بعد أن تعرضت المسنة السورية ليلى محمد للركل على وجهها من قبل رجل تركي عنصري في مدينة غازي عنتاب. ساد استياء وغضب شديدين على مواقع التواصل الاجتماعي بين أوساط السوريين.

السوريون كما المسنة السورية ليلى محمد (70 عاما) بكوا بحرقة وألم ليس فقط على حال المسنة بل على الوضع الصعب الذي يعاني منه السوريون في تركيا بعد تصاعد خطاب العنصرية والكراهية ضدهم، لتكشف حادثة المسنة عن أقبح وجوه الكراهية المتزايدة على ما يبدو بين الأتراك تجاه اللاجئين بفعل الاستخدام السياسي لملف اللاجئين السوريين من أجل الانتخابات العامة في تركيا الصيف المقبل.

المشهد الموجع الذي تداوله سوريون وعرب وغيرهم من النشطاء منذ يوم أمس الثلاثاء على منصات مختلفة من مواقع التواصل الإجتماعي يضاف إلى قائمة طويلة من “الاعتداءات العنصرية” التي يتعرض لها السوريون في تركيا.

هذه الحادثة، أشعلت خلال الساعات الماضية، غضب سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، ودفعتهم لإطلاق حملة تضامن واسعة مع المسنة السورية ليلى محمد، فنشر المتضامنون، صورا لهم وهم يحجبون إحدى أعينهم بأيديهم، في إشارة إلى الوضع الذي ظهرت فيه السيدة بعد أن رُكلت بعنف على وجهها.

من جانبه، أصدر والي غازي عنتاب بيانا، يوم أمس الثلاثاء، جاء فيه أنه “تم احتجاز الشخص الذي ركل السيدة من قبل مكتب المدعي العام”، زاعما أن المعتدي “لديه العديد من السجلات الجنائية المتعلقة بالمخدرات والسرقة”.

وتعليقا على الحادثة العنصرية، كتبت الاختصاصية النفسية زهور قهواتي على “فيسبوك”: “بداية أريد أن أؤكد على أن الميثاق الأخلاقي لمهنة الاختصاصي النفسي هو حفظ السرية، ولكن يمكننا كسر السرية، في ثلاث حالات (عندما يعرب المريض عن أفكار انتحارية، أو عندما يواجه تهديدا مباشرا بالإيذاء، أو عندما يفكر هو في إيذاء أحد ما). ومن خلال مسيرتي المهنية كاختصاصية نفسية اجتماعية واجهت هذه السيدة العجوز، بجلستين خاصتين، وقد ظهر لي أنها تعاني من خَرَف وعائي، متزامن مع ألزهايمر، منذ أكثر من سبعة أشهر – بحسب ما أذكر – وَلِأن مريض الخرف الوعائي يعاني من مشكلات في الذاكرة، التشوش وتراجع القدرة على تنظيم الأفكار والتصرفات، وانخفاض القدرة على تحليل المواقف، ووضع خطة فعالة وإبلاغ الآخرين بتلك الخطة… إلخ”.

وأوضحت قهواتي أن “هذه المرأة العجوز بتصرف غير واع تقوم بالدخول إلى أي دكان أو محل، وتأخذ ما تشتهيه (من طعام وشراب)، من دون دفع الثمن، وعلى ما يبدو أن سبب ضربها من قِبَل هذا الشخص المتوحِّش هو أخذها المشروب الغازي الظاهر في المشهد المنتشر، من دون دفعها ثمنه”. وأضافت “أنه مهما كان تصرفها، فلا يستدعي ذلك التعامل معها بهذا العنف وهذه الهمجية… كان الأولى به وبنا جميعاً رعايتها لا إهانتها”.

عنصرية متزايدة

حول تنامي ظاهرة العنصرية ضد السوريين في تركيا إلى حد فاق أي تصور ومنطق، يرى الحقوقي السوري، والمهتم بقضايا اللاجئين السوريين، طه الغازي أن “ظاهرة العنصرية ضد السوريين تنامت في الفترة الأخيرة بالتزامن مع اقتراب الانتخابات التركية المقبلة منتصف العام المقبل، وهو وضع أصبح نموذجيا يبدو مع كل حالة انتخابية في تركيا، سواء كانت انتخابات محلية على مستوى البلديات أو على المستوى الرئاسي”.

وفي اعتقاد الحقوقي الغازي، الذي تحدث لـ”الحل نت”، أن هذه الظاهرة تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية؛ الأولى أن الشخصيات والتيارات في تحالف المعارضة التركية كانت ولا تزال تحرض على خطاب الكراهية والتمييز العنصري ضد اللاجئين في تركيا.

أما العنصر الثاني وفق الحقوقي السوري، هو غياب دور الحكومة التركية في استجواب ومعاقبة ومحاكمة كل من يسيء إلى اللاجئين السوريين ويحرض عليهم، حيث تعاملت الحكومة التركية في السنوات الماضية باللامبالاة تجاه السوريين هناك، وهذا هو الدور الأبرز الذي لعب في تنامي ظاهرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وفق حديث الغازي.

الحقوقي السوري أضاف بقوله: “لو اتجهت السلطات التركية لمحاسبة أي فكر أو خطاب عنصري منذ البداية لما وصلت الأمور إلى هذا المستوى”. وتساءل الحقوقي السوري أثناء حديثه “لماذا لا يتم تطبيق المواد القانونية المرتبطة بخطاب الكراهية عليه وعلى غيره”.

أما العنصر الثالث وفق الغازي فيتمثل بغياب دور مؤسسات وهيئات ولجان المعارضة السورية المتواجدة في تركيا، بالإضافة إلى غياب دور المنظمات المدنية السورية العاملة في تركيا، بمعنى أنها بعيدة ومنفصلة عن واقع اللاجئ السوري.

لقد تصاعدت خلال الفترة الماضية مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين في تركيا، مع قيام عدد من السياسيين وقادة أحزاب المعارضة بحملات لفرض قيود أكثر صرامة عليهم.

ومن أبرز السياسيين الأتراك على سبيل المثال لا الحصر، زعيم “حزب النصر”، أوميت أوزداغ وشخصيات أخرى كإيلاي أكسوي التي كانت سابقا ضمن صفوف “حزب الجيد”.

مدى خطورة الكراهية على السوريين

وضمن سياق مدى خطورة الكراهية والعنصرية على السوريين مستقبلا في تركيا، قال الحقوقي السوري لـ”الحل نت”، “للأسف، ستبقى العنصرية ضد السوريين على نفس المستوى بظل وجود الحكومة التركية ومعارضتها الذين يستخدمون ويتاجرون بورقة اللاجئين في سبيل تحقيق مصالحهم السياسية والانتخابية”.

وفي أحدث استطلاع للرأي كانت شركة “أوبتيمار للاستشارات والإعلان والأبحاث” التركية قد أجرت استطلاعا في الفترة بين 23 و28 نيسان/أبريل الماضي.

وعن سؤال “ما هو شعورك عندما تقابل سوريين؟”، قال 21.3 بالمئة “كراهية”، 17.3 بالمئة “إيذاء”، 11.2 بالمئة “سخط”، 6.6 بالمئة “قمع”، 6.2 بالمئة “قسوة”، بينما أجاب 4.4 بالمائة” أنا أشعر بالتعاطف، ومنهم من أجاب بـ”لا شيء” بنسبة 33 بالمئة.

كما سألت “أوبتيمار” عن سبب الكراهية. وقال 38.2 بالمئة من المستطلع رأيهم: “إنهم يغتصبون حقوقي”، أما الذين قالوا “إنهم يحدون من فرص العمل الخاصة بي” فبلغوا 29.2 في المائة.

في حين بلغت نسبة من قال “التفكير بالبقاء هنا يخيفني” 18.8 في المائة، و 13.6 في المائة بقولهم “أنا خائف”.
وتشهد تركيا التي تستضيف نحو 4 ملايين سوري، بين الحين والآخر حوادث اعتداء على لاجئين سوريين، وصلت في بعضها إلى القتل، وسط اتهامات لسياسيين وأحزاب معارضة بالتحريض ضد اللاجئين واستخدامهم وسيلة لإرضاء الناخبين وحشدهم استعدادا للانتخابات العامة المقرر إجراؤها في صيف 2023.

هذا ويعيش معظم السوريين، في مدينة إسطنبول، تليها محافظات غازي عنتاب الجنوبية بـ 461 ألفا، وهاتاي بـ 433 ألفا، وشانلي أورفا بـ 428 ألفا، وأضنة بـ 255 ألفا، ومرسين بـ 240 ألفا، بحسب ما أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في نيسان/أبريل الماضي. ويقطن في مقاطعة إزمير وأنقرة في الغرب 149 ألفا و 100 ألف سوري على التوالي.

حملة تضامن من السوريين

وضمن سياق حملة التضامن مع المسنة السورية كتب الصحفي السوري، أحمد بريمو عبر منصة “تويتر”: “تلك الركلة لم تصب رؤوسنا كما يقول البعض في سياق جلدنا أو التباكي على هواننا. تلك الركلة مصدرها نحن، لم نهن إلا بسكوتنا عن التحريض والسماح للآخرين باستغلالنا كورقة سياسية، تلك الركلة لم تكن من عنصري، ولا معارض، تلك الركلة جزء من حماية مؤقتة”.

من جانبه، كتب الباحث السوري، عبد الوهاب عاصي: “هل تدركون حجم وخطورة المرحلة التي وصل إليها خطاب الكراهية والعنصرية في تركيا ضد السوريين؟. الاعتداء الحقير والقذر على أمّنا السورية المُسنّة ما هو إلّا ترجمة للتحريض المستمر ضد اللاجئين وعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضده بل ومحاولة احتوائه”.

من جانبهم، كتب عدة شخصيات معارضة سورية رأيهم حول الحادثة، فشن عليهم السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة انتقادات واسعة على كلامهم، انطلاقا من اعتبارها حفلات تملق ونفاق للأتراك على حساب العنصرية المتزايدة والظلم الذي يتعرض له السوريون في تركيا.

فكتب رئيس “الائتلاف الوطني” المعارض الذي تدعمه أنقرة، سالم المسلط، عبر حسابه الشخصي على منصة “تويتر” يوم أمس، “تواصلنا مع عائلة السيدة ليلى محمد التي تعرضت للاعتداء في غازي عنتاب أمس، للاطمئنان على وضعها الصحي، ما حصل يمسنا جميعا ولا يمكن القبول به، ونحذر من الشخصيات التي تستغل مواقع التواصل الاجتماعي للإساءة للعلاقة بين الشعبين الشقيقين”.

وانتقد الناشطون السوريون حديثه، ‏بالقول: “من يسيء للشعبين هو من يرتكب مثل هذه الأفعال التي أدانها كل تركي محترم”.

من جانبه، استنكر عضو الهيئة العامة لـ”الائتلاف”، فراس مصري، تعاطف السوريين مع السيدة ليلى محمد فصب عليه متابعون سوريون جام غضبهم بتعليقات انتقادية على مواقع التواصل الاجتماعي. ليقوم بعد ذلك عضو الائتلاف بحذف منشوره من منصة “فيسبوك”.

كما وأصدر “المجلس الإسلامي السوري” بيانا حول “الاعتداء العنصري على المرأة السورية في مدينة غازي عنتاب التركية”، حيث انتقد سوريون البيان الصادر من المجلس واعتبروه خطابا غير كاف وغير مبرر ولا يحمل أي دفاع حقيقي عن اللاجئين السوريين في تركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.