بينما يحمل المواطن السوري جواز سفر هو الأعلى ثمنا على مستوى العالم، إلا أن هذا الجواز السفر يحتل المرتبة الثالثة في قائمة أسوأ جوازات السفر في العالم، من حيث عدد الدول التي يحق لحامل الجواز السفر إليها دون تأشيرة.

الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي، شهدت فيها فروع الهجرة والجوازات في جميع المحافظات السورية، أزمة غير مسبوقة واعتبرت الأولى من نوعها، في استخراج جوازات السفر، بعدما استغرق فيها الحصول على جواز السفر فترات أطول من المعتاد بكثير.

في حين فإن دمشق وعلى ما يبدو تسعى إلى تعزيز اقتصادها “المتهالك” بشتى الطرق، فهي لم تجد أمامها سوى إفراغ جيوب السوريين اليوم بحيل وطرائق مختلفة، قد تكون من أبرزها حاليا من خلال بوابة استصدار جوازات السفر.

دمشق قررت مؤخرا رفع رسوم إصدار وتجديد الجوازات؛ بحيث تُحصّل مبالغ طائلة من ملايين السوريين سواء ممن ظلوا داخل البلاد أو الذين هُجروا وتوزعوا في بلدان العالم، ولتُكمل الحكومة السورية مخططها فقد أنشأت منصة إلكترونية حصرية للحصول على الجواز؛ الأمر الذي فتح باب الفساد المستشري أمام العديد من السماسرة وبتواطؤ مع موظفي فروع الهجرة والجوازات السورية، الأمر الذي يبعث بشكوك عميقة حول كونها “أزمة مفتعلة” من قبل دمشق.

أزمة مفتعلة

في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أعلنت وزارة الداخلية السورية عبر بيان نشرته على موقعها الرسمي، إطلاق منصة “الدور الإلكتروني” من أجل التسجيل على موعد للحصول على جواز السفر من خلال “منظومة حجز دور للحصول على جواز سفر”، في محافظتي دمشق وريفها فقط. ونوّهت الوزارة آنذاك، إلى أنها ستعمم هذه الخدمة تباعا على بقية فروع الهجرة والجوازات في المحافظات الأخرى.

ومنذ إطلاق المنصة الإلكترونية، ازدادت معاناة السوريين بشكل غير مسبوق، حيث يصعب التسجيل على دور في المنصة أو الحصول على جواز السفر السوري المستعجل (الفوري)، ولا يمكن التقدم للحصول على الجواز السفر العادي إلا بعد حجز موعد على المنصة.

حالة من التململ والشكوى برزت لدى معظم السوريين على خلفية عدم تمكنهم من حجز دور عبر المنصة رغم مئات المحاولات التي قاموا بها، وفق تعليقاتهم على صفحة وزارة الداخلية وعديد الصفحات السورية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

بعد إطلاق منظومة المنصة، برزت مجموعة من السماسرة بشكل لافت وملحوظ ومتزايد في جميع المحافظات السورية، حيث يتم بواسطتهم إنجاح مهمة الحصول على مواعيد وإتمام الإجراءات مقابل مبالغ مالية كبيرة تتجاوز قدرة معظم السوريين في الداخل.

مسألة وجود مجموعة سماسرة لم تنفيه حكومة دمشق. وقد أفاد مدير إدارة الهجرة والجوازات أن العاملين في دائرته وفروعها بالمحافظات يتعاملون مع سماسرة من بينهم ضباط، مشيرا إلى تقديم رئيس أحد فروع الهجرة مع عدد من العناصر إلى القضاء من خلال إدارة الأمن الجنائي.

وحول مسألة استحالة حجز موعد عبر المنصة، برر عبد الرحمن عبد الرحمن، مدير إدارة المعلوماتية والاتصالات في وزارة الداخلية، ذلك الأمر بأن مشاكل التسجيل عبر المنصة الإلكترونية “تتعلق بالطاقة الاستيعابية والإنتاجية لفروع الهجرة والجوازات في عموم المحافظات، وهو ما يؤدي إلى أخطاء تجعل المنصة لا تعمل”، وفق تصريح منسوب له في وسائل إعلام محلية.

في السياق ذاته، تروي جيهان عثمان، رحلة حصولها على جواز سفرها قبل نحو ثلاثة أشهر. فتقول “ذهبت لفرع الهجرة والجوازات بدمشق بغرض الحصول على جواز سفر؛ بغية السفر لم شمل إلى أوروبا، وأخبروني هناك بأنه يجب أن أحجز بداية على المنصة ومن ثم علي التقدم للحصول على جواز السفر، ولكنني أكدت لهم أنني حاولت مرارا وتكرارا حجز موعد على المنصة ولكن لم أنجح في ذلك. ليخبرني الحارس الواقف أمام الباب أن القرار يقول كذلك وبالتالي لا يستطيع إدخالي إلى المبنى”.

تضيف عثمان لموقع “الحل نت”: “بعد مجادلة طويلة، انتهت كل محاولاتي بالفشل، وعدت أدراجي إلى البيت، حاملة معي العديد من النصائح والمعلومات وأرقام للسماسرة -من قبل الأشخاص الذين التقيت بهم أمام فرع الجوازات- الذين يحجزون المواعيد على المنصة مقابل مبالغ مالية وبفترة وجيزة”.

وأوضحت عثمان كيفية حصولها على جواز السفر أنه “وبعد اتصالات عديدة مع عدد من السماسرة، اتفقت مع أحدهم، حيث قال لي السمسار إن استخراج جواز العادي (يستغرق إصداره نحو أربعة أشهر) سيكلفني نحو 200 ألف سوري (نحو 50 دولار)، أما تكلفة الجواز المستعجل (يستغرق نحو 20 يوما) يكلف 300 دولار أميركي (نحو مليون و200 ألف ليرة سورية)، واخترت المستعجل كوني في عجلة من أمري في سبيل البدء بأوراق لم شملي بخطيبي الذي يقيم في أوروبا”. وبالطبع هذه التسعيرة قديمة أي نحو ثلاثة أشهر، فحاليا هناك تسعيرة مضاعفة لهذه.

من جانبه، يقول المحامي والحقوقي السوري، المعتصم الكيلاني، “قبل نحو أسبوع منصة حجز الدور عادت بشكل مفاجئ للعمل للتقديم الطلب على جواز السفر السوري عبر الإنترنت والتي اعتمدتها وزارة الداخلية السورية كطريقة وحيدة للتقدم بطلب الحصول على جواز سفر”.

ويردف في حديثه لموقع “الحل نت”، “من جديد تقوم دمشق بإفراغ جيوب السوريين من خلال مضاعفة أسعار استخراجه ورفد حكومتها بالعملة الصعبة حيث حددت إدارة الهجرة والجوازات مؤخرا، رسوم جواز السفر السوري للمواطنين “داخل القطر”، بمبلغ 50 ألف ليرة سورية لغير المستعجل الذي يتطلب حجز دور على المنصة والمستعجل بـ300 ألف ليرة”.
في حين حددت الإدارة جوازات السفر للمقيمين “خارج القطر” بمبلغ 300 دولار أميركي للجواز العادي، وللجواز المستعجل الذي لا يحتاج حجز دور مقابل 800 دولار أميركي.

تحاول دمشق بهذه الطريقة والآلية الصعبة السيطرة على باب الرشاوى لتصبح تلك الأموال بشكل مباشر لها، بمعنى آخر هي تقوم بقوننة الأموال غير الشرعية لصالحها. أيضا هذه الخطوة فرصة للموظفين الفاسدين للحصول على الرشوة عبر التذرع بأن الأوراق غير مكتملة. وفق تعبير الحقوقي السوري.

وتابع الحقوقي السوري المقيم في فرنسا، في حديثه “كل تلك المنظومة الفاسدة التي تعيشها دمشق والتي ازدادت بزيادة القمع للمواطنين والضغط الذي تمارسه حكومة دمشق على الشعب يجعله دوما يفكر بحل وحيد وهو الهجرة من سوريا للظروف الاقتصادية بعدما هجره نتيجة الحرب والاعتقال.. إلخ”.

واختتم حديثه بالقول: “دائما ما تلجأ دمشق إلى افتعال الأزمات. وأزمة الجوازات، أغلب الظن أنها مفتعلة لرفع مبلغ استصدار الجواز فيما بعد إلى 200 بالمئة”. كما أنه فتح بذلك باب السمسرة، دون أن تقوم بوضع حد لذلك، رغم أنها تحدث أمامها.

قد يهمك: حزب “البعث” يسيطر على “سمسرة” جوازات السفر بسوريا

مواعيد وشروط “خيالية”

ضمن إطار ما سبق، وبحسب زعم مصدر في وزارة الداخلية السورية، لصحيفة “الوطن” المحلية، في 25 أيار/مايو 2022، فإن “القرار الذي صدر قبل أيام، وحدد بدل 300 ألف ليرة سورية أي نحو 100-90 دولارا مع باقي التكليفات الأخرى، لكل من كان مضطرا لجواز سفر على أن يستلمه في اليوم ذاته، هدفه وضع حد لكل ما يشاع عن سمسرات واتاوات وبيع دور على المنصات”، مبينا أن هذا البدل سيذهب إلى خزينة الدولة.

لكن، المحامي يامن الشفوني أكد لوسائل إعلام محلية، أن “جواز السفر المستعجل الفوري غير متاح للجميع، هو فقط لحالات خاصة منها وجود إقامة خارجية وتأشيرة الدخول أو السفر لعقد الزواج أو للدراسة أو العلاج في الخارج”.

من جانبه، قال قاسم محمود (اسم مستعار) من مدينة حمص، أنه منذ نحو شهر يحاول الحصول على موعد عبر المنصة، إلا أنه لم ينجح في ذلك، وفي النهاية كان خياره الوحيد هو اللجوء إلى أحد السماسرة في سبيل تحصيل جواز سفره.

تصدرت أزمة الجوازات حديث السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تداول على شبكة الإنترنت، صورا لمحاولات عديدة للحجز عبر المنصة الإلكترونية، حيث حصل أحد السوريين على موعد فائت للحصول على جواز سفر، فكان تاريخ الموعد عام 1969، فيما حصل عشرات الآخرين على مواعيد بعد عامين أو ثلاثة أعوام من الآن، فوصلت مواعيد الحجز إلى عام 2024.

يردف محمود خلال حديثه مع “الحل نت”: “بعدما قطعت أملي بالحجز عبر المنصة، تواصلت مع أحد السماسرة -حصلت على رقمه من أحد الأصدقاء- واتفقت معه أن يحجز لي موعدا في أقرب وقت، وبالفعل حصلت من خلاله على موعد في الشهر السابع من العام الجاري، وبمقابل مبلغ قدره 750 ألف ليرة سورية (نحو 185 دولار)”.

في سياق مواز، أكد مصدر خاص من فرع الهجرة والجوازات بدمشق، لموقع “الحل نت”، أن “مسألة استخراج الجوازات لا تتم إلا عبر سمسار، سواء الجواز العادي والمستعجل؛ العادي يكلف نحو 400 ألف سوري (نحو 100 دولار ويستغرق نحو أربعة أشهر)، والمستعجل يكلف نحو ثلاثة ملايين ليرة (نحو 800 دولار ويستغرق نحو 20 يوما)، أما في دمشق فيستغرق العادي نحو 40 يوما، والمستعجل يصدر في نفس اليوم أو خلال يومين فقط”.

أسعار متفاوتة

وضمن السياق ذاته، أكدت نور حسين (اسم مستعار)، من محافظة الحسكة، أنها كانت بأمس الحاجة إلى الجواز السفر، ولم تستطع من قبل الحصول على دور في المنصة، وفي النهاية اضطرت الحصول على جواز مستعجل عبر أحد السماسرة، وهذا ما حصل وقد دفعت مقابل ذلك 800 دولار أي نحو ثلاثة ملايين سورية، وقد طلب السمسار المبلغ بالعملة الأجنبية.

وأشارت حسين لموقع “الحل نت”، بأنه وخلال تواصلها مع العديد من السماسرة، إلى جملة من تسعيرة السماسرة، فقالت: “في محافظة الحسكة، الجواز العادي يكلف ما بين 80-100 دولار ويستغرق نحو 5-4 أشهر، أما المستعجل فيكلف ما بين 900-700 دولار ويستغرق حوالي عشرين يوما، وفي العاصمة دمشق وحلب فيتم بمبالغ قريبة منهم، ولكن المدة أقل؛ العادي يستغرق نحو شهرين والمستعجل يوم أو يومين وذلك حسب مدى قوة واسطة السمسار ووصوله للمسؤولين في فرع الجوازات”.

في كل الأحوال، لا يمكن التكهن بالمبالغ الحقيقية التي تتلقاها دمشق وسماسرتها من هذه العملية المختلقة، إلا أنها تعتبر أحد البوابات التي تُغذي فيه خزائنها الخاوية، وإن كان ذلك بشكل ضئيل.

قد يهمك: صفحة وهمية في سوريا للحصول على جواز سفر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.