انتشرت الدعاية بالجيل الجديد من العملات الرقمية في جميع أنحاء العالم منذ تفشي وباء “كورونا”، مما يعني أن المستخدمين نظروا إليها أيضا على أنها وسيلة للهروب من أسواق الأوراق المالية واستثمارات الملاذ الآمن في الذهب والممتلكات، ولكن في الوضع السوري، كان الأمر يعتريه صعوبات بسبب العقوبات الدولية المفروضة على حكومة دمشق.

تظهر البيانات، أن الناس في مناطق الصراع الرئيسية في العالم يتجهون إلى العملات المشفرة مثل “البيتكوين”؛ لأن القيم المرتفعة للعملة ودعم المستثمرين فاحشي الثراء يجعلها أكثر جاذبية، حيث ازدادت عمليات البحث عبر الإنترنت عن العملات الرقمية كـ “البيتكوين” و”الإيثيريوم” و”الدوجكوين” في ليبيا وسوريا وفلسطين، مما دفع للتساؤل حول الأسباب والتسهيلات التي تدفع السوريين لغزو سوق العملات الرقمية؟

البيئة الاقتصادية سهّلت الانتقال؟

في السياق السوري، كان وضع الاقتصاد الكلي حافزا للعديد من الجهات الفاعلة في البلاد للسعي وراء حلول مالية بديلة، بما في ذلك العملات الرقمية، حيث يعد النظام المالي المتهالك والنمو الاقتصادي الضئيل في سوريا، وثيق الصلة بالموضوع، وفقا للخبير في الاقتصاد الرقمي، محمد أبازيد.

ويشير أبازيد، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن تأثير الاقتصاد الداخلي في سوريا على المجتمع كان قويا بعد أعوام من الحرب، حيث تساوي الليرة السورية نحو أربعمائة ضعف مما كانت عليه مقابل الدولار في عام 2010، كما أن العقوبات الاقتصادية التي تخنق المعاملات المالية للعديد من الجهات الفاعلة في سوريا، أدت إلى الكساد الاقتصادي وتعطيل كل الخدمات والصناعات في سوريا.

وبيّن أبازيد، وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي، وبعد المدة الطويلة من الحرب دون حلول سياسية، اتجه الناس في جميع أنحاء سوريا، إلى إيجاد طرق لاستمرار السيولة، ففي شمال سوريا أصبحت الليرة التركية بديلا شعبيا يتداول به، كما بات الدولار الأميركي بديلا عن الليرة في مناطق أخرى.

وبحلول منتصف عام 2020، عندما انهارت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، إلى جانب التضخم، أثر ذلك سلبا على المواطنين لا سيما وأن هذه المنطقة تضم أكثر من 4 ملايين نازح حسب الإحصاءات الدولية، ولذلك وبحسب أبازيد، فإنه ومع إثبات عدم موثوقية معظم العملات أو صعوبة الوصول إليها، أدى إلى تحول بعض الأفراد والشبكات لاستكشاف حلول مالية أخرى، مثل العملات الرقمية.

لماذا تحول السوريون نحو العملة الرقمية؟

في تقرير دولي، أظهرت أرقام عدد مستخدمي العملات الرقمية بحسب بلدان الولوج، أن 177 ألف شخص من سوريا يملكون ويتداولون في سوق العملات المشفرة، متجاوزين بذلك دول عديدة، منها النمسا والإمارات، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن ماهية هذه الأسواق وأسباب ارتفاع نسبة السوريين المتداولين بها.

وطبقا لحديث الخبير الرقمي، فإن هذا الرقم وبالنسبة لعدد السكان في سوريا، يعد قليل جدا، كما أن التقرير لم يظهر جنسية المتداولين من سوريا، إذ ركز التقرير على منطقة الولوج ولم يتطرق إلى جنسية المتداول، لذا لا يمكن الجزم بأن العدد المذكور هو لمتداولين سوريين الأصل، لا سيما وأن مناطق شمال غربي سوريا تحتضن العديد من الجنسيات الأجنبية.

وأوضح أبازيد، أن التحول نحو العملات الرقمية، في المناطق التي لا تخضع لسيطرة دمشق، هو لثلاثة أسباب، الأول وبسبب الإجراءات المعقدة لشركات الصرافة العالمية على تحويلات السوريين، وندرة وجود فروع لشركات التحويل المالية التقليدية في مناطق شمال سوريا، فضلا عن افتقار العديد من الأهالي في هذه المناطق للأوراق الرسمية، لجأ المواطنون إلى العملات الرقمية لسهولة وسرعة وصولها إلى مناطق مثل إدلب.

أما السبب الثاني، والذي رجح أبازيد نسبته الضئيلة، هو توجه بعض فئات المجتمع في سوريا إلى الاستثمار في العملات الرقمية والتي لاقت رواجا عالميا، وذلك لأن فرص الاستثمار قليلة في المناطق التي تتبع سيطرة دمشق.

من جهته، يعتقد الباحث والمحاضر في مجال الاقتصاد في مركز “جسور للدراسات”، الدكتور خالد التركاوي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن من جملة الأسباب أوجدت سوق الاستثمار بالعملات الرقمية في سوريا، باعتبارها نوع جديد من الاستثمار الناشئ تدر أرباحا كبيرة، لا سيما وأن المناطق السورية تشهد ارتفاعا في معدلات البطالة، والبحث عن المكسب السريع هو نافذة لهذه الفئة.

ثانيا، توجه البعض بعد أن روجت شركات الوساطة لسوق العملات الرقمية، التي بدأت تنتشر بشكل كبير في شمال سوريا، نحو تعويض الخسارة التي تعرضوا لها في الحرب، فمعظم العائلات السورية خسرت أملاكها وبيوتها، وسوق العملات الرقمية أتاح جزئيا تعويض هذه الخسائر.

أما السبب الثالث، فقد أرجعه الخبير في الاقتصاد الرقمي، أبازيد هو توجه منظمات ومؤسسات تخضع للعقوبات الدولية، للهرب من العقوبات الدولية والقدرة على تحويل الأموال إلى الداخل أو الخارج، وهذا ينطبق على رجال الأعمال السوريين، و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، وأعضاء تنظيم “داعش”، في الجيوب التي يختبئون فيها.

تمويل جديد لـ”تحرير الشام”؟

باستخدام بيانات من 27 مليون استفسار بحث من 100 مليون مستخدم، بين تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وكانون الثاني/يناير 2021، وجد تحليل لموقع “تريدنغ فيو”، أنه عند احتساب عمليات البحث كنسبة مئوية من جميع الاستفسارات، تم إجراء أكثر من النصف في كوبا 50.4 بالمئة حول أصول العملة المشفرة، وهي زيادة 12.2 بالمئة عن العام الماضي.

وشكلت الاستفسارات عبر الإنترنت 42.2 بالمئة من الإجمالي في ليبيا، و41.9 بالمئة في أوكرانيا، و38.7 بالمئة في فلسطين، مما يضعهم جميعا في المراكز الخمسة الأولى في عمليات البحث عن العملات المشفرة، بينما احتلت سوريا المرتبة العاشرة بنسبة 36.9 بالمئة، مما يشير إلى أن البلدان التي تعاني من مستويات عالية من عدم الاستقرار أكثر اهتماما بالتداول بالعملات الرقمية من الدول الأكثر تقدما.

عدم الرقابة، هي إحدى الميزات التي توفرها منصات التداول بالعملات الرقمية، والتي جعلت العملة المشفرة جذابة لفئة أوسع من المستخدمين، ولا سيما أعضاء “هيئة تحرير الشام” بإدلب، فوفقا لمصادر من داخل الهيئة، فإن الأخيرة افتتحت أولى شركاتها للتداول الرقمي، عام 2018.

ووفقا للمصدر الذي يتحفظ “الحل نت” عن ذكر اسمه لأسباب خاصة، فإن ارتفاع أسعار العملات المشفرة، أدى إلى تحفيز الهيئة على المشاركة في التداول، حيث بدأت شباط/فبراير 2020، بتعليم عناصرها  في إدلب، كيفية تداول العملات الرقمية بأمان.

وعقب ذلك، افتتحت محال بيع وشراء العملات الرقمية، في مدينة إدلب وبلدة سرمدا شمال محافظة إدلب، وعينت كل من (عبد الله، ومنصور، وعبد الرحمن) المنحدرين من أندونيسيا، مشرفين على سوق التداول، كما افتتحت بورصتين للداول بالعملات الرقمية تحت مسمى “إي باي منت”، والأخرى “بتكوين إكستجينج إيجنت”، حيث تستخدم عملات “مونيرو” و”زي كاش”، اللتان تخفيان خصوصية مستخدمها ويكاد يكون من المستحيل تتبعها، ومثل هذه الميزات يمكن أن تجعل عملات الخصوصية جذابة للهيئة.

وأوضح المصدر، أن الهيئة أحدثت قناة عبر تطبيق “التلغرام”، لتعليم المتداولين للعملات الرقمية في إدلب، حول كيفية استخدام شبكات “في بي إن” لتجاوز العقوبات المفروضة على تبادل العملات المشفرة، وشاركت القناة أيضا معلومات حول كيفية استخدام روبوتات التداول، بما في ذلك تلك التي تستخدم استراتيجيات خوارزمية مثل “سكالبينج”.

ويبدو أن الجماعة المصنفة على لوائح الإرهاب، تقوم بتجنيد أعضائها في تداول العملات الرقمية، حيث وعدت عناصرها بعد فترة من التعلم، بأنه سيتم اختيار الأشخاص المهتمين بالمجال الرقمي، ليكونوا أعضاء في الفريق الأساسي للهيئة.

هل ينهض اقتصاد موازي في سوريا؟

على الرغم من التنبؤات الجيدة للعملات الرقمية عالميا، إلا أن أبازيد، قلل من إمكانية حدوث طفرة اقتصادية في سوريا، لا سيما وأن المنطقة لا تزال في معترك سياسي حاد لم يصل إلى حل، كما أن العقوبات المفروضة على سوريا تحد من إمكانية التداول بشكل أوسع، وخصوصا أن دمشق لم تقونن التداول بالعملات الرقمية.

وبهذا الخصوص، ذكر الخبير الاقتصادي، الدكتور علي محمد، لتلفزيون “الخبر” المحلي، أن “هناك تعاميم أو تصريحات للبنك المركزي السوري عمرها سنوات، حذر من خلالها التعامل بالعملات الرقمية”، موضحا الأسباب حينها، أهمها عدم خضوعها لضوابط وتعليمات البنك، إضافة إلى أنها تتداول من شخص لآخر بشكل مباشر، دون وسيط.

وأوضح الخبير الاقتصادي “يعتبر التداول بهذه العملات محليا محظورا، نظرا للأسباب المرتبطة بالأمن والرقابة، إضافة إلى أنها عملات غير حافظة للقيمة وفقا للتغير السريع الذي يطرأ على قيمتها، فهي لا تتمتع بما تتمتع به العملات المادية من قوة إبرائية”.

الجدير ذكره، أن منصة “بينانس” التي تعد الأولى في تداول العملات الرقمية عالميا، أمهلت فرصة للمتداولين السوريين بسحب أموالهم أو تحويلها إلى منصات أخرى خلال مدة أقصاها سبعة أيام بدءا من تاريخ 28 من نيسان/أبريل الفائت.

المسؤولون بقسم الدعم في “بينانس”، قالوا إن المنصة وضعت قوانين صارمة لإغلاق حسابات جميع حاملي الجنسية السورية في مختلف دول العالم، وأن القرار جاء “استنادا إلى توصيات واردة من العديد من الجهات، أبرزها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية”.

ولم تكن “بينانس” الوحيدة التي اتخذت مثل هذا القرار، ضمن سياسة الحظر على مواطني الدول المدرجة في القائمة السوداء في الولايات المتحدة، مثل كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وإيران، فأيضا، قامت شركة البورصة الرقمية “بتركس”، بتحديث شروط خدمتها، بمنع أي “مواطن أو مقيم في أي ولاية أو بلد أو إقليم أو ولاية قضائية أخرى تحظرها الولايات المتحدة”، من إجراء معاملات داخل منصتها ومن ضمنهم السوريين.

كما أغلق موقع “باي بال” – هو موقع ويب تجاري يسمح للمستخدم بتحويل المال عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني لعناوين مختلفة – حسابات العديد من المواطنين السوريين، والذين يعيشون خارج البلاد، دون إشعار مسبق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة