تزداد عواقب التلوث الكيميائي بريف حماة، مهددة حياة المواطنين وصحتهم، ففي تصريح لصحيفة البعث الحكومية، قال الطبيب نزار نصار، اختصاصي الأشعة في بلدة كفربهم ذات الغالبية المسيحية بريف حماه الجنوبي، إنه “تم تسجيل أكثر من مئة وخمسين حالة إصابة بمرض السرطان في البلدة حتى الآن. سببها التلوث الناتج من الانبعاثات الصادرة عن معمل الإسمنت، الواقع في محيط البلدة”.

 مضيفا أن “المرضى يعالجون على حساب وزارة الصحة، وهو ما يكلفها مليارات الليرات، عدا عن خسارة الناس لأرواحهم، بسبب الغبار الكيميائي، الذي يطلقه ذلك المعمل”.

وأكد الطبيب نصار أن “كثيرا من أهالي البلدة بدأوا يفكرون بالهجرة، هربا من تفشي الأمراض فيها. إذ أصبحت المخلفات الكيماوية كابوسا يجثم على صدور الناس. والمؤلم أن كثيرا من فلاحي البلدة هجروا زراعة القمح، بسبب التأثير الكبير للغبار والملوثات على محاصيلهم”. 

ونقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن “تعطل نظام الفلاتر القماشية في المعامل الثلاثة، الموجودة في تلك المنطقة بريف حماة، يتسبب بإلقاء أكثر من أربعة وعشرين طنا من الغبار يوميا في سماء بلدة كفربهم والقرى المجاورة، محولة آلاف الدونمات الزراعية إلى مستنقع مليء بالغبار وهباب ثاني أكسيد الكربون”.

فلماذا يستمر هذا النوع من الإهمال القاتل؟ وهل هنالك أية إجراءات حكومية لتلافي عواقب التلوث الكيميائي بريف حماة؟ 

أسباب انتشار السرطان في المنطقة

المهندس زاهر هشم، الخبير البيئي والمختص بقضايا المناخ، أكد لموقع “الحل نت” أن “صناعة الأسمنت تؤدي إلى إطلاق غازات ناتجة عن عمليات الاحتراق، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، وهي غازات سامة، تؤثر بشكل كبير على الإنسان، إضافة إلى تلويث التربة والنباتات والمياه السطحية. ولذلك فإن ظاهرة التلوث الكيميائي بريف حماة شديدة الخطورة”.

 وأوضح أن “صناعة الأسمنت من الصناعات الكيميائية، التي تنتج عنها مواد سامة، تترسب على التربة والمياه، وتمتصها النباتات، وتنتقل بعد ذلك للإنسان. مع العلم أن النسب المسموحة صحيا من مخلفات الصناعة هي 0.0015 ميلي غرام/لتر من الرصاص، 0.005 ميلي جرام/ لتر من الزرنيخ. وهي نسب تم تجاوزها كثيرا في معامل ريف حماة”.

ونوّه المهندس إلى أن “التركيز المسموح لثاني أكسيد الكبريت في الجو يبلغ 3/10 جزء في المليون. وتؤدي زيادة تركيزه إلى الموت السريع للإنسان، كما يسبب ظاهرة الأمطار الحمضية. بينما التركيز المسموح لثاني أكسيد الكربون هو 100/300 جزء في المليون. ويؤدي ارتفاعه إلى اختناق الإنسان، ومشاكل صحية كبيرة”.

وأشار السيد هشم إلى أن “الضرر الأكبر يقع على العمال، في حال عدم وجود وسائل حماية ذاتية أو نظام تهوية جيد، وهو ما تفتقده أغلب المنشئات الصناعية السورية، حيث يتعرض العاملون للأبخرة الكيميائية لفترة طويلة، ولبعض الشوائب التي تصاحب العمليات الصناعية، وهو نوع من التلوث الكيميائي يسمى التلوث المهني. ولهذا النوع من التلوث أضرار كبيرة على العاملين، ويؤدي إلى أمراض خطيرة، خصوصا السرطان. وبالتالي فإن التلوث الكيميائي بريف حماة، الناتج عن الإهمال الحكومي والإداري، هو السبب الأساسي لانتشار السرطان في المنطقة”. 

التلوث الكيميائي بريف حماة سبب أساسي لتهجير المسيحيين 

روّجت الحكومة السورية لرواية حمايتها للأقليات في البلاد ضد هجمات المتطرفين الإسلاميين، إلا أن ما يلاقيه أهالي بلدة كفربهم، وغيرها من قرى المنطقة ذات الأغلبية المسيحية، يناقض تماما تلك الرواية، فالتلوث الكيمائي بريف حماة أدى فعليا لتهجير السكان، تماما كما أدت ممارسات داعش، وغيرها من التنظيمات المتطرفة، إلى تهجير أقليات المنطقة. 

السيد طوني حنا، المنحدر من بلدة كفربهم والمقيم حاليا في فرنسا، قال لموقع “الحل نت” إن “العيش في البلدة بات عبارة عن كابوس حقيقي، نتيجة التلوث”.

مضيفا أن “الهواء النقي بات حلما لسكان البلدة، والبلدات والقرى المجاورة، ولعل هذا هو السبب الأساسي لهجرة السكان المسيحيين من المنطقة”. محمّلا “الحكومة السورية، والمسؤولين في محافظة حماة، المسؤولية الكاملة عن الوضع المأساوي الذي تعيشه كفربهم ومحيطها”.

 مختتما حديثه بالقول: “طالبنا المسؤولين بالعمل على إيجاد حلول مستدامة لمأساة التلوث الكيميائي بريف حماة، ولكننا لم نتلق إلا الوعود الفارغة”.

مقالات قد تهمك: سوريا وحَفلةُ التَّقسيم.. ماذا عن المَسيحيين؟

نداءات من الإدارة المحلية لإنقاذ المنطقة من التلوث الكيميائي

من جانبه قال قيصر سمعان، رئيس مجلس بلدية كفربهم، لوسائل إعلام محلية، إن “البلدية حريصة على استمرار عمل معمل أسمنت حماة، فهي مؤسسة اقتصادية رابحة”.

مستدركا بالقول: “لكن هذا لا يعني إلحاق الضرر بالمناطق المأهولة، أو بالتربة الزراعية، التي لم تعد صالحة للزراعة”. داعيا شركة الأسمنت لـ”إيجاد حل فوري، وتبديل الفلاتر القماشية، وإطلاق حملات لزراعة الأشجار حول المعامل لتنقية الهواء”.

ويبدو من حديث سمعان أن الإدارة المحلية في المنطقة تُركت وحيدة في مواجهة أزمة التلوث الكيميائي بريف حماة. وأنها لا تملك إلا توجيه النداءات لحكومة دمشق، التي يبدو أن حياة البشر في المنطقة، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، ليست من أولوياتها. 

يذكر أن سوريا تحتل المركز الخامس بين دول غرب آسيا بعدد الإصابات بأمراض السرطان، قياسا بعدد السكان، وفق الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة للأمم المتحدة. وثمة 196 شخصا مصابا بالسرطان من بين كل مئة ألف سوري، و105 وفيات من بين كل مئة ألف مصاب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.