أكبر، ستلحق بركب الفيدرالي الأمريكي وترفع أسعار الفائدة كما فعلت في مرات عديدة سابقة، لتكون تلك الدول أمام صعوبات عديدة تتمثل بارتفاع تكلفة التمويل الداخلي، وارتفاع تكلفة خدمة الدين الخارجي، وبهكذا حالات تكون الأسواق الناشئة أكبر عرضة للتذبذبات في اقتصاداتها ويزداد الضغط على قيمة عملاتها أمام العملات الأجنبية الأخرى.

ومن ناحية أخرى فإن تكلفة الاقتراض في الدول ستكون أكبر على كل من الأسر والشركات، وسيشكل قوة الدولار الأمريكي مشكلة لدى الحكومات تتمثل بزيادة عجز موازناتها المحلية، وعليه ستقلل الحكومات من برامج الدعم والإنفاق الاجتماعي مما سينتج عنه تراجع في القوة الشرائية وبالتالي تراجع في النمو الاقتصادي مما سيدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الاقتصادي.

ويجدر التنويه إلى أن خطوة الفيدرالي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة تأتي في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي موجة جديدة من حالة عدم اليقين ناتجةً عن التجاذبات السياسية المتباينة على الصعيد العالمي بين منحاز إلى روسيا في حربها على أوكرانيا وبين من يصطف بجانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي المعارضين للاجتياح، مما يزيد من ضبابية المشهد العسكري واحتمالية توسع رقعة الحرب.

وعن خروج البنوك المركزية لدول العالم عن الارتباط بأسعار الفائدة الأمريكية قال الخبير الاقتصادي الدكتور يحيى السيد عمر لـ”الحل نت” إن أسعار الفائدة في دول العالم تتغير بشكل مستمر، لكن تأثيرها ينحصر بالدولة المعنية فقط، بينما الفائدة الأمريكية تؤثر على كل دول العالم، وذلك بسبب ارتباط العالم بالمؤشرات الاقتصادية الأمريكية خاصة الدولار.
ونوه السيد عمر بأن قيمة ديون الدول ترتفع مع ارتفاع قيمة الدولار والعكس صحيح، فالدولار هو ناقل العلاقة بين الفائدة الأمريكية ودول العالم، إضافة لمؤشرات أخرى، ولكن يعد الدولار أهمها.

وختم حديثه بالقول إنه لا يمكن الحديث عن الخروج من دائرة الفائدة الأمريكية ما دام الدولار عملة دولية، واستبدال الدولار لا يمكن أن يتم إلا في ظل نظام اقتصادي عالمي جديد، لذلك لن يخرج العالم من دائرة الفائدة الأمريكية.

ما هو الفيدرالي الأمريكي

في عام 1913 تأسس ما يسمى بالفيدرالي الأمريكي، وهو نظام مصرفي مركزي تابع للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم تأسيسه لتحقيق ثلاث مطالب أساسية وهي ضمان استقرار الأسعار والمحافظة على سعر فائدة منخفض على المدى الطويل وتأمين التوظيف الكامل في الاقتصاد الأمريكي، وذلك بعد دخول الاقتصاد الأمريكي بحالة من الذعر عام 1907 وما لحقها من اضطرابات مالية.

يتكون الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من مجلس رؤساء يتم تعيينهم من قبل رئيس الدولة وهيئة السوق المفتوحة واثني عشر بنكا تابعين له والعديد من البنوك الخاصة.

ويقوم الفيدرالي الأمريكي بالتدخل في السوق من خلال التحكم بأسعار الفائدة لضبط التوازن في سرعة نمو أو تباطؤ النمو في الاقتصاد الأمريكي، وتجدر الإشارة إلى أن لجنة السوق المفتوحة في البنك المركزي تجتمع ثماني مرات من كل عام لتحدد سعر الفائدة على المدى القصير وبعد الاجتماع يصدر البنك بياناً يحتوي على قرار يخص سعر الفائدة.

كيف أصبح الدولار الأمريكي عصب الاقتصاد العالمي

إن هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي تعود إلى اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944 عندما وافقت الدول المتقدمة على اعتماد الدولار الأمريكي بدلا من الذهب لتغطية عملاتها المحلية، وكان الدولار الأمريكي في ذلك الوقت مرتبطا بالذهب، إلا أن الحرب الفيتنامية (1956-1975) التي خاضتها أمريكا وحاجتها إلى طباعة المزيد من الدولارات لتغطية نفقات الحرب أجبرت الرئيس الأمريكي نيكسون إعلان التوقف عن تغطية الدولار الأمريكي بالذهب، وجاء قرار منظمة “أوبك” بربط أسعار النفط بالدولار الأمريكي ليعزز مكانة الدولار الأمريكي عالميا ويشكل حينها أكثر من 60 بالمئة من احتياطي النقد الأجنبي العالمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.