تساؤلات كثيرة تُثار حول الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على سوريا، حيث قُتل 15 شخصا، بينهم سيدتان على الأقل. القصف وقع في الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي، على حيّ سكني في دمشق، مع حصيلة القتلى هي الأعلى في العاصمة السورية نتيجة هجوم مماثل، بحسب ما أورده “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، في حين أفاد جيش الحكومة السورية عن مقتل 5 أشخاص فقط، بينهم جندي.

في المقابل، ذكرت تقارير صحفية أخرى أن القصف الإسرائيلي الذي ضرب منطقة كفرسوسة في دمشق ليل السبت-الأحد استهدف قياديا إيرانيا لم تسمه، فيما نفت “وكالة الأنباء الإيرانية” (إرنا) ما تردد عن سقوط ضحايا إيرانيين في الغارات التي استهدفت المنطقة في دمشق.

هذا الاستهداف يتزامن مع الوقت الذي اعترف فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بأن ناقلة نفط إسرائيلية تعرضت لهجوم بطائرة مسيّرة الأسبوع الماضي في بحر العرب، وبالتالي وجب طرح بعض التساؤلات الأكثر إثارة هنا، وهو كيف يمكن قراءة دلالة الهجوم الإسرائيلي على كفرسوسة بدمشق من الناحية السياسية خاصة في ظل أزمة الزلزال، وإلى أي حدّ يمكن اعتبار الهجوم الأخير يحمل رسائل مختلفة في ما يخص الصراع بين طهران وتل أبيب، خاصة أنه ثمة معلومات تشير إلى أن الهجوم طال اجتماعا لقادة إيرانيين، فضلا عن أن القصف الإسرائيلي تزامن مع اعتداء إيراني على سفينة بالبحر الأحمر، وبالتالي هل يعكس ذلك محدودية الرّد الإيراني أم ماذا يقف خلف مثل هذه الردود.

زيادة التصعيد

“الإذاعة الإسرائيلية” المحلية أفادت بأن شخصية كبيرة ربما كانت مستهدفة بهجوم كفرسوسة في دمشق المنسوب إلى إسرائيل، في حين نفت “إرنا” الإيرانية صحة ذلك. فيما أعلنت “وزارة الصحة السورية” سقوط 5 قتلى بينهم عسكري وإصابة 15، بينهم حالات حرجة.

وكالة الأنباء السورية” (سانا) المحلية، قالت إن صواريخ إسرائيلية أصابت مباني مأهولة في منطقة كفرسوسة، وإن وسائل الدفاع الجوي تصدت لأهداف معادية في سماء العاصمة في ساعة متأخرة من ليل السبت-الأحد، مؤكدة أن من بين الجرحى حالات حرجة، كما أسفر الهجوم عن تدمير عدد من منازل المدنيين، وأضرار مادية في عدد من الأحياء في دمشق ومحيطها.

غير أن “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أفاد بـ “مقتل 15 شخصا، وإصابة آخرين، وأن الهجوم ألحق أضرارا بعدة مبان في المنطقة كثيفة السكان بالقرب من ميدان الأمويين في قلب العاصمة. بينما أفادت “رويترز”، نقلا عن  شهود ومصدر رسمي، بأن الهجوم استهدف مجمع أمني كبير قريب من منشآت إيرانية.

“المرصد السوري” أشار إلى أن “صواريخ إسرائيلية استهدفت مواقع تتواجد ضمنها ميليشيات إيرانية و”حزب الله” اللبناني، في منطقة واقعة ما بين السيدة زينب والديابية بريف دمشق مما نتج عنها حرائق وانفجارات وتدمير مبنى وسقوط خسائر بشرية”، مضيفا في تغريدة على منصة “تويتر” “لا معلومات مؤكدة عن مقتل القيادي الإيراني المستهدف في القصف الإسرائيلي”، لافتا إلى أنه تم استهداف “كتيبة الرادار في تل مسيح جنوب شهبا في السويداء”. هذا ويعد هذا الاستهداف الإسرائيلي الثاني خلال العام الجديد 2023.

في المقابل استنكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، بشدة الغارات الإسرائيلية، التي قصفت أهدافا في دمشق وضواحيها وأسفرت عن مقتل عدد من المدنيين الأبرياء السوريين، واعتبر أن هذه الهجمات تأتي في وقت يعاني فيه الشعب السوري من أضرار الزلزال، ويظهر أنهما يحاولان تشديد آلام الشعب السوري، حسب تعبيره.

الباحث السياسي والمتخصص في الشؤون الإيرانية، هاني سليمان، يقول إن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تبادل عمليات بين الجانبين؛ الهجمات الإسرائيلية والإيرانية، خاصة هجمات تل أبيب على الميليشيات الإيرانية في سوريا، وتكرر ذلك أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة، وهذا يؤكد أن حكومة نتنياهو مُقدِمة على زيادة استهداف طهران وميليشياتها.

قد يهمك: الزيارات العربية إلى سوريا.. دلالات سياسية أم تكنيك دبلوماسي؟

بالتالي وفق تقدير سليمان لموقع “الحل نت”، فإن فرص التصعيد والمواجهة ستتزايد بشكل كبير مع صعود الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة من جهة وعدم توقف النظام الإيراني في أنشطته وعزمه على تحدي المجتمع الدولي لزيادة نفوذه في المنطقة، وخاصة سوريا من جهة أخرى. كما أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستقوم على تصفية الحسابات القادمة مع طهران ومحاولة استنزافها والضغط عليها في الفترة القادمة، وفق سليمان.

أشكال وأدوات مختلفة للمواجهة

المواجهات الإسرائيلية الإيرانية اتخذت أكثر من شكل. ويبدو أنها تحولت من الشكل الكلاسيكي القديم، وهو المواجهة مع “حزب الله” اللبناني الموالي لإيران، إلى مواجهات أخرى مختلفة، ذات أدوات وأبعاد متنوعة، بما في ذلك حرب الناقلات البحرية، أي الانتقال من المواجهة الأحادية من خلال استهداف “حزب الله” والتطويق اللبناني إلى استراتيجيات أخرى، من استهداف التغول وتكوين الميليشيات الإيرانية في سوريا، بحيث تكون جبهة المواجهة المباشرة ليست من لبنان فقط، ولكن تحولت المركزية للداخل السوري أيضا، وبالتالي هذه نافذة وباب جديد، يُضاف إليه حرب الناقلات وأيضا الحرب السيبرانية بين الطرفين، حيث استهدفت إسرائيل مركز الطاقة التابع لمنشأة “نطنز” إلى جانب عمليات أخرى.

كما اتخذت المواجهة بعض الأدوات المختلفة الأخرى، منها الاغتيالات الإسرائيلية لقادة وعلماء الطاقة الإيرانيين، آخرهم محسن فخري زاده، واستهداف قواعد “الحرس الثوري” الإيراني، وبالتالي تباينت أساليب المواجهة وباتت مختلفة. وفي كل فترة يتم صعود إحدى هذه الأدوات إلى الواجهة مجدّدا، ولكن في النهاية يكون خط الجبهة داخل الأراضي السورية، مستمر طوال الوقت، وفق سليمان.

بحسب وجهة نظر سليمان، فإن العملية الإسرائيلية الأخيرة على كفرسوسة في دمشق، تشير إلى أن التصعيد سيتزايد بشكل أكبر من ذي قبل، وثمة إصرار إسرائيلي ربما فيما يتعلّق بالمنشآت الإيرانية، وكذلك إصرار الأخيرة على إعادة تموضعها وتمدّدها وبسط نفوذها وهذا ما يشكّل تهديدا لإسرائيل بشكل كبير، وهنا يرى سليمان أن هناك حالة من العناد والردع، ومن ثم ستزداد فرص المواجهة بينهما خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تضاؤل ​​فرص التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.

يوم الأحد الفائت، شدد نتنياهو على أن تل أبيب لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية أو إثبات وجودها على “حدودها الشمالية”، مضيفا أن إيران مسؤولة عن هجوم وردت أنباء عن وقوعه الأسبوع الماضي في منطقة الخليج على ناقلة نفط مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي. وأكدت إدارة الناقلة يوم السبت الماضي تعرّضها لأضرار طفيفة في 10 من شباط/فبراير الجاري جراء هجوم بجسم محمول جوا عندما كانت تبحر في البحر العربي.

هذا وربطت قواعد بيانات الشحن هذه الناقلة بشركة “زودياك ماريتايم”، التي يملكها قطب الشحن الإسرائيلي إيال عوفر. وكانت “الإذاعة الإسرائيلية” المحلية قد نقلت عن مصادر أمنية مخابراتية إسرائيلية تأكيدها صحة المعلومات التي نشرت مؤخرا حول تعرّض السفينة “كامبو سكوير” لهجوم بمسيّرات إيرانية عندما كانت تبحر في مياه الخليج.

في حين ذكر نتنياهو في مستهل الجلسة الأسبوعية لحكومته أن إيران هاجمت ناقلة النفط الأسبوع الماضي ويوم السبت هاجمت قاعدة أميركية، وأنها تحاول الإضرار دون هوادة بإسرائيل ومواطنيها في مناطق مختلفة من العالم؛ لكن هذه الهجمات لن تثني إسرائيل عن القيام بكل ما يلزم لحماية مواطنيها وهي ترد على ذلك بحزم وقوة، حسب قوله.

التقليل من حجم الخسائر

بحسب شهود ومسؤولين، فإن الهجوم الصاروخي الإسرائيلي استهدف مبنى في منطقة كفرسوسة، والمبنى المستهدف يقع خلف المدرسة الإيرانية مباشرة، حيث إن جدران المدرسة متصلة تماما بجدران البناء المستهدف، والطابق المستهدف هو طابق تحت الأرض، ويبدو للعيان كأنه موقف سيارات، وقد ظهر في الفيديوهات التي التقطها مدنيون من المكان عينه استمرار اشتعال النيران فيه ووجود فجوة كبيرة في مكان سقوط الصاروخ.

التقارير تقول إن الموقع ذاته كان قد استُهدف يوم 26 تموز/يوليو 2016 بسيارة مفخخة، وقالت حينها الجهة التي استهدفته إنه يستخدم كغرفة عمليات واجتماعات لقيادات تدير مجموعات عسكرية مدعومة من إيران. والمنطقة التي يقع فيها البناء المستهدف والمدرسة الإيرانية، تتواجد فيها أيضا رئاسة مجلس الوزراء التابعة لحكومة دمشق، والسفارة المصرية، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والأمن العسكري، وإدارة المخابرات العامة. وكالة “إرنا” الإيرانية قالت إن المكان المستهدف هو الموقع نفسه الذي اغتيل فيه القيادي في “حزب الله” اللبناني عماد مغنية عام 2008.

بالعودة إلى الباحث المختص بالشأن الإيراني، قال إن إيران ربما اتّبعت مؤخرا استراتيجيات مختلفة لمحاولة التقليل والتهوين من أهمية العمليات التي تنفذها إسرائيل ضدها، وذلك لحفظ ماء الوجه خاصة في عملية كفرسوسة، حيث تحاول طهران عدم وضع نفسها في موقف محرج سيما في ظل التحديات الداخلية والخارجية، وبالتالي فهي لا تريد إظهار الحقيقة وتخفي حجم الخسائر، بل تحاول إظهار مدى قوة طهران العسكرية عبر وسائل إعلامها. ويرى سليمان أن هذا الأمر ليس في مصلحة إيران حيث تكبدت خسائر فادحة متتالية في الآونة الأخيرة.

قد يهمك: تجديد “الاتفاق الإطاري” بين بغداد وواشنطن.. الدلالات والمآلات

هذا ويمكن أن يكون استهداف كفرسوسة بدمشق مختلفا وهناك دلالة عليه، خاصة وأن التقارير تقول إن الهجوم استهدف قادة إيرانيين، والدلالة هي إصرار إسرائيل على عدم تجاوز إيران لأي خطوط حمراء، وهي مُقدِمة على استهداف القادة الإيرانيين، وازدادت هذه الاستراتيجية بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق، بالتالي يمكن القول أن ثمة نشاطا إسرائيليا منهجيا لاستهداف قادة طهران، وفق تقدير سليمان.

سليمان يرى أن هذا الأمر يؤثر على أداء النظام الإيراني، وخاصة “الحرس الثوري” الإيراني، حيث لا يمكن استبدال القادة التاريخيين بقادة جدد، فهم مشبعون بالحماس الثوري والبُعد الأيديولوجي والقدرة على التنظيم، وبالتالي فإن ضرر هذه الاستراتيجية الإسرائيلية سيكون شديدا ومؤثرا على طهران، وهذا ما ظهر بعد مقتل قاسم سليماني.

البقاء في دائرة المواجهة!

جراء الاستهداف الإسرائيلي، تناقل سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي خبر الاستهداف، مؤكدين أن أصوات الانفجارات علت إلى حدّ كبير في سماء العاصمة. وأظهرت صور نشرتها “المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية” مدى حجم الضرر الذي لحق بقلعة دمشق.

هذا ويأتي هذا الاستهداف في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب كل من تركيا وسوريا، وخلّف أضرار هائلة. ويرى سليمان أن البُعد الإنساني غائب لدى كل من إسرائيل وإيران، فهما براغماتيان وبعيدان عن أي اعتبارات إنسانية. ويعتقد سليمان أن هذا الزلزال الكارثي لن يكون عائقا أمام تحقيق أهداف أي منهما، وبالتالي يشكل نوعا من الانتهازية السياسية، وسط انشغال المجتمع الدولي بالأزمة الإنسانية هذه.

حروب الناقلات واستهداف المصالح الدولية والإسرائيلية وتعطل الملاحة البحرية ومحاولة الضغط على المجتمع الدولي عبر الخروج عن الاتفاقية النووية، يمكن اعتبارها استراتيجية إيرانية قديمة تكررت أكثر من مرة.

إن عدم رد المجتمع الدولي بخشونة على طهران، يمكن أن لا يردع طهران عن ممارسة هذه الأنشطة، لكنه في النهاية يعكس خيبة أمل ونوعا من الضعف الشديد ومحدودية الرد الإيراني مقارنة بحجم الأضرار والخسائر، وبالتالي سيبقى الوضع في هذه الدائرة لفترة طويلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.