خلال الأيام الماضية، تصاعدت وتيرة الأوضاع بين إسرائيل وفلسطين، إثر تبادل القوات الإسرائيلية وفصائل فلسطينية في قطاع غزة القصف يوم الخميس الفائت، الأمر الذي ينذر باتساع رقعة هذه التوترات، وبالتالي دخول التصعيد في مرحلة مواجهة أكبر، ولن يكون هذا الأمر مفاجئا في ضوء وصول حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة إلى السلطة قبل عدة أشهر، بقيادة بنيامين نتنياهو، فيما تنذر هذه التطورات بالعودة إلى مسار العنف بين الطرفين، وسط مخاوف دولية وإقليمية من أن الوضع سيخرج عن نطاق السيطرة.

إزاء ذلك توسطت مصر مع “الأمم المتحدة” لتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتشجيع الطرفين على العودة للمفاوضات وكسر الجمود الحالي في عملية السلام. وبالمثل، في خضم عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين يتظاهرون في جميع أنحاء البلاد للأسبوع السابع على التوالي، قبل أيام من تصويت البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” على الإصلاحات القانونية المثيرة للجدل التي اقترحتها الحكومة هناك. هذا ويبدو أن حكومة نتنياهو تواجه عدة عقبات، وفق مراقبين، وبالتالي، وسط وجود سلطة إسرائيلية يمينية متشددة، من المتوقع زيادة حدة تصعيدها مع الجانب الفلسطيني، من أجل كسب ودعم الشارع الإسرائيلي ومن ثم القضاء على الاحتجاجات ومستقبل الديمقراطية.

من هنا لابد من طرح بعض التساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا التصعيد، وهل هو أحد إفرازات الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة، وسط الاحتجاجات الشعبية هناك، وما إذا كانت مصر ستنجح مع “الأمم المتحدة” في تهدئة الوضع، وأيضا ما إذا كان ثمة تصعيد أكبر خلال هذه الفترة المقبلة وكيف ستبدو من حيث صدام “حركة الجهاد” مع القوات الإسرائيلية، وأخيرا تداعيات زيادة الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.

تصعيدات عنيفة

في السياق، شنّت إسرائيل غارات على قطاع غزة يوم الخميس الماضي غداة عملية طالت الضفة الغربية لتسفر عن مقتل 11 فلسطينيا وجرح أكثر من ثمانين آخرين بالرصاص، العملية الإسرائيلية جرت في مدينة نابلس حيث سقط فيها أكبر عدد من القتلى في عملية إسرائيلية في الضفة الغربية منذ 2005، فيما ردت الفصائل الفلسطينية من جانبها بإطلاق عدد من الصواريخ على البلدات المتاخمة للقطاع.

هذا وتلى أعمال العنف هذه، إطلاق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل ثم ضربات جوية إسرائيلية فجر الخميس على القطاع الذي تسيطر عليه حركة “حماس” منذ 2007. لكن لم تسجل إصابات أو قتلى في تبادل للقصف ، وفق تقرير لـ”ميدل إيست أونلاين“.

قبيل فجر الخميس، أُطلقت صواريخ عدة من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وتبنت “حركة الجهاد” الإسلامي إطلاق الصواريخ. وقال مصدر في الحركة إن عناصرها أطلقوا رشقة صواريخ باتجاه مستوطنات غلاف غزة ردا على مجزرة نابلس. وفي بيان قال الناطق باسم “حركة الجهاد” إن “ما قامت به المقاومة هو رسائل تحذير ونذير للاحتلال بأن تكف عن أبناء الشعب الفلسطيني وتوقف عدوانها”.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أنه رصد إطلاق ستة صواريخ من القطاع، اعترضت خمسة منها منظومة القبّة الحديدية للدفاع الجوي في حين سقط الصاروخ السادس في منطقة غير مأهولة. وأكدت أجهزة الإسعاف الإسرائيلية أنّها لم تسجل سقوط أي إصابة في القصف الذي دوّت بسببه، قرابة الساعة الرابعة “02,00 ت غ”، صفارات الإنذار في مدينتي سديروت وعسقلان الواقعتين في جنوب إسرائيل قرب قطاع غزة.

كما وشن الطيران الحربي الإسرائيلي ضربات على غزة، موضحا أنه قصف مصنعا لإنتاج الأسلحة ومعسكرا تابع لحركة “حماس”. وجاء هذا القصف غداة عملية عسكرية نفّذها الجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية.

قد يهمك: انعكاسات زيارة الرئيس السوري إلى عُمان.. دلالة على دبلوماسية القـوة الناهضة؟

منذ مطلع العام الجاري، قُتل في أعمال العنف والمواجهات 60 فلسطينيا بينهم مقاتلون ومدنيّون بعضهم قُصّر، و9 مدنيين وشرطي واحد إسرائيليين بينهم ثلاثة قاصرين، وامرأة أوكرانية، استنادا إلى مصادر رسمية إسرائيلية وفلسطينية.

تهدئة مؤقتة وتصعيد أكبر

على إثر هذه التطورات، عبّر الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” أنطونيو غوتيريش عن قلقه من أن الوضع في الأراضي الفلسطينية قابل للاشتعال اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ سنوات. ودعا “الاتحاد الأوروبي” كل الأطراف إلى العمل من أجل عودة إلى الهدوء وخفض تصعيد التوتر. فيما حثّ العديد من الدول كل الأطراف الفاعلة إلى الامتناع عن أي عمل يمكن أن يغذي العنف، بينما عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها العميق من مستوى العنف في الضفة الغربية.

وزير الخارجية المصري سامح شكري، قال يوم الخميس الماضي، إن مصر تبذل جهودا من أجل دعم التهدئة في الأراضي الفلسطينية وتشجّع الطرفين على العودة إلى المفاوضات، مضيفا ضمن بيان صادر عن “الخارجية المصرية” أنه ناقش في اتصال هاتفي مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي، التطورات الخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، وسبل تعزيز الجهود الدولية والإقليمية من أجل احتواء التوتر القائم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وزير خارجية المملكة المتحدة أعرب خلال الاتصال عن قلق بلاده البالغ نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في الأراضي الفلسطينية، وزيادة حدة العنف بين الجانبين، مؤكدا التزام بلاده بالعمل مع الشركاء الدوليين والإقليميين، وفي مقدمتهم مصر، من أجل احتواء التوتر القائم وتشجيع الأطراف على العودة إلى مفاوضات السلام.

منسق “الأمم المتحدة” لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، وصل إلى غزة للقاء قادة “حركة حماس” في محاولة لتهدئة الوضع، بحسب مصدر دبلوماسي. فيما قال مسؤول فلسطيني إن قياديين من “حماس” و”حركة الجهاد” حذروا وسطاء بينهم مصر من أن الوضع قد ينزلق إلى مواجهة مفتوحة إذا لم يحدث تغيير. ولم يصدر تعليق حتى الآن من المسؤولين الإسرائيليين.

الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة، يقول إن وساطة القاهرة و”الأمم المتحدة” قادرة على إيجاد تهدئة مؤقتة، لكن ليس باستطاعتهما إيجاد حلول مستقبلية للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبالتالي لا توجد حلول مستدامة في الوقت الحاضر.

السبايلة يضيف لموقع “الحل نت”، واقع أزمة السلطة الفلسطينية هو أيضا جزء أساسي من التغيير في النهج الإسرائيلي على المستوى الأمني ​​وأيضا على مستوى التغيير الذي حدث في تكوين الحكومة الإسرائيلية، وفي رغبتها إما في زيادة المستوطنات أو ضم بعض الأراضي وفرض القانون الإسرائيلي على تلك الأراضي للاستحواذ عليه كحق مشروع، وهذا يعني أنه من الطبيعي أن يكون هناك تصعيد أكبر في الفترة المقبلة.

الجزء الثاني وفق تقدير السبايلة يتعلق بالأمن ووقوع عمليات في إسرائيل مؤخرا، والتي تستهدف شخصيات إسرائيلية بعمليات منظّمة. وبذلك يصبح التصعيد أساس الجانب الإسرائيلي تجاه فلسطين، وهذا ما يعني أن الفترة القادمة ستكون مليئة بالتطورات على الساحة الفلسطينية.

دخول الصراع لمرحلة أخرى؟

في المقابل، احتشد المتظاهرون في إسرائيل لمعارضة حكومة متطرفة وأصولية تحاول تغيير الوضع الراهن وإعادة تشكيل شخصية الدولة. وهذه الاحتجاجات تدور حول مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية. ويوم الإثنين الماضي، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين إلى شوارع القدس ومدن أخرى، كما فعلوا ذلك مرارا وتكرارا خلال الشهر الماضي، في أكبر التظاهرات في تاريخ البلاد الحديث.

بالنظر إلى أن التغطية الدولية للسياسة الإسرائيلية تميل إلى التركيز على القضايا الإسرائيلية الفلسطينية، فقد يكون من المفاجئ أن هذه الاحتجاجات لا علاقة لها تقريبا بالتصعيد تجاه الضفة الغربية، أو القضايا المتعلقة بالحرب والسلام. وتتضمن الاحتجاجات مجموعة من مشاريع القوانين المثيرة للجدل التي من شأنها السماح لـ”الكنيست”، بإلغاء معظم قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة.

كما أنهم سيغيرون كيفية اختيار القضاة، مما يمنح الائتلاف الحاكم في البلاد مزيدا من السيطرة على عملية إدارة معظم مناحي البلاد. ويقول المعارضون إن مشاريع القوانين ستُضعف بشكل كبير استقلال القضاء وسيادة القانون، مما يمنح الحكومة اليمينية في البلاد الفرصة لتمرير مجموعة من القوانين الجديدة المثيرة للجدل. لطالما كانت المحكمة بمثابة خلية نواة سياسية لليمين الإسرائيلي، وهذه مشكلة شخصية أيضا لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي يُحاكم حاليا بمجموعة متنوعة من تُهم الفساد التي يقول إنها ذات دوافع سياسية، وفق تحليل لموقع “كريد نيوز“.

العام الماضي هو العام الأكثر دموية لفلسطينيي الضفة الغربية منذ عقدين على الأقل، من غارات عسكرية وأعمال عنف من قبل المستوطنين الإسرائيليين هذا العام. كما وقعت سلسلة من الهجمات الفلسطينية الدراماتيكية بشكل متزايد داخل إسرائيل، بما في ذلك مقتل سبعة أشخاص في إطلاق نار خارج كنيس يهودي في القدس الشرقية.

قد يهمك: الاستهداف الإسرائيلي لسوريا.. هجوم يحمل رسائل مختلفة؟

بعض الخبراء يرجحون بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستقوم بتصعيد التوترات مع الجانب الفلسطيني خلال الفترة الحالية والمقبلة أيضا، وذلك لتمرير ما ترنو إليه من إحداث تغيرات الوضع الراهن بإسرائيل وإعادة تشكيل شخصية الدولة. وأن نتنياهو نفسه لديه سبب شخصي للغاية لمحاولة تقويض النظام القانوني، لأنه يُحاكم بتهمة الفساد.

بالعودة إلى السبايلة، وفي إطار حدوث تصعيدات أكبر خلال الفترة المقبلة، يرى أن “حركة الجهاد” ستكون قدراتها محدودة بعد معركة “سيف القدس” في عام 2021، حين هاجمت إسرائيل قطاع غزة. وبطبيعة الحال ستقوم تل أبيب بزيادة الضغط على إيران واستمرار الاستهداف الإسرائيلي للمصالح والنفوذ الإيراني في سوريا، وبالتالي هذا يعني أن نمط مواجهة إسرائيل تغير، وفكرة الحرب المفتوحة مع غزة قد لا تكون في هذه المرحلة تخدم حتى الفلسطينيين، بسبب استعداد إسرائيل على الرد السريع والمباشر والقاسي.

كذلك، عدم قدرة الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية على ديمومة هذا الصراع وهذا إن دل على شيء فهو أنه سيكون هناك انتقال لمرحلة أخرى وهي مرحلة العمليات الفردية والتي ستكون مؤذية لإسرائيل أيضا. لكن قدرة “حركة الجهاد” حياله قد تكون محدودة. ويعتقد السبايلة أن زيادة المستوطنات هي جزء طبيعي من الرؤية الإسرائيلية التي تعتقد بالضرورة ضم بعض الأراضي الفلسطينية لها وبالتالي يبدو أنها ستتحول إلى أمر واقع على المدى القصير.

لكن من الصعب الحديث عن سيناريوهات حرب مفتوحة طويلة الأمد، فالجميع منهك، هذه الحكومة الإسرائيلية اليوم تواجه موجة احتجاجات غير مسبوقة وتحتاج إلى تحقيق انتصار على الأرض في هذا الملف، وبالتالي يؤهلها لتسويق نفسها على أنها قادرة على ضمان حماية إسرائيل والإسرائيليين، خصوصا وأن ملف غزة و”حركتا الجهاد” و”حماس”، لطالما كانت إحدى النقاط الرئيسية في موضوع الاستثمار السياسي في الداخل الإسرائيلي.

أيضا، سيناريوهات الحرب المفتوحة تحتاج إلى غطاء إقليمي أكبر، ويبدو جليا مدى انشغال العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين بالحرب الأوكرانية والمشاكل القريبة من حدودها الجغرافية وفي مناطق نفوذها، مما يجعل الحديث صعبا اليوم أي عن فكرة الحرب المفتوحة، وفق مراقبين.

مما لا شك فيه أن إسرائيل ترغب في إظهار صورة التصعيد والتي تتفق مع ما قامت به قبل أكثر من مرة، وبالتالي فهي تريد أن تبعث برسالة بأنها مستعدة لأي مواجهة، ومن ثم فالأمر لا يعدو كونه مجرد مرحلة مؤقتة، على الأقل في الوقت الحالي، بمعنى أنها جس نبض ومحاولة للاستثمار السياسي الإسرائيلي وتحقيق ما ترنو إليه وفق سياساتها.

في العموم، وعلى إثر قيام حكومة نتنياهو تمرير هذه القوانين قد تتطور مسألة الاحتجاجات الإسرائيلية بما يؤدي إلى تأزم وضع الحكومة سياسيا أو مؤسساتيا أو حتى اجتماعيا، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ السياسي الإسرائيلي، أو على الأقل في التاريخ السياسي اليهودي الإسرائيلي، ولتفادي واحتواء كل هذا الغضب، يرجّح الخبراء من أن تقوم تل أبيب بزيادة التصعيد ضد الأراضي الفلسطينية وأيضا تكثيف الضربات والاستهدافات ضد النفوذ الإيراني بالمنطقة لا سيما في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة