قبل أن تحط طائرة الرئيس السوري، بشار الأسد، في سلطنة عُمان، ظهر الاثنين الفائت، ذكرت وسائل إعلام عربية ودولية أن الشرطة المحلية في مسقط استنفرت بشكل كبير وأغلقت الشوارع تمهيدا لوصول شخصية مهمة، في حين رجحت جميع وسائل الإعلام وخاصة الروسية أن تكون هذه الشخصية هي الأسد بعينه.

الزيارة التي أعلن عنها رسميا بعد مغادرة الرئيس السوري، تأتي كأول زيارة رسمية له منذ الزلزال المميت الذي ضرب البلاد في السادس من شباط/فبراير الجاري، والذي بلغت قوته 7.8 درجة وقتل ما يقرب من 45 ألف شخص في تركيا وسوريا وأدى إلى مزيد من الذوبان في العلاقات بين الأسد والدول العربية الأخرى.

عُمان واحدة من عدد قليل من الدول العربية التي حافظت على علاقات طبيعية مع دمشق بعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في عام 2011 بسبب قمع  الحكومة لاحتجاجات شعبية اندلعت آنذاك، في حين قال مكتب رئاسة دمشق، إنه خلال الزيارة كان باستقبال الرئيس السوري، السلطان هيثم بن طارق، ونقلت عن الأسد قوله إن عُمان حافظت على “سياساتها المتوازنة ومصداقيتها”، مضيفا أن المنطقة بحاجة إلى دور عُمان في تعزيز العلاقات بين الدول العربية على أساس “الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى”.

لا يمكن الجزم بأن الأسد لم يتلق نصيحة من وزراء خارجية الإمارات والأردن الذين زارا سوريا خلال الأسبوع الفائت، بأن يستهل التعاطف العربي مع الحكومة السورية بسبب ضحايا الزلزال بزيارة رسمية لدولة لم يسبق له خلال عقد العزلة أن زاراها، ولذلك كانت عُمان كان الخيار الأفضل بحكم أن السلطنة أول دولة خليجية أعادت سفيرها إلى سوريا، لكن ما الدلالات السياسية لهذه الزيارة.

استمرار هياج الدبلوماسية السورية

في السنوات القليلة الماضية، زار الأسد روسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة. ومنذ كارثة الزلزال، التقى وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان مع الأسد، كما التقى وزير الخارجية الأردني في دمشق، وهو أول مسؤول أردني يزوره منذ بدء الصراع.

في حين أن الدول العربية الأخرى التي قطعت علاقاتها مع سوريا خلال الحرب وعلى الأخص السعودية ومصر، إلا أن كارثة الزلزال كانت بوابة لتقديم المساعدات العربية والدولية لدمشق، بعد أن كانت الأخيرة ترفض “آلية الحماية المدنية” التابعة للاتحاد الأوروبي، بسبب شرط وحيد، هو إشراف وفد من أعضاء الاتحاد على توزيع المساعدات داخل سوريا، وكانت تريد بدلا من ذلك رفع كافة العقوبات التي تستهدف شخصيات بعينها داخل المؤسسات الرسيمة السورية.

زيارة الأسد إلى عُمان جاءت في أعقاب عدد من الاجتماعات الأخيرة بين المسؤولين السوريين ونظرائهم العُمانيين في محاولة لتطبيع العلاقات بين سوريا ودول الخليج. وبحسب تقرير نشرته “الشرق الأوسط”، أعطى الزلزال الأخير جيران سوريا العرب ذريعة لاتخاذ خطوات نحو التطبيع مع سوريا، وهو ما كان مستحيلا في السابق بسبب ضغوط الحكومة الأميركية. 

العديد من الدول، منها روسيا وإيران والصين والإمارات والسعودية والجزائر ومصر والأردن وليبيا قدموا مساعدات إغاثة إلى سوريا على الرغم من الحظر الاقتصادي الذي تفرضه العقوبات الدولية لم تكن تمنع سابقا وصول المساعدات الإنسانية إلى كافة المناطق في سوريا.

وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، قال في 18 شباط/فبراير الجاري، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، إن هناك إجماعا متزايدا في العالم العربي لإعادة دمج سوريا في الحظيرة الإقليمية. وشدد الوزير السعودي على أن عزل دمشق لم يعد ممكنا وأن الحوار مطلوب في مرحلة ما، على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية مثل عودة اللاجئين إلى الوطن.
لأول مرة منذ عام 2011 يعود الأسد للتصرف كرئيس دولة خلال زيارته لسلطنة عمان، حيث سافر بطائرة سورية وليس بطائرة الدولة التي يزورها، وبشكل علني وليس سري إذ كان يتم الإعلان عن الزيارة بعد انتهائها، كما تم استقباله بحرس شرف وليس خفية وبدون مراسم استقبال رئيس دولة، أيضا تم إرسال طائرة سورية قبله كما كان المعتاد قبل عام 2011 تضم الوفد الدبلوماسي والأمني والإعلامي المرافق له.

في عام 2020، أرسلت عُمان سفيرها إلى سوريا بعد توقف دام ثماني سنوات، مما جعل السلطنة أول دولة خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا منذ اندلاع الصراع في البلاد، إذ عام 2012، سحبت عُمان ودول خليجية أخرى سفراءها احتجاجًا على قمع الحكومة السورية للاحتجاجات المستمرة منذ عام 2011. وأغلقت دول عربية أخرى سفاراتها، لكن عُمان، المعروفة بحيادها ودبلوماسيتها بين الأطراف الإقليمية، أبقتها مفتوحة طوال سنوات الصراع.

الإجراءات العربية ضد دمشق بدأت بعد أن طردت سوريا من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية البالغ عددها 22 في عام 2011، وفرضت الدول العربية عقوبات على دمشق ونددت باستخدامها القوة العسكرية ضد المعارضة.

هندسة دبلوماسية للتطبيع مع سوريا

تطبيع العلاقات بين الدول العربية وسوريا يعد جزءًا لا يتجزأ من تطور المنطقة، وقد قامت عُمان في السنوات الأخيرة بدور مهندس التطبيع في العالم العربي، ولا سيما مع دول منعزلة مثل سوريا. من خلال عمل الدبلوماسيين العمانيين، وخاصة الدكتور سيد بدر بن حمد، الذي شغل منذ عام 2011 منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات الدولية والتعاون، أصبحت عُمان لاعبا رئيسيا في الدبلوماسية الإقليمية والدولية وكان لها دور فعال في تشكيل شراكات تبعية بين دول العالم العربي.

الخبير في سياسة الشرق الأوسط، ريكس برينين، أوضح لـ”الحل نت”، أنه كان أحد النجاحات الرئيسية للدبلوماسية العُمانية مع سوريا هو إقامة علاقات دبلوماسية بين أبو ظبي ودمشق، وهو وضع بدا في السابق بعيد المنال. في نيسان/أبريل 2018، أصدر كل من “مجلس التعاون الخليجي” قرارا ضمنيا السماح بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق ولكن بشكل فردي. لذا كانت السلطنة أول الدول التي كسرت الجليد مع سوريا وأحيت العلاقات الثنائية بين البلدين.

بشكل عام، وفق تحليلي برينين كان دور عُمان الاستراتيجي كوسيط وميسر ومهندس للتطبيع بين الدول العربية ضروريًا للمنطقة وسهل وضعًا سياسيًا أكثر ملاءمة مما كان عليه الحال سابقًا. وكان تعاون عُمان مع الولايات المتحدة بعض الدول العربية في هذه الأمور ناجحاً. أقر كلا البلدين بأهمية إيجاد حلول دبلوماسية للمنطقة والتزاما بإيجاد حل سلمي للنزاعات المستمرة في سوريا. هذا النوع من الشراكة أساسي في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وسلطنة عمان مصممة على الاستمرار في لعب دورها في هذه العملية.

الجدير ذكره، أنه في أعقاب الحرب الأهلية وعدم الاستقرار في سوريا، ظلت عمان نصيرًا حيويًا للاستقرار والتقدم الدبلوماسي في المنطقة. في ذروة التوتر بين الحكومة السورية ومواطنيها، حافظت عُمان على مسارها وحافظت على موقفها المستقل. منذ اندلاع الصراع في عام 2012، سعت عُمان باستمرار إلى تعزيز الحلول الدبلوماسية وتشجيع الحوار بين الطرفين من أجل التوصل إلى حل سلمي.

أما الآن، فمن أجل تحقيق سلام واستقرار مستدامين في سوريا، تسعى عُمان بحسب برينين باستمرار إلى تعزيز الحوار من خلال القنوات الدبلوماسية.

دورها الحالي يبدو أنه يتمحور في أن تكون طرف ثالث آمن لأصحاب المصلحة الدوليين ذوي المصالح الخاصة في سوريا. وبرأي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فإن زيارة الأسد هي مقدمة لتعيين الديوان السلطاني العُماني لوسيط دبلوماسي للتوسط بين الحكومة السورية والحكومات الأجنبية. حيث ستكون مهمة هذا المبعوث في تهيئة الأجواء للتواصل مع أصحاب المصلحة خارج الصراع، وموقع عمان كدولة محايدة يجعل جهودها لنزع فتيل الصراع أكثر فاعلية.

المحور الآخر، سيكون عبر تأمين السلطنة الخليجية الدعم الاقتصادي لسوريا كوسيلة لتحقيق الاستقرار في البلاد وتشجيع علاقة تعاونية بين جميع أصحاب المصلحة. من خلال تأمين التزام عربي بتقديم حزمة مساعدات أولية لتخفيف المصاعب التي يواجهها المدنيون السوريون. وأيضا لتهيئة الحكومة السورية بشكل خاص في مواجهة عودة اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة ومساعدة أولئك الذين بقوا في البلاد.

الرهان على الأسد

منذ بداية الصراع السوري، أوضحت مسقط أنها تسعى فقط لأدوار إنسانية ودبلوماسية في سوريا، بدلاً من توجيه الأسلحة والدعم المادي للفصائل المناهضة للحكومة كما فعلت قطر والمملكة العربية السعودية. صاغت الدوحة والرياض مواقفهما ضد الأسد على أسس أخلاقية بينما أدانت بشدة جرائم الحكومة السورية، في حين أن السياسة الخارجية العمانية بعد عام 1970 هدفت إلى تجنب الإجراءات أو الخطابات التي يمكن أن تفسر على أنها تدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. 

بحسب دبلوماسيين عُمانيين في واشنطن، فإن رؤية السلطنة في حل الأزمة السورية تنبع من ضرورة وضع حد لإراقة الدماء والصراع المسلح، ولا تدخر جهدا للمساهمة في هذا الصدد في جميع المحافل من أجل تحقيق السلام في سوريا ووضع حد لمعاناة الشعب السوري. مع استئناف المزيد من الدول العربية بما في ذلك البحرين والإمارات والأردن العلاقات مع سوريا، ترى عمان هذا الاتجاه نحو قبول شرعية الحكومة السورية على أنه إثبات للحفاظ على العلاقات مع دمشق، طبقا لمركز “كارنيجي” للدراسات.

منذ توليه السلطة في كانون الثاني/يناير 2020، سعى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى الحفاظ على نهج مسقط تجاه سوريا وحتى توسيع العلاقات مع البلاد. في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2020، تسلم وليد المعلم، وزير الخارجية السوري الراحل، أوراق اعتماد سفير مسقط في سوريا، تركي محمود البوسعيدي، مما جعل السلطنة أول دولة خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا منذ عام 2011. 

من وجهة نظر مسقط، فإن هذه الخطوة تساعد تعزيز قدرة عمان على لعب دور أكبر كجسر دبلوماسي وفاعل إنساني في الدولة التي مزقتها الحرب. بالنظر إلى أن النظام يخرج منتصراً في الحرب الأهلية في سوريا، يسعى العمانيون بشكل عملي لتحقيق مصالحهم في سوريا بناءً على قبول حقيقة أن التعامل مع الحكومة في دمشق ضروري للتعامل مع البلاد.

في غضون ذلك، ترى دمشق فوائد في الاستفادة من عمان كشريك دبلوماسي محتمل وجسر مع دول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى. زار المعلم عُمان في آب/أغسطس 2015 وهي أول رحلة له إلى دولة خليجية عربية منذ 2011 في محاولة واضحة للاستفادة من الدبلوماسية العمانية لإنهاء الصراع. 

على الرغم من أن التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2015 عززت موقف دمشق إلى حد كبير، إلا أن زيارة المعلم آنذاك سلطت الضوء على نظرة دمشق إلى عُمان كقناة خلفية موثوقة بين دمشق وأعدائها. قد ترى سوريا أيضًا عُمان كضامن محتمل لقناة داخل “دول مجلس التعاون الخليجي”، وبينما تفتقر روسيا وإيران، الحليفان الرئيسيان، إلى الوسائل المالية حاليًا لمساعدة سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، ترى دمشق أن دول الخليج مثل الإمارات والسعودية تمتلك موارد للاستثمار في إعادة إعمار سوريا.

إن زيادة نشاط عُمان في سوريا لا يشير فقط إلى المصالح الخاصة للسلطنة هناك، والتي تشمل فرص الاستثمار وفرص تأكيد نفوذ القوة الناعمة لسلطنة عمان كجسر دبلوماسي في منطقة مستقطبة، بل يشير إلى مجموعتها الأوسع من الشراكات في الشرق الأوسط وخارجه. علاقات مسقط المهمة مع روسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة وكلهم يرحبون بدور عماني في سوريا لها علاقة بموقف الدولة العربية تجاه سوريا. باعتبارها الدولة الخليجية الأكثر حساسية لأمن إيران ومصالحها الجيوسياسية، يجب أن يُفهم دعم عمان المتزايد لدمشق جزئيا على الأقل في سياق علاقة مسقط الخاصة مع طهران، مما يساعد على وضع عمان كقوة موازنة في الشرق الأوسط. 

مع تحسن العلاقات بين سوريا وجيرانها عام 2018 مرة أخرى بعد عقد من اندلاع الحرب السورية لأول مرة، أصبحت دمشق وجهة شعبية لكبار الشخصيات العربية. حاليا وبعد كارثة الزلزال بدأت أيام العزلة الطويلة والاضطراب الإقليمي في سوريا في التحول وإن كان ذلك بشكل تدريجي ويعود جزء كبير من إعادة الاندماج إلى الدور الحاسم الذي تلعبه مسقط ورهانها على الحفاظ على خطوط اتصال وعلاقات واضحة مع دمشق في أسوأ الأوقات.

بالنظر إلى المستقبل، في حين أن معظم الحكومات الغربية ليست مستعدة للتعامل مباشرة مع الحكومة السورية دبلوماسياً أو من خلال موسكو أو طهران، يمكن لسلطنة عمان أن تستمر في ترسيخ نفسها كطرف وسيط للمشاركة بين سوريا والغرب. كدولة لا تحمل سوى القليل من العبء في علاقاتها الخارجية، فإن نفوذ عمان المتزايد في سوريا يمكن أن يجعل السلطنة لاعباً دبلوماسياً ذا أهمية متزايدة في عملية إعادة دمج دمشق في العالم العربي والمجتمع الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.