منذ أن أعلن ثلاثة نواب “تغييريين”، يمثلون الطائفة السنية، دعمهم للزواج المدني في لبنان قبل نحو أسبوع، عاد الجدل حول قانون الزواج المدني إلى الواجهة من جديد.

وقد عرّض هذا الدعم هؤلاء النواب لهجوم شديد من قبل المراجع الدينية، ووصل إلى حد تكفيرهم، فضلا عن حدوث انقسام حاد بين اللبنانيين بين مؤيدين ومعارضين لهذه المسألة.

وبحسب تقارير صحفية، لا تقتصر المطالب على الزواج المدني، بل على قانون موحد للأحوال الشخصية في بلد يضم 18 طائفة، لكن قانونيا تستند المرجعيات الدينية على المادة التاسعة من الدستور اللبناني في رفضها لذلك، والتي تنص على أن “حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ألا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضا للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية”.

سوء تطبيق القوانين

منظمة “كفى”، التي تسعى لتحقيق المساواة داخل الأسرة بين الرجل والمرأة، اعتبرت أن “سوء تطبيق المادة التاسعة من الدستور أدى إلى استئثار الطوائف بنطاق الأحوال الشخصية ومنعها من إصدار قانون مدني عام، الأمر الذي أجاز إعطاء الأولوية لحقوق الطوائف على حساب حقوق المواطنين “، وفق تقرير لموقع “الحرة“.

كما أدى سوء تطبيق هذه المادة إلى “توسيع نطاق حقوق الطوائف، فتقلّصت من جهة رقابة الدولة عليها، ووضع المواطن من جهة أخرى أمام قوانين تظلمه باسم الله، وباسم الله أيضا تسلبه القدرة على مراجعة هذه القوانين، ممّا أفسد النظام وجعله عائقا أمام بروز قيم المواطنة وهي أساسا علاقة الإنسان- الفرد مع الدولة من خلال القانون”، وفق المنظمة الحقوقية.

من جهته، اعتبر إمام مسجد الأوزاعي والمدير العام السابق للأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ هشام خليفة، دعم النواب الثلاثة للزواج المدني في لبنان “مشروع فتنة”، معربا عن استغرابه من “عدم إدراك هؤلاء لواقع لبنان المرير، فالبلد ينهار، الليرة لا قيمة لها، الدولار مفقود، لا كهرباء ولا ماء، وبدلا من التركيز على ما يهم اللبنانيين يقعون في شرك وفخ بعض الوسائل الإعلامية”، وفق قوله.

وبخصوص رفض المرجعيات الدينية للمصادقة على قانون الزواج المدني في بلد مثل لبنان الذي يضم 18 طائفة، يقول الصحفي اللبناني جاد يتيم: “المرجعيات الدينية ترفض لسببين؛ الأول أن الزواج المدني من صلاحياتها في السيطرة على المحاكم الشرعية وبالتالي على التحكم بالناس، في حين أنهم يدعون بالالتزام بالشرعية الدينية وأنه من واجبهم الدفاع عن الدين ورفضهم للزواج المدني”.

بالإضافة إلى مصادر الدخل الكبيرة التي تعود إليهم، في المحاكم الشرعية في لبنان، بموجب قانون الأحوال الشخصية، من زواج وطلاق وميراث وغيرها، وبالتالي يسحب الزواج المدني هذه المنفعة المادية منهم، وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

ويردف في حديثه لـ”الحل نت”، “في التسعينات كان هناك قانون زواج مدني اختياري أقره مجلس الوزراء بلبنان، ولكن وقتذاك تحت ضغط المشايخ ورجال الدين السنية والمفتي، رئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري لم يوقع، لأن القرار يقتضي توقيع مجلس الوزراء ورئيسه لكي يذهب إلى مجلس النواب، وبذلك بقي هذا القرار في أدراج مجلس الوزراء”.

وفي اعتقاد الصحفي اللبناني، أن “ما يميز الممثلين التغييريين الجدد أنهم لم يظهروا كغيرهم من ممثلي الطائفة السنية أو باقي الطوائف، إذ لم يباركوا دار الفتوى أو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو الطائفة الدرزية الموحّدة، أي لم يكن لديهم هذا النفس لإرضاء رجال الدين، لذلك اصطدموا بآراء رجال الدين الرافضة”.

ووفق اعتقاد يتيم، أنه لا توجد نسبة كبيرة من اللبنانيين الرافضين للزواج المدني، لأن هذا القانون اختياري وليس مفروضا، وفي رأيه الخاص “جانب الليبرالية واحترام الخيارات الإنسانية، هو أننا لا نفرض الزواج المدني عليهم، وهذه كانت ولاتزال معركتنا منذ سنوات، حيث حرمت الكثير من الأمهات في السابق من حضانة أطفالهن لأن زواجهن ليس مدنيا، ونضال اللبنانيين اليوم نحو اعتماد قانون الزواج المدني هو خطوة نحن المواطنة في لبنان، وتأكيدا على مدنية الدولة”.

في رأي الصحفي اللبناني أثناء حديثه مع “الحل نت”، فإن أهم خطوة على الحكومة اللبنانية أن تتخذها بعيدا عن كون الزواج المدني اختياري، هي أن تفرض الحكومة قانونا مدنيا إلزاميا للأحوال الشخصية، أي المساواة بين الرجال والنساء اللبنانيين أمام القانون في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث، وهذا هو السبيل لبناء دولة المواطنة التي تضمن جميع حقوق المواطنين.

الزواج المدني يتم في القبرص

بين المطالبة باعتماد قانون الزواج المدني ورفض المراجع الدينية لكل منهما حججه الخاصة، تعترف السلطات اللبنانية بهذا العقد إذا تم إبرامه في الخارج، وتسمح بتسجيله في الدوائر الرسمية ذات الصلة.

وضمن هذا السياق، يقول الصحفي اللبناني، جاد يتيم، لـ”الحل نت”، “اليوم أي لبناني، وليس بالضرورة من ديانتين مختلفتين، يذهب إلى بلد آخر مثل قبرص ويتزوج زواج مدني، ثم يأتي ويثبت هذا الزواج في المحاكم اللبنانية، وإذا أراد الطلاق وحل قضية حضانة الأطفال، والميراث، يحكم القاضي اللبناني في هذه الحالة وفق قانون الدولة التي تزوجا فيها”.

وأضاف يتيم، هنا في لبنان، لا توجد سوى حالة زواج مدني واحدة حدثت عام 2013، عندما أجبر وزير الداخلية والبلديات آنذاك، مروان شربل، تحت ضغط حملة مدنية لتوقيع عقد زواج نضال درويش وخلود السكرية (مسلمان من مذهبين مختلفين)، بعدما تقدما من سجل النفوس وشطبا مذهبيهما، وهما أول ثنائي لبناني يتزوجا الزواج المدني حتى الآن في سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصية.

قد يهمك: النساء السوريات ما بين الأمومة ومسؤوليات الاحتضان

ماذا عن سوريا؟

خلال ندوة أقامتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية في آذار/مارس 2021. قال وزير الأوقاف السوري محمد عبدالستار السيد، أن “سوريا تعمل بقانون متقدم على كثير من دول العالم في الأحوال الشخصية، ليعلم الجميع أن قانوننا محكوم بالشريعة الإسلامية وقوانين الكنيسة والمذاهب الأخرى، ولن يكون هناك زواج مدني في بلادنا”.

وبهذا فإن حديث الوزير السوري غير منطقي، خاصة وأن قانون الأحوال الشخصية في سوريا بحاجة إلى العديد من التغيرات والتعديلات، وأبرزها الجانب المتعلق بالزواج المدني وحقوق المرأة وحضانة الأطفال والميراث، خاصة وأن سوريا تحوي العديد من الأديان والطوائف والقوميات، وفق مطالب حقوقية عديدة.

أما بالنسبة للزواج المدني في سوريا، فإن الدائرة ضيقة جدا في ظل حكم العادات – التقاليد – الوضعية والقوانين الإلهية، وأحاديث المراجع الدينية، حيث يتطلب هذا الزواج المختلط (لديانتين مختلفتين) من أحد الطرفين التنازل، والطرف المعني بالتنازل هنا هو بلا شك المسيحي، وفق تقرير لجريدة “النهار” اللبنانية.

وبالطبع هذا الزواج مشمول بعباءة التعايش بين الأديان – بلا شك – اتضح أنها مجرد كليشيهات ترعاها الأديان المتنفذة والمجتمع في خطبهم الرسمية، لكنها على الأرض تجبر الزوجين على اعتناق دين واحد، حتى لو كان شكليا، فلماذا لا يتمسك كل واحد بدينه؟ وهذا ببساطة ممنوع في سوريا.

وجاء في المرسوم التشريعي 26 لعام 2007، المادة 1-28، “إذا كان زواج الوالدين غير مسجل وولد لهما مولود فعلى أمين السجل المدني عدم تسجيل واقعة الولادة هذه إلا بعد تسجيل زواج الوالدين أصولا”.

في الزواج المختلط يوضع الزوجان أمام خيارين، إما تخلي أحدهما عن دينه وتبعات ذلك التي قد تفضي لرفض الزواج من الأهل وتبرئتهم منه، وتاليا نبذه مجتمعيا وعائليا، ما قد يصل أيضا إلى الحرمان من الحقوق المنصوص عليها تشريعيا، وضمنا الميراث.

أما الخيار الآخر فهو تمسك المسيحي بدينه، وعدم إشهار إسلامه أو العكس على سبيل المثال، وفي هذه الحالة يمنع تسجيل واقعة الزواج في المحاكم الرسمية، لتترتب على الأمر مضاعفات معقدة تتعلق بمنع تسجيل الأطفال على القيود، ليبقوا مجهولي النسب (غير شرعيين)، وكذلك تحرم المرأة من حقوقها (زواج – ميراث – حضانة – نفقة – مهر …)، وفق تقرير لجريدة “النهار”.

غير أن القانون التشريعي السوري على وجه الخصوص هو قانون انتقائي، حيث نص على أن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، لكنه يأخذ في الاعتبار وجود المحاكم الروحية للمسيحيين والمذهب العقائدي للدروز، وفق جريدة “النهار”.

لكن كل هذا لا يكفي، حيث تتزايد مطالب الموافقة على الزواج المدني يوما بعد يوم، في مجتمع أرهقته الحرب وعواقبها، ويبحث عن شكل من أشكال الحياة المدنية، الحياة التي تبدأ بالزواج المدني ولا تتوقف عنده.

قد يهمك: “المساكنة” رفض للزواج التقليدي أم حاجة للحرية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.