يشكل أمن العراق الغذائي هاجسا كبيرا لكثير من السياسيين والمواطنين، خاصة بعد إلغاء المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، مشروع “قانون الأمن الغذائي”، الذي تقدمت به الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، بديلا لقانون الموازنة المالية، بهدف معالجة الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العراق، بسبب الإنسداد السياسي.

وتشهد العملية السياسية في العراق جدلا كبيرا، نتيجة عدم توصل الكتل والأحزاب السياسية العراقية إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة؛ فضلا عن تداعيات الأزمات الدولية، وعلى رأسها انتشار فيروس كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، التي ألقت بظلالها على الشأن العراقي، وأدت لتوقف شبه تام في جميع مفاصل الحياة في البلاد. وسط مخاوف من تطور الوضع، وخاصة من الناحية الاقتصادية، وإمكانية تقديم الخدمات للمواطنين، ما قد يؤدي إلى تهديد أمن العراق الغذائي.

وأعلنت الحكومة العراقية مؤخرا عن نقص حاد في مخازن القمح والمواد الغذائية، وعجزها عن استيراد مواد جديدة، لعدم وجود سيولة مالية، نتيجة تأخر إقرار الموازنة، وكذلك إلغاء قانون الأمن الغذائي.

وكان مقترح قانون الأمن الغذائي قد خصص أكثر من خمسة وثلاثين تريليون دينار عراقي (24.1 مليار دولار)، يمكن من خلالها أن تسيّر الحكومة أعمالها. إلا أن أطرافا سياسية، وتحديدا الإطار التنسيقي الموالي لإيران، أبدى اعتراضه على تمرير القانون.

ويتخوف الشارع العراقي من أزمة خانقة في تجهيز المواد الغذائية، وكذلك الطاقة الكهربائية، مع عدم وجود سيولة مالية تمكّن الحكومة العراقية من دفع المستحقات للشركات الإيرانية، التي يستورد العراق منها الغاز الطبيعي.

توضيح حكومي بخصوص أمن العراق الغذائي

محمد حنون، مدير الشركة العامة لتجارة الحبوب في وزارة التجارة العراقية، يؤكد أنه “في الشهر الأول من الموسم التسويقي، وصلت الإيرادات من محصول القمح إلى مئة وخمسين ألف طن، ونعتقد أنها ستصل إلى مليونين أو مليونين ونصف المليون طن خلال هذا العام، ولكن هذا الرقم يكفي فقط لأشهر قليلة، ما يهدد أمن العراق الغذائي”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الحكومة العراقية تبذل الجهود بغية منحنا مبالغ لشراء المحاصيل التي تكفي المواطنين. مع العلم أن التقلبات المناخية لها دور كبير في قلة الإنتاج، كما أن الجفاف، الذي يعاني منه العراق، أثّر على المحاصيل هذا العام”.

وأضاف أن “سعر الطن من القمح الأميركي وصل إلى سبعمئة وعشرين دولارا، وهذا مبلغ كبير جدا إذا ما أضيف للموازنة. وبالتالي على الكتل السياسية إيجاد البديل لمشروع الأمن الغذائي، لأن ما يوجد في مخازن وزارة التجارة العراقية لا يكفي لفترة طويلة”.

واستندت المحكمة الاتحادية، في رفض قانون الأمن الغذائي، إلى أن المشروع تم تقديمه إلى البرلمان من قبل الحكومة الحالية، التي يرأسها مصطفى الكاظمي، وهي حكومة تصريف أعمال، ولا يحق لها طرح قوانين من هذا النوع. لكن وزارة المالية العراقية دفعت بتحذيراتها لمستوى آخر، بالإشارة إلى أن قرار الاتحادية سيؤثر على تأمين تكاليف استخراج النفط، وبناء مخزون احتياطي من الحبوب، ما يهدد أمن العراق الغذائي.

“نحن الآن أمام مأزق حقيقي”

المحلل السياسي يوسف السوداني أشار إلى أن “الحكومة الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي، تتحمل مسؤولية الأزمة، فقد كان يفترض بها أن تتدارك الموضوع، وتعالج الأزمة الغذائية، التي تعاني منها البلاد، بوقت مبكر”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الصلاحيات القانونية والدستورية لحكومة تصريف الأعمال هي تسيير الأمور اليومية للمواطنين فقط، ولاتملك صلاحية إرسال القوانين للبرلمان العراقي”.

موضحا “نحن الآن أمام مأزق حقيقي واضح لايمكن الجدال فيه، يهدد أمن العراق الغذائي، وبالتالي حياة المواطنين، لذلك فإن على الجميع، حتى الكتل السياسية المعترضة على مشروع قانون الأمن الغذائي، أن تحاول الخروج من عنق الزجاجة”.

وأكد السوداني أن “الخروج من هذه المعضلة يمكن أن يكون بتبني مقترح قانون جديد للأمن الغذائي، يتم من خلاله تقليل النفقات، على اعتبار أن الكتل السياسية، المعترضة على تشريع القانون، كانت لديها ملاحظات على السقف المالي، الذي حددته حكومة تصريف الأعمال”.

وكانت اللجنة المالية النيابية قد أعلنت عن تقديمها مقترح قانون بديل إلى رئاسة البرلمان العراقي، يتجاوز الاعتراضات المثارة على القانون السابق، ويساهم في تأمين أمن العراق الغذائي. مؤكدة أن “جداول المبالغ، في مقترح القانون الجديد، لن تزيد عن خمسة وعشرين تريليون دينار”.

وقال حاكم الزاملي، النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، إن “قانون الدعم الطارئ الجديد ليس بديلا عن الموازنة، وهو محدد لمعالجة أزمة الطاقة الكهربائية، واستيراد الغاز، ودفع الديون الخاصة بالغاز، وسيوفر مفردات البطاقة التموينية للمواطنين، ودعم شبكة الرعاية الاجتماعية أيضا”.

مقالات قد تهمك: الموازنة المالية العامة للعراق: ما نتائج عدم إقرارها على الحكومة والمواطنين والفاسدين؟

الأمن الغذائي بين الصراع السياسي والاتهامات بالفساد

ثائر مخيف، النائب في البرلمان العراقي عن الإطار التنسيقي، ينفي الاتهامات الموجهة ضد كتلته السياسية، بوقوفها حجر عثرة أمام تشريع قوانين تؤمن أمن العراق الغذائي.

وأكد النائب لموقع “الحل نت” أن “مشكلة قانون الأمن الغذائي كانت أنه يتيح إمكانية سرقة المال العام”.

وأضاف مخيف أن “الإطار التنسيقي يشدد على ضرورة رفع بعض الفقرات من قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، لكي لا يعطي الإمكانية لبعض الكتل السياسية باستغلاله في سرقة أموال العراق”.

مختتما حديثه بالقول: “الأفضل في المرحلة الحالية إقرار مشروع الموازنة بدلا من قانونٍ يثير الشبهات، مطروح من قبل أطراف التحالف الثلاثي فقط. ونستطيع من خلال الموازنة إدراج بعض المبالغ لتأمين أمن العراق الغذائي”.


ويضم التحالف الثلاثي كلا من التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف عزم، بقيادة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي. وأدى الصراع بين التحالف والإطار التنسيقي إلى تأخير تشكيل الحكومة الجديدة، وتسمية رئيس الجمهورية العراقية.

 ويرى كثير من المراقبين أن رفض الإطار التنسيقي لقانون الأمن الغذائي هو محاولة للضغط على التحالف الثلاثي، لإجباره على تقديم تنازلات سياسية.

وعلى الرغم من صعود أسعار النفط في الأسواق العالمية، وعبورها حاجز المئة دولار، والحديث عن فائضِ مالي في العراق، إلا أن ذلك لم ينعكس على وضع المواطنين العراقيين، في ظل التحذيرات من أزمة كبيرة في الأيام القادمة، تطال قطاعات الكهرباء والرعاية الاجتماعية، وتهدد أمن العراق الغذائي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.