خلال السنوات الماضية، ونتيجة للأضرار التي لحقت بالبلاد، خاصة على القطاع الاقتصادي، و تدهور الليرة السورية أمام الدولار، اتجه معظم السوريين إلى تحويل أموالهم إلى قنوات أخرى مثل العملات الصعبة والذهب والعقارات، وهذا بلا شك خلق حالة من التضخم وسط غياب أي دعم حكومي لهذا الأمر.
ولهذا السبب دعا خبراء اقتصاديون دمشق مرارا وتكرارا إلى زيادة الرواتب وتحسين دخل المواطنين لزيادة الإنتاج المحلي وزيادة الطلب على السلع، وبالتالي زيادة جذب المستثمرين وضمان عدم خروج رؤوس الأموال من البلاد، لكن الحكومة لم تستجيب لكل هذه التحذيرات والمطالب حتى الآن، والظروف المعيشية والاقتصادية في البلاد تزداد سوءا يوما بعد يوم.
التضخم في سوريا نوعان
ضمن هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي، رازي محي الدين، أن تجفيف السيولة في سوريا حاليا وتخفيض الطلب على الكاش، أدى إلى مزيد من التضخم وخلق رغبة بعدم الاستثمار، وأدى الى توجيه فائض الأموال للاستثمار في قنوات غير مفيدة للاقتصاد السوري مثل العملات الصعبة والذهب والعقارات.
ونوّه الخبير الاقتصادي خلال حديثه مع إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، يوم أمس الجمعة، إلى أن التضخم في سوريا نوعان، الأول مستورد عالمي وكان له تأثير كبير على الاقتصادي السوري، والتضخم الثاني محلي يتعلق بالاقتصاد السوري والقطاعات الإنتاجية، وناجم عن عدم توفر المواد الأولية وارتفاع أسعار حوامل الطاقة، ومجموعة عوامل يجب العمل سريعا على معالجتها حتى يتم خفض معدلات التضخم وعدم جنوحه إلى مستويات أعلى أخطر.
ملاذ غير آمن للاستثمار
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة زيادة الرواتب وتحسين المداخيل, بما يساعد على مواجهة متطلبات معيشة السوريين بشكل أفضل، وأشار إلى أنه “تحسين الرواتب سيؤدي إلى تشجيع الطلب وتشجيع الإنتاج وتوسيعه”.
كما أوضح أن رجال الأعمال في مناطق سيطرة الحكومة السورية لا يجدون ملاذا آمنا للاستثمار بالشكل المطلوب، مطالبا دمشق بالعمل على بناء مناخ جاذب للاستثمار بالشكل الذي يضمن عدم خروج الأموال وضمان استثمارها داخل البلد.
ولفت إلى أن “جزء كبير من المنتجين توقفوا عن الإنتاج بسبب انخفاض الطلب على السلع نتيجة تراجع الرواتب والمعيشة”.
قد يهمك: آخر قرارات المركزي حول طباعة فئة 10 آلاف ليرة.. التضخم مستمر؟
إجراءات تضمن تدفق الحوالات
لطالما أكد العديد من المختصين الاقتصاديين ودعوا الحكومة السورية إلى أن الحل الوحيد للمؤسسات السورية هو الاعتراف بسعر الصرف الحقيقي لليرة السورية مقابل الدولار، دون الالتفات إلى التقارير التي يقدمها المصرف المركزي السوري والتي لم تعالج التضخم داخل البلاد خلال السنوات الماضية، لكن دمشق لم تصغ لهذه المقترحات حتى الآن.
وضمن هذا السياق، دعا الخبير الاقتصادي محي الدين خلال حديثه مع الإذاعة المحلية، يوم أمس إلى ضرورة توجيه التمويل المتاح إلى قطاعي الزراعة والصناعة بشكل رئيسي، والعمل على تعزيز سعر الفائدة لتشجيع الادخار، إضافة إلى اتخاذ إجراءات تضمن تدفق الحوالات بشكل أفضل إلى البلاد وعبر القنوات الرسمية ما يعظم الاستفادة منها في الاقتصاد السوري خاصة في ظل الاعتماد الكبير عليها.
كما ودعا خبير اقتصادي آخر، يوم أمس الخميس، لوسائل الإعلام المحلية، المشرفين على إدارة مصرف سوريا المركزي، إلى تبني سياسة مختلفة في التعامل مع حوالات المغتربين، من أجل تحصيل فائدة ولو بشكل ضئيل لاقتصاد البلاد، خاصة وأنّه بحسب قوله: 70 بالمئة من السوريين يعيشون على حوالات المغتربين من الأهالي.
كما وأكد موقع “هاشتاغ” المحلي، يوم الخميس الفائت، نقلا عن الخبير الاقتصادي حسين القاضي، أن الأكثر فائدة هو تسليم الحوالات التي يتم تحويلها من الخارج بالعملة ذاتها التي يحول فيها المغتربون الأموال إلى أهاليهم في سوريا.
وأضاف الخبير الاقتصادي للموقع المحلي، حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية لقرار كهذا، حيث أن “الفرق بين السعر في السوق السوداء وتسعيرة البنك المركزي تذهب كأرباح حاليا للبنك عند التحويل”.
ونوّه القاضي إلى أنه، في حال تم تسليم هذه المبالغ بعملة البلد الذي تم التحويل منه ( دولار، أو جنيه استرليني، أو يورو.. إلخ) كما عمل لبنان، فإن هذا “سيحقق أكثر من هدف اجتماعي إضافة للأهداف الاقتصادية”، على حد وصفه.
وتابع في حديثه، يأتي في مقدمة الأهداف، زيادة الثقة بين المغتربين وسوريا بسهولة التحويل من جهة، وسيساهم في تنشيط الاقتصاد عن طريق وصول مبالغ أعلى إلى الأهالي الذين سيستثمرونها في مجالات مختلفة تنتهي بحركة اقتصادية نشطة، وبالتالي، فإن أرباح تسليم الحوالات بقيمتها الحقيقية سيحقق فوائد أعلى من الفوائد التي يحققها البنك المركزي من فرق التسعيرتين بين السوق الحر وسعر المركزي، على حد قوله.
من جانبه، قدّر الباحث الاقتصادي عمار يوسف في أحدى تصريحاته لوسائل إعلام محلية، أن نحو 5 ملايين دولار تدخل إلى سوريا يوميا، عن طريق السوريين المغتربين، على شكل حوالات مالية، يعتاش عليها 70 بالمئة من السوريين.
وأشار يوسف حينها إلى أن غالبية الحوالات تصل بطرق غير نظامية عن طريق المعارف، مرجعا سبب ذلك إلى أن الفرق بين سعر صرف الدولار الحكومي وسعره بالسوق السوداء يصل إلى حوالي 20 بالمئة.
لكن على الرغم من اعتراف الحكومة بضرورة رفع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية للتحويلات الخارجية، بسبب حاجتها الماسة للنقد الأجنبي، إلا أنها لم ترفع السعر بعد، وهو ما يزال يشكل فرقا كبيرا مقارنةً مع سعر السوق السوداء. في إشارة إلى أن دمشق تختلق أزمات اقتصادية في البلاد وتقوم بتعويم شركات نافذة مثل “الهرم” وأشخاصا للاستحواذ بشكل غير مباشر على اقتصاد البلاد لتفريغ جيوب المواطنين واستغلال تحويلات المغتربين قدر الإمكان.
قد يهمك: ارتفاع غير مسبوق للتحاليل الطبية
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.